العنوان تعليقًا على ما ذكر في منتدى دافوس.. عن الإخوان
الكاتب عبدالمنعم أبو الفتوح
تاريخ النشر السبت 03-يونيو-2006
مشاهدات 47
نشر في العدد 1704
نشر في الصفحة 26
السبت 03-يونيو-2006
تناول البعض جماعة الإخوان المسلمين في منتدى دافوس الذي عقد مؤخرًا بشرم الشيخ.. وهو الأمر الذي أعتبره طبيعيًا وعاديًا؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين هي كبرى الحركات الإصلاحية في الشرق، والإسلام العظيم هو دين أغلبية أبنائه وثقافة وتراث كل أبنائه بمختلف دياناتهم.. وكون المشروع الإسلامي الآن يتصدر المشهد الإصلاحي العام في المنطقة.. لذلك لم أندهش كثيرًا مما ذكره السيد رئيس الحكومة واعتبرت حديثه يندرج ضمن المنافسة السياسية الطبيعية.. وهو ما أرجو أن يكون كذلك عنده.. على أني أتفق مع ما ذكره الدكتور محمد سليم العوا في «ضرورة الاطلاع الدقيق على الواقع السياسي حتى تكون القرارات والمواقف قائمة على أسس صحيحة».. وأتصور أن القاموس السياسي لم يعد يحوي كلمات مثل «تنظيمات» و«سرية» و «محظورة» وهو ما أتوقع أن يخلو منه حديث المسؤولين التنفيذيين قريبًا إن شاء الله.
على الجانب الآخر كان حديث مسؤول الخارجية الأمريكية منقوصًا بدرجة لافتة للنظر!! ولا علينا من تصحيح نقاط جوهرية أرتكز عليها في أقواله؛ لأننا أولًا كأصحاب رسالة إصلاحية يعنينا كثيرًا أن تكون مواقف الآخرين منا قائمة على معرفة صحيحة عنا وعن تاريخنا وأفكارنا.
وثانيًا: لأننا نتوقع توقعًا يستند إلى استقراء دقيق المعطيات السياسة الأمريكية، أن ثقافة التطرف التي يعتنقها المحافظون الجدد تتجه إلى الانحسار.
وثالثًا: لأن الجميع في الغرب 《أوروبا وأمريكا》 مهتمون كثيرًا برؤانا وتصوراتنا عن مستقبل العيش المشترك بين الشرق والغرب في ظل الحضارة الإنسانية المعاصرة.
أولا: الإخوان المسلمون حركة إصلاحية: تعتقد أن الإسلام العظيم هو المرجعية النهائية لشعوب الشرق لأنه يدعو إلى إقامة مجتمع الإنسان.. مجتمع العدل.. مجتمع الكرامة.. وكون هذه الأسس تتعلق بحقيقة أن الإنسان -أيًا ما كان دينه- هو مخلوق الله المختار، وقضت إرادة الله أن يكون كل أبناء آدم عليه السلام مكرمين. تقول الآية الكريمة ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ (سورة الإسراء: ٧٠).. والإخوان المسلمون يتطلعون باهتمام شديد إلى تلك المراجعات الفكرية التي تتم في الغرب على مستوى «الحداثة»، وما نقرؤه عن تعاظم القيم التي تدعو إلى الإعلاء من شأن «الإنسان» من حيث كونه إنسانًا أولًا وثانيًا وثالثًا.
ثانيًا: الإخوان المسلمون يعتبرون أنفسهم امتدادا طبيعيًا لحركات الإصلاح التي قامت في الشرق مما يزيد على قرنين في مواجهة التخلف والاستبداد والاحتلال الأجنبي.. تلك الحركات التي تنبذ العنف نبذًا مطلقًا ومظاهر العنف التي صاحبت الاحتلال لا تقرّ كل الأعراف الإنسانية مشروعيتها.. وتاريخ الغرب الحديث ذاته من أوله إلى آخره ما قام إلا على أنقاض حروب استقلال ورفض للاحتلال سواء في أمريكا أو في أوروبا..
وقد كان قيام الدولة الوطنية في مراحل الاستقلال إيذانًا قاطعًا بتحول الحركات الإصلاحية تمامًا إلى مواجهة التخلف والاستبداد بكل الوسائل السلمية المتاحة.. لكن الأمور لم تسر في الاتجاه الصحيح، وأبت الأنظمة السياسية في الغرب إلا أن تمنع قيام دولة «العدل والرفاه» في أوطاننا، وتقاسمت مع الأنظمة السياسية في المنطقة العربية أدوارًا غير إنسانية بالمرة، تتسم بالظلم والغباء وقصور النظر، وهو الأمر الذي أسفر عن تكوين جيوب عنف مسلح في بعض البلاد العربية وامتدادها إلى بعض البلاد الغربية.
وللأسف ما زالت الأنظمة الغربية تقوم بهذا الدور الغريب الذي يناقض القيم الإنسانية العليا، وأيضًا يناقض المصالح الطبيعية للغرب في علاقته بالشرق.. والإخوان المسلمون يتطلعون باهتمام واحترام إلى الدراسات البحثية في الغرب التي تناولت هذه المسألة بعمق وموضوعية، وذهبت إلى ما ينادى به الإخوان المسلمون من أن التخلف والاستبداد هما البئر العميقة التى تخرج منها كل ظواهر العنف المسلح، وأيضًا العنف الفكري الذي يضيق ما وسعه الإسلام في المعاملات خاصة مع «الآخر» الذي يختلف دينيًا وسياسيًا وأيديولوجيًا. ونتطلع بكل اهتمام إلى أن تهتم الأنظمة السياسية ومراكز صنع القرار في الغرب إلى ما انتهت إليه معظم المراكز البحثية والأكاديمية في دراساتها عن تيار الإسلام الإصلاحي الذي تمثل جماعة الإخوان المسلمين قلبه وقالبه في معظم البلاد العربية والإسلامية.
ثالثًا: أثبتت تجربة الإنتخابات البرلمانية المصرية مؤخرًا.. عمق الفجوة بين الشعب والنظام السياسي وهو أمر مؤسف للغاية ولا يسعد أي مواطن أن يذكره عن بلاده، ولكن التغطية الإعلامية، لقدر القسوة والشراسة التي أستخدمها النظام في إكراه وقهر الناس على ما لا يريدون لم تعد تخفى على أحد في الداخل الخارج.. وهذا الأمر مهما طال فبكل المعايير الإنسانية والأخلاقية والسياسية لن يستمر.. بقوانين التاريخ ونظريات علم الاجتماع لن يستمر.. بشوق المصريين إلى ما يليق بهم من حياة كريمة لن يستمر.. بالثقة والحب والمناصرة بين الشعب وأبنائه الأبطال من الإخوان والوطنيين الشرفاء لن يستمر.. وقد رأينا كيف كان الناس يقفزون من فوق الأسوار ليمارسوا حقهم الطبيعي في الانتخاب والاختيار مثل باقي البشر في الأمم المتحضرة، وكيف كان يحال بينهم وبين مجرد الدخول لأماكن الإقتراع.. وهو ما يشهد على ما يحمله المصريون في قلوبهم من حب وثقة وأمل في أبناء حركة الإسلام الإصلاحي من الإخوان..
وإذا كان الإخوان المسلمون ينظرون للانتخابات الديمقراطية والتمثيل النيابي الصحيح على أنه أحد وسائل مواجهة التخلف والاستبداد، فإنهم ينظرون إلى هذه الوسائل أيضًا كأحد أوجه المقاربة والتفاهم بين الشرق والغرب لأن هذه الوسائل أصبحت قيمًا إنسانية وكونية لا يتخلف عنها ولا جاهل أو فاسد.
أرجو أن تكون النقاط الثلاث السابقة قد أوضحت رؤية وموقف واختيار الإخوان المسلمين، التي كما ذكرت أولًا الامتداد التاريخي لحركة الإصلاح في الشرق الإسلامي والعربي مما يزيد على قرنين مضوا.