; تفوق الشريعة وسموها على القانون الوضعي | مجلة المجتمع

العنوان تفوق الشريعة وسموها على القانون الوضعي

الكاتب عبدالقادر بن محمد العماري

تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1987

مشاهدات 36

نشر في العدد 846

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 08-ديسمبر-1987

·        المجتمعات اليوم في حاجة إلى تطبيق حكم الله في المفسدين أكثر من أي وقت مضى

كلما تقدم الزمن واتسعت آفاق الناس في العلوم والفكر، وتقدمت الحضارة، كلما ظهر وبرز تفوق الشريعة الإسلامية وسموها على القوانين الوضعية، والذين افتتنوا بتلك القوانين في عالمنا الإسلامي في أوائل القرن، وانبهروا بالنظريات القانونية في الفقه الغربي في تلك الحقبة من الزمن التي شهدت دخول الاستعمار بلاد المسلمين فاحتقروا شريعتهم وأهملوها، وأهالوا عليها التراب، فلو كان أولئك على قيد الحياة اليوم لرأوا أن الفقه الغربي الذي افتتنوا به قد بدأ يأخذ بنظريات يعتبرها حديثة، وهي في الواقع قد جاءت في الفقه الإسلامي، وقال بها الفقهاء المسلمون قبل أن يعرفها الفقه الغربي، ولنضرب لذلك مثالًا واحدًا وهو القصد الجنائي في جريمة القتل العمد، لقد درج الفقه الغربي على التأكيد على وجوب توفر نية القتل عند الجاني، ولا ينظر إلى الفعل المتعمد الذي يأتيه الجاني حتى لو كان من شأنه إزهاق الروح، فهو يفرق بين من يقدم على الفعل، ويقارف النشاط الإجرامي من أجل تحقق النتيجة، بينما الشريعة الإسلامية تسوى بين الأمرين، فإذا أقدم الجاني على فعل متعمدًا ومن شأن ذلك الفعل أن يقتل المجني عليه؛ فإن هذا يعتبر قتل عمد في نظر الشريعة حتى ولو لم يكن في نية قتل المجنى عليه، والاتجاه الجديد في الفقه الغربي اليوم هو الأخذ بهذه النظرية والتسوية بين من يعتدى ويبتغى النتيجة (إزهاق الروح)، وبين من يعتدي وهو يعلم أن النتيجة (إزهاق الروح) لازمة لاعتدائه، ولو لم يقصدها، وهذه هي نظرة الفقه الإسلامي في المذاهب الأربعة، وفي مسائل القتل هناك اختلاف جوهري بين الشريعة والقانون، فكثير من الحالات يعتبر القانون فيها القتل غير عمد، بينما تعتبر الشريعة أنه قتل عمد، فلا تشترط الشريعة سبق الإصرار والترصد، للحكم بالعمدية، بينما يشترط ذلك القانون؛ وذلك أن هدف القانون هنا غير هدف الشريعة، فهدف الشريعة هو سد الذريعة، وقطع دابر الجريمة، والرحمة بالجماعة أكثر من الرحمة بالفرد، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (البقرة: 179).

 فحياة الجماعة وأمنها وطمأنينتها مقدمة على حياة الفرد، ولذلك نجد أن القتلة والمجرمين في ظل القانون الوضعي يفلتون من العقاب، فيحميهم القانون من توقيع العقوبة التي يستحقونها جزاء وفاقًا، وأظهر القانون الوضعي هذا التساهل بمظهر الحرص على حياة الإنسان وعدم الإكثار من المقتولين، فتمكن المجرمون من الإفلات من العقوبة، ونتج عن ذلك التساهل أن ازداد نشاطهم في ظل القانون، هم يقتلون الأبرياء فيأتي المحامون فينقذونهم من العقوبة، بحجة أنه لم يثبت سبق الإصرار والترصد فتكون النتيجة أن يخرج المجرم من السجن بعد مدة قليلة قضاها في بحبوحة من العيش حسب أنظمة السجون الحديثة، ويستأنف نشاطه الإجرامي في قتل الأبرياء وسرقة الأموال وانتهاك الأعراض.

 وقد قامت بعض الدول بإلغاء عقوبة الإعدام، ونراها الآن تعود إليها بعد أن ازداد نشاط العصابات الإرهابية، وازدادت حوادث القتل والاغتصاب، حتى على الأطفال والنساء، فيغتصبونهن ويقتلونهن بلا رحمة ولا خوف ولا عقوبة.

 والله -سبحانه وتعالى- يعلم من خلق، ويعلم ما يصلح الإنسانية وما يفسدها، قد وضع تشريعًا واحدًا لا يتغير بتغير الزمان والمكان؛ ففرض الأحكام الشديدة القوية على أنواع من البشر لا يخلو عصر منهم، فالقساة من الأعراب الذين كانوا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كالعرنيين الذين تنكروا للمعروف، وركلوا النعمة بأرجلهم، وقابلوا الرحمة بالظلم والقسوة، وقد أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينقذهم من المرض والجوع، يشربون من ألبان إبل الصدقة، ويتداوون بأبوالها، فإذا هم يقتلون الراعي، ويسملون عينيه بالحديد المحمي بالنار، ويهربون بإبل الصدقة، هؤلاء الأجلاف غلاظ القلوب لا يستحقون رحمة، ولا ينفع معهم لين، ولذلك نزل عليهم العقاب الصارم، هؤلاء يوجد أمثالهم الآن في القرن العشرين.

 لقد كانت حكمة الله فيما فرض من حدود لا تتغير بتغير الزمان، وقد استيقن قلبي بهذه الحكمة وأنا استمع إلى إذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية وهما يذيعان خبر تنفيذ أحكام في مجرمين، أتوا جرائم يشيب لها الوالدان، مثل المرأة التي أطلقت النار على زوجها وهو نائم، وقتلته بتحريض من صديقها الذي دربها على ضرب المسدس، ثم قامت هي وصديقها بحرق الجثة ودفنها، لتذهب معالم الجريمة، ومثل تلك الزوجة التي تتآمر مع وارث المجني عليه فيقتل الرجل ويقسم أمواله بينهما، ومثل أولئك الذين يختطفون الأطفال ليفعلوا بهم الفاحشة، وغير هذا من الجرائم كثير لولا تطبيق الحدود الشرعية في المملكة العربية السعودية لرأينا أكثر وأبشع مما هو موجود الآن.

ومثل هذه الجرائم وأشنع منها ترتكب في البدان المتقدمة، مثل: أوروبا، وأميركا وفي كل دول العالم، والفرق أن هذه الدول التي تسمى نفسها متحضرة كثيرًا ما يفلت المجرمون فيها من العقاب، وإن عوقبوا فإن العقاب لا يزيد عن السجن، ولذلك نرى الآن عصابات الإرهاب والإجرام تنتشر في أنحاء العالم يقتلون وينهبون ويغتصبون، ولم يعد المجرمون هم الجهلة والأميون كما كان ذلك في العصور السابقة، بل نراهم الآن يستخدمون أرقى الوسائل في تنفيذ جرائمهم، ويخططون بكل دقة واتقان وتفكير علمي مدروس.

 ألا نعترف أن الله -سبحانه وتعالى- وهو الخبير بعباده البصير والعليم بخلقه، قد شرع لنا من الأحكام ما يصلح لكل زمان ومكان، سبحانه له الملك وهو أحكم الحاكمين.

 يقولون: إن تنفيذ الحد الشرعي في المفسدين بقطع الأيدي والأرجل سيؤدي إلى التشويه ووجود أفراد ذوي عاهات في المجتمع مما لا يليق بمجتمع متحضر، ونقول لهؤلاء إن هذه النظرة قاصرة؛ لأنكم تسمحون للمجرمين أن يشوهوا الأبرياء من النساء والأطفال، بقطع أيديهم وأرجلهم نتيجة المتفجرات والألغام التي يضعونها بقصد القتل والإرهاب، وإذا عرف المجرمون أنهم سيشوهون وستقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسيقتلون جزاء إفسادهم في الأرض؛ لن يقدموا على تلك الأعمال الإجرامية، وبالتالي لن يكون هناك مشوهون وذو عاهات في المجتمع.

 إن المجتمعات اليوم في حاجة إلى تطبيق حكم الله في المفسدين أكثر من أي وقت مضى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (المائدة: 33-34).

الرابط المختصر :