; تقارير من قلب العالم الإسلامي | مجلة المجتمع

العنوان تقارير من قلب العالم الإسلامي

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1988

مشاهدات 18

نشر في العدد 873

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 05-يوليو-1988

تركستان الشرقية في المعادلة الصينية الجديدة

  • المثقفون في الصين يعربون عن إعجابهم بالإسلام والثقافة الإسلامية.

     ترکستان الشرقية جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، وقد لقي أهل تركستان زمن الثورة الثقافية على يد ماوتسي تونغ وحكوماته المتتابعة شتى صنوف العذاب والاضطهاد، وكان مجرد إعلان المسلم لاعتقاده جريمة تستحق التصفية الجسدية، والتقارير الواردة حاليًا من تركستان الشرقية تؤكد أن الحكومة الصينية وضعت معادلة جديدة بالنسبة للمسلمين والأقليات الدينية، والتقرير التالي الذي نشرته (مجلة آرابيا - إسلاميك ورلد رفيو) ينقل للقارئ مشاهدات صحافي غربي لأحوال المسلمين هناك مع القوانين الجديدة، يقول التقرير:

     من التحركات التي قامت بها السلطات الصينية أنها توجهت إلى البلاد الإسلامية مناشدة لها للمساعدة في التطوير الإداري لتركستان الشرقية، وقد قامت تركيا بتوقيع عقود لإنشاء مصانع في الإقليم المذكور، كما اهتمت بلاد إسلامية أخرى بذلك بشكل واضح، فالزعماء الصينيون قد قلبوا معاملتهم للإسلام والأديان الأخرى رأسًا على عقب، وذلك كسبيل للتعويض عن مظاهر التوتر التي تكون قد نشبت في أماكن أخرى، فالثورة الثقافية التي شنها (ماوتسي تونغ) على الإمبراطورية الصينية في الستينات- قد سحقت ترکستان الشرقية بقوة شديدة، فقد تعرض الإسلام فيها لاضطهاد مكثف، فهدمت المساجد، وأحرقت الكتب والمواد الدينية، وعذب وقتل العلماء، واعدت برامج علمية لإبعاد المسلمين عن الإسلام، وبالرغم من ذلك بقي الإسلام حيًا رغم أننا لا نكاد نقول بأنه ازدهر.

التمسك بثقافة الإسلام:

     إن الإسلام يعود اليوم إلى تركستان الشرقية، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى تمسك السكان المحليين من المسلمين بثقافتهم، كما يرجع إلى إدراك الصينيين بأن اضطهاد الإسلام سيعرقل كافة برامج التنمية الأخرى، كما سيؤدي إلى تفاقم نقطة ضعف إستراتيجية في منطقة تقع على حدود مهمة. 

المساجد والتعليم الديني:

     في عام ٨٦ كانت مظاهر اليقظة الإسلامية الملموسة تشمل كل مكان، فعلى سبيل المثال في الوقت الذي لم يكن في منطقة كاشغر في عام ١٩٨٠ إلا حفنة من المساجد المفتوحة، إلا أنه في عام ١٩٨٦ زاد عدد هذه المساجد على (٦٠٠٠) مسجد، وصار التعليم الإسلامي واسع الانتشار وبشكل قانوني في المنازل والمساجد والمدارس الخاصة بذلك، وتم السماح بجمع الأموال على أن تستخدم للتعليم الإسلامي، وبناء المساجد الجديدة، ولصالح الفقراء، كما أنشئ عدد من المدارس القرآنية، ومنها واحدة في (باركاند) التي كانت تجهز لتخريج (٦٤) إمامًا ومقرئًا، وهناك خطط لإنشاء كلية إسلامية في أورومكي تجمع بين الدراسات الدينية والتكنولوجية، كما أن هناك عددًا متزايدًا من الطلاب الإسلاميين الذين يرسلون إلى الخارج، وعلى الأخص إلى باكستان، وتركيا، ومصر، وتتوفر الدراسات العربية اعتبارًا من الكتاتيب إلى مستوى الجامعة في أورومكي، كما تتوفر الكتب الإسلامية بكافة أنواعها وبأثمان رخيصة، ويعتبر نشاط الجمعية الإسلامية في بكين ذا أهمية خاصة، فهي تقوم بالتنسيق بين كافة جوانب النشاط الإسلامي في كافة أنحاء الصين، كما توزع الكتب الإسلامية، وتصدر الجمعية مطبوعات إسلامية باللغات المحلية عن القرآن الكريم والحديث وسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما تتلقى المصاحف والكتب الدينية من الخارج وخاصة من المملكة العربية السعودية وباكستان.

خطر ضربة وحشية جديدة:

     لم يكن يتصور أحد أن الإسلام سيكون له أي مستقبل في الصين، لكن الإسلام اليوم يرسخ دعائمه في تركستان الشرقية، ولا شك أن إخضاعه لمزيد من الاضطهاد معناه المجازفة بأخطر ردة فعل وحشية، فالمسؤولون الصينيون يعترفون علنًا بالخراب الذي أحدثته الثورة الثقافية، ويؤكدون أن الإسلام والقومية مرتبطان ارتباطًا وثيقًا لا انفصام له، لذلك لا يمكن مهاجمة أحدهما دون مهاجمة الآخر، وهم يزعمون أنه لا يوجد أي تمييز ضد الكوادر المسلمة على أساس العقيدة، ويبدو أن هذا الكلام صحيح على ضوء ما يشاهد من الأخلاق الإسلامية التي تتمتع بها الكوادر المسلمة في كافة أنحاء تركستان الشرقية، وبشكل عام يصر المسؤولون الصينيون على أن من الواجب ترك المسلمين وشأنهم حتى يقوموا بإدارة شؤونهم الدينية بأنفسهم.

     ولقد أسر لي موظف من (الهانز في كاشغر) قائلًا: إن مشاعر العداء التي يكنها المسلمون نحو الصينيين غير المسلمين هي بالتأكيد أقل مما كانت عليه قبل عدة سنوات، وهي في تحسن، ومن السذاجة القول بأن العداوة قد تبخرت تمامًا؛ والظاهر أن هذا تقييم واقعي، فمن عدة سنوات كان المكلفون بالإشراف على إعادة بناء المؤسسات الإسلامية في تركستان الشرقية قد تركوا انطباعًا بأنهم غير سعداء في تنفيذهم الخطة أكثر مما هم مشاركون في تحقيق بعث روحي وحياة جماعية، وليس ذلك فحسب، بل يجد المرء اليوم بعض الصينيين وعلى الأخص المثقفين منهم يعربون بهدوء عن إعجابهم بالإسلام وبالثقافة الإسلامية لمرونتها وإخلاص أبنائها.

حاجز اللغة:

     واللغة أيضًا تظل مشكلة بين المسؤولين والموظفين؛ فقد أسر إلى مسؤول من الهانز من سكان كاشغر يشغل منصبًا مهمًا في إدارة شؤون الأقليات- أن اللغة تشكل عقبة كؤودا، فقليل من موظفي الهانز يرغبون في تعلم الأديغور أو غيرها من اللغات في الإقليم، بالرغم من الحوافز المهنية للقيام بذلك، ومنذ أن بدأت موجة التحرر في الصين بقيادة دنج، فإن معظم موظفي الهانز يفضلون تعلم لغة غربية تكون في الغالب الإنجليزية، حتى وإن كانوا من مواطني إقليم كاشغر، وذلك لتعزيز فرص تعلمهم في الخارج، والواقع أن عددًا متزايدًا من موظفي الهانز بوسعهم التحدث بلغة الأديغور اللغة الرئيسية للإقليم، وقد شهدت العديد من اللقاءات بين الهانز والأديغور استخدمت فيها اللغتان، وفي بعض الحالات يتم فيه إنجاز كافة الأعمال بلغة الإيغور، وان المسؤولين في المدن الإقليمية مثل كاشغر يصرون على أن من الواجب على كبار الموظفين أن يجيدوا لغتين، هما: الهانز، ولغة أخرى بحيث يمكنهم قراءة الوثائق وفهم الفرائض، وفي المدن الريفية من العسير التصور أن الهانز يمكن أن يعيشوا فيها من غير معرفة لغة الأديغور.

السلطة بيد الهانز:

     يذكر المسؤولون الصينيون في سنكانج باهتمام أرقامًا للبرهنة على أن الأقليات تنال حقها المشروع بالتساوي من التمثيل في المؤسسات الإقليمية والمحلية، وهذا يبدو إنجازًا عظيمًا للوهلة الأولى، فعلى الصعيد الإقليمي تنال الأقليات تمثيلًا جيدًا في المجالس، إلا أن نصيبهم أقل من ذلك في المجالس المحلية رغم أن نسبة الأقليات في المناطق المحلية تشكل أغلبية كبيرة، والأهم من المساواة في التمثيل أن نسأل من يملك السلطة؟

     فمن الواضح حدوث حركة بطيئة لكنها تدريجية لاستلام موظفين من الأقلية مراكز سلطة حقيقية، لكن السلطة لا تزال مع الأسف في يد الهانز، ومن العدل أن نقول بأن بعض القيادات من الدرجة الثانية من الهانز هم مواطنون من المناطق التي يخدمونها، وهذه هي الحالة في منطقة ياركاند، فمثلًا هناك نائب الرئيس وهو عبارة عن شاب نشيط من الهانز من منطقة كاشغر يتحدث اللغة الأويغورية بطلاقة، إلا أن الشبح المستمر بأن أعلى رأس من الهانز يجلب من الخارج، يترك انطباعًا دائمًا باستمرار الاستعمار الصيني، ويعزز التزام بكين وحرصها على الأخذ بزمام السلطة السياسية.

      إن السلطات الصينية حساسة تجاه المظاهر، وقد اتخذت خطوات لتقديم صورة يقبل بها السكان المحليون دون أن تغير شيئًا من حقيقة سيطرة الهانز، فقد بذلت جهود جادة لتشغيل المزيد من المسلمين والأقليات الأخرى من أدنى المستويات كما قال لي أحد الأكاديميين من الهانز، فهم يرسلون هؤلاء إلى بكين للالتحاق بمدرسة الحزب لتوحيد النظرية مع التطبيق، وهذا الشرط يجعل الوظيفة أشد صعوبة، فبينما نجد كثيرًا من المسلمين المحليين حريصين على المشاركة في تطوير مناطقهم، إلا أن القليل منهم يرغب في الظهور بأنه اختير من قبل الصينيين.

فكرة تؤيدها الحكومة رسميًا:

     إن معظم الذين قابلتهم في أواخر عام ٨٦ كانوا ميالين إلى الواقعية بالنسبة للعلاقات بين الأجناس في تركستان الشرقية؛ فقد ذهبت إلى الأبد شعارات الأسرة الواحدة والرفاق الإخوة، وحل محلها رسميًا فكرة المساواة التي تدعمها الحكومة، فلم يعد مطلوبًا من أحد الاختلاط بأعضاء الطوائف الأخرى أو حتى الإحساس بالحب تجاههم، بل على المرء أن يحترم حقوقهم وعاداتهم، وهذا في الواقع تقرير لما يمارسه الناس فعلًا، ومدن وقرى تركستان الشرقية تعاني من تمييز كبير يسهل معه التعرف على الأحياء التي يسكنها الهانز وغيرهم، وكذلك الأسواق والمدارس والمرافق العامة والزواج المختلط بين الهانز وغيرهم نادر، وهذا ما يؤكده مدير معهد للأبحاث في سكيانج الذي يقول بأن الزواج محصور في كل فئة عنصرية على حدة، ففي دراسة في أحد مصانع النسيج في كاشغر وجد أن هناك (٤٧٠٠) شخص من (۱۲۰۰) أسرة لم يحدث الزواج المختلط إلا في (۱۲) حالة منها فقط، وليس فيها أية حالة زواج بين مسلم وغير مسلم، وأضاف المسؤول قائلًا: لا تزال هناك مقاومة شديدة اليوم بين كل من تقاليد الهانز والمسلمين حتى بين المثقفين والعناصر الأخرى، وهناك دراسة واحدة على الأقل يقوم بها معهد عال للأبحاث في أورمكي حول العلاقة بين حمل الأطفال وبين التراث الثقافي، والسبب واضح جلي، فالمسلمون في تركستان الشرقية لديهم العديد من الأطفال يتراوح عددهم من (٥ إلى ٦) في كل أسرة، وهم حتى تاريخه معفوون من قوانين تحديد السكان التي تلزم الهاتزية على طفل واحد، لكن ربما ينتهي هذا الاستثناء، فقد تحدث العديد من المسؤولين من احتمال توجيه تحديد النسل أو على الأقل تخطيط السكان نحو الأقليات في المستقبل، وقد علمت أنه لن تجاريه محاولة حتى تبحث المسألة بحثًا مستفيضًا مما يوحي باستمرار وجود عدم تأكد من السياسة في المستقبل.

     لا يزال الوقت مبكرًا للحكم على مدى نجاح أو فشل التغييرات في تركستان الشرقية، لكن هناك حكمًا جاهزًا حول القضايا الدقيقة للنشاط الاقتصادي والحرية الإسلامية، وهو أن أي تراجع فيها سيجعل الصين تدفع ثمنه غاليًا، كذلك الحال بالنسبة لأي فشل يعتري الصينيين لإرضاء المستوى العام للتوقعات المتزايدة، فالطريق إلى الأمام مليء بالمزالق والعثرات، وأي تغيير في الحجم والسرعة سيوجد مشكلات سياسية جديدة.

المستقبل صراع الفكر:

     ومن أهم ميادين الصراع في العقد القادم سيكون بلا شك في المجال الفكري؛ حيث إن التركستانيين الشرقيين يكيفون أنفسهم للظروف الجديدة، ولسوف يسعون لإعادة تحديد ثقافتهم في ضوء الأحداث التي تلفهم، ولاستيعاب المتغيرات في إطار ثقافي أكثر مناسبة وألفة لهم.

     وقد بدأت مناظرات بشأن الأثر التاريخي للحضارات الإسلامية التركية السابقة، وعلى الأخص تفاعلها مع الحضارة الصينية، فهذه المناظرات مهمة؛ إذ إنها ستختبر بشكل كبير التحفظ الصيني، ولكن لا بد للصينيين من التحلي بضبط النفس إذا أرادوا النجاح للتغيرات التي يريدون إحداثها في تركستان الشرقية.

هل يتحقق الحكم الذاتي؟

     وتنتشر أحاديث كثيرة عن الحكم الذاتي، لكن من الواضح أنه سيقتصر على نطاق محدود كالنشاط الاقتصادي الفردي، فالواضح أنه ليس لدى السلطات الصينية أية نية للنظر في مدى الحاجة إلى مزيد من الحكم الذاتي (سياسيًا) على أسس عرقية أو دينية.

     ومن الجلي الواضح الآن أن الصين لا ترغب في مزيد من الاستقلال الذاتي السياسي في شرق ترکستان؛ فالسلطات الصينية إذ تخفف من قیودها على النشاط الاقتصادي والإسلامي الفردي، فإنها تسعى إلى تخطي المطالبة بمزيد من الاستقلال السياسي، وذلك بتوفير بدائل مقبولة.

الرابط المختصر :