العنوان تقويم الجهاز الإداري.. تردي نظم الاتصال داخل المؤسَسات الحكومية
الكاتب أحد القراء
تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1976
مشاهدات 15
نشر في العدد 297
نشر في الصفحة 18
الثلاثاء 27-أبريل-1976
* سياسة الانغلاق الإداري تسيطر على الجهاز الحكومي
تفشت في أجهزة الدولة ظاهرة غريبة وجديرة بالوقوف عندها، فالمراقب لأسلوب الاتصال بين الوزارات والإدارات يدركه العجب من المستوى المتخلف الذي تتم به هذه الاتصالات، وعندما نقول الاتصالات فإننا لا نقصر الحديث عن المراسلات بل كل ما يخدم العلاقات الرسمية بين أجهزة الدولة فإنها تنصبغ بطابع متخلف، وقد أدى هذا التخلف الى خلق ما يسمى قيود الاتصال، فكثير من القياديين يغلق جهازه عليه ويرفض بل ويعمم على موظفيه برفض أي اتصال من جهة رسمية لا يمر به ولو كان من إدارة زميلة في نفس الوزارة وبالأمس شكا إليَّ باحث هذه الحادثة: «ذهب إلى الإدارة الفلانية لطلب بيانات عن نشاطها لارتباطها بعمل إدارتي فطلب مني الموظف أن أحضر ما يخولني طلب هذه المعلومة رغم أننا في نفس الوزارة ونتبع في النهاية لوكيل واحد.. ومع ذلك أحضرت له ما يطلب فطلب مني أن أرجع بعد أسبوعين.. نعم.. أسبوعين... ولقد مر شهر والأخ يتعلل بزحمة العمل لرفض طلبي وكأن طلبي ليس من صميم العمل.. ثم بعد التقصي تبين أن مديره قد عمم على الموظفين بمنع إيصال أي معلومات لخارج الإدارة».
هذه الحادثة هي غيض من فيض من قيود الاتصال في الوزارة الواحدة أما على مستوى الوزارات فالمأساة أكثر إيلامًا فكثير من الأجهزة في وزارات الدولة يعمل مستقلًا عن العالم العربي برمته لذا هو دائمًا يبدأ من الصفر لا من حيث ينتهي الآخرون.
إن السبب الرئيسي الذي يدفع القياديين إلى هذه الانعزالية هو.
أولًا: الخوف الشديد من سحب اختصاصاته أو مشاركته به.
وثانيًا: البعد عن الأجواء العملية في نظم الاتصال الإدارية التي تبين مدى مساعدة هذه النظم للمدير وأنها مع المدير لا ضده.
عن هاتين الظاهرتين سنركز الحديث في هذه الفقرة.
أ- تنازع الاختصاص: تعاني كثير من وزارات الدولة من التشابك التام فــي اختصاصات أجهزتها وسبب ذلك هو تشابه الاختصاصات التي يتم التداخل فيها لذا ينتاب المدراء الخوف من أي محاولة للدخول في مملكته فإذا أضفنا إلى ذلك فقد جو التعاون بين كثير من القياديين وسيطرة الحساسيات «والشللية» فإن ظهور هذه المشاكل باستمرار أمر متوقع، ورحم الله أبا بكر رضي الله عنه حين صرف عطاء أحد المؤلفة قلوبهم فخرج من عنده وقابله عمر رضي الله عنه في الخارج فلما رأى رقعة الجلد في يده وعلم ما فيها تفل فيها ومسح المكتوب فرجع الرجل إلى أبي بكر وقد بلغ منه الغضب مبلغه وصاح في أبي بكر: «أنت خليفة رسول الله أم هذا؟»، وكان هذا الموقف كفيلًا بإثارة حساسية في أي نظام من النظم الحديثة فمن يجسر على إسقاط توقيع رئيس الدولة.. أما أبو بكر فإنه أجاب بهدوء «هو إن شاء» ثم نظر في الأمر فرأى عمر قد اجتهد في عدم استحقاق المؤلفة للعطاء وقد عز الإسلام وساد فأنفذ أبو بكر رأى عمر رضي الله عنهما، إذن درء الحساسية هي مفتاح الحل وأول خطوة بعد ذلك هي التحديد الواضح لصلاحيات كل مسؤول قيادي وتبيان نقاط التداخل مع الأجهزة الأخرى حتى يتم تناولها على بينة من كافة الأطراف إذ لا يخفى أن كثيرًا من المسائل التنظيمية والتنفيذية لا يمكن تصنيفها بشكل جدي.
الإلمام بنظم الاتصال الحديثة:
قبل كل شيء نحب أن نوضح أن لكل نظام ظروفه وبالتالي فنحن لا نعرض نظامًا نمطيًا وندعو كل الإدارات إلى الالتزام به بل هي أمثلة لما يجب أن يتجه إليه الفكر القيادي في الأجهزة الحكومية.
ومن جهة أخرى هناك عوامل تحكم أنواع نظم الاتصال فمثلًا إذا كان الهدف من وضع النظام هو سرعة الاتصال فان الشكل الأنسب شكل «1» حيث يتمكن كل فرد في الجهاز من الاتصال المباشر بالآخرين.
ولكن قد تكون السرعة هدفًا ثانويًا؛ وأولى منه تقليل الوقت الضائع إذ لا يخفى أن الشكل «1» له عيوب أهمها زيادة إمكانية الاتصال التي تؤدي إلى مشكلة، ألتزيد في الكلام وبالتالي ضياع وقت خارج العمل فإذا كانت السرعة كما قلنا هدفًا ثانويًا والمطلوب هو تقليل الوقت الضائع فإن الشكل «2» هو الأنسب وببن الوضعين يمكن اختيار الشكل «3» كحل وسط يسهل الاتصال ويقلل فرص الوقت الضائع شكل «3» إذ لا يخفى أن شكل «2» هو وضع مركزي بحت من جهة المعلومات وقد يعرقل سير العمل لتركز خطوط الاتصال عند أ.
وأسوأ أشكال الاتصال هو المبين في «شكل 4» لأنه يؤدي إلى خنق المعلومات عن المسؤول الأول وهو أ، ويجعلها تنتهي عند ب مما يفتح الباب لأي احتمال في إساءة استخدام هذا الموقع بينما يتحمل أ المسؤولية بالكامل.
ونحن نكرر القول إن أي نظام من هذه النظم مرهون بالظروف المحيطة، بالعمل فالجماعات الهادئة ذات الأداء الرتيب تفرض الشكل «2» فرضًا وبالتالي فإن فتح خطوط الاتصال كما في شكل «1» أو «3» سيكون أدعى لبث النشاط في الإدارة.
ومن الظروف الجديرة بالاهتمام طبيعة العمل فكلما قلنا إن شكل «1» يتيح الفرصة للوقت الضائع ولكن إذا ارتفق معه تنظيم لجغرافية الإدارة «كما في المصارف» حيث يكون الجو الرقابي هو السائد والمدير يكشف كل ما يجري في قاعة الموظفين فإن مثل هذه الظروف تكون صمام أمان لمثل هذا النظام بل وتجعله أنسب نظم الاتصال وهذا واضح في المصارف.
وأخيرًا نؤكد أن «ديناميكية» الاتصال هو تصرف سلوكي قبل أن يكون إداريًا لذا فإن الاتجاه العام بالسلوك الإداري نحو المرونة بلا تسبب والسرعة بلا تهور والانخفاض بالإجراءات فيما يسمى بـ «تبسيط الإجراءات» ومنع ألتزيد بلا مبرر.. كل هذا مرهون بقناعات الإداريين التي تبقى في النهاية انعكاسًا لوعي المجتمع لأهمية تنشيط أجهزتنا الإدارية حتى يستحق الرواتب التي بلغت ٤٤١ مليون دينار وهو يقرب من نصف الموازنة العامة للعام الحالي التي بلغت ۱٫۳٥ مليون دينار.
فيصل
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل