العنوان تكريم المتفوقين
الكاتب نجم عبدالله عبدالواحد
تاريخ النشر الثلاثاء 06-ديسمبر-1988
مشاهدات 36
نشر في العدد 894
نشر في الصفحة 11
الثلاثاء 06-ديسمبر-1988
لو نظرنا إلى أمر التفوق والمتفوقين وتكريمهم لوجدنا الحديث في هذا الموضوع يأخذ جوانب عديدة، فنجد أن المواصفات والمقومات عند الله -عز وجل- ثابتة لا تتغير، وقد أخبرنا القرآن الكريم: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ (سورة الكهف: ٣٠)، لذلك لا نستغرب كون الله -سبحانه وتعالى- حق، وموازينه القسط فنجد أن من أحد أسباب ومقومات التفوق هو العلم والعمل به، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (سورة الزمر: ٩).
وكذلك يخبرنا الله -سبحانه وتعالى- عن بعض الجوائز للأبرار من عباده: ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ (سورة الإنسان، آية: 11-12).
هذا وإذا نظرنا إلى المواصفات أو المقومات عند الناس نجدها متغيرة وليست ثابتة لأسباب سياسية وتبعًا للمصالح والأهواء.
لذلك قد نجد الموازين مقلوبة؛ فيكرم من لا يستحق التكريم، فعلى سبيل المثال نجد كثيرًا من توافه الناس يمجدون ويكرمون في حياتهم وحتى بعد مماتهم؛ بسبب أنهم من المتفوقين أمثال أهل الفن والغناء والرقص، وقد نجد منهم نساء يكرمن لكونهن يظهرن عاريات لدرجة أن الفطرة السليمة في أي زمان ومكان ترفض هذا، ومع ذلك نجد التكريم يتم على مرأى ومسمع الكل بحجة أنها فنانة موهوبة، وبالمقابل نجد علماء أفنوا حياتهم بجد وإخلاص، وعملوا خيرًا كثيرًا للبشرية، وماتوا بصمت من غير تكريم أو تقدير.
وهناك الكثير من المتفوقين من نال العقاب بسبب تفوقه؛ فهذا سنمار يبني قصرًا مشيدًا جميلًا، ويكون تكريمه أن يلقى من على سطح ذلك القصر ليموت خوفًا من أن يبني قصرًا مثله أو أحسن منه، وأصبح هذا الحادث مثلًا يضرب في الغدر والتنكيل: «وجزاء جزاء سنمار».
وكذلك نجد أن السياسة تلعب دورًا آخر في الغدر والتنكيل بهؤلاء المتفوقين؛ فنجد ذلك الجزائري المسلم الذي بنى جسرًا معلقًا يربط الشطر الشرقي والغربي لمدينة قسطنطينة بالجزائر، فيكون تكريمه من قبل الفرنسيين الحاكمين للجزائر في ذلك الوقت أن يربعوه بالحبال، ويلقوه من على ذلك الجسر خوفًا من تفوقه، ولتبقى نساء بلدته قسطنطينة يلبسن العباءة السوداء حزنًا عليه إلى يومنا هذا.
وهناك قصص أخرى كثيرة أمثال مقتل العالم المصري بالذرة الذي اسمه المشد الذي اغتاله اليهود؛ لأنه انتقل إلى العراق ليشارك في بناء المفاعل الذري العراقي، الذي يدعونا إلى الحديث عن هذا الموضوع هو ظهور كثير من المؤسسات العربية والإسلامية في تكريم المتفوقين، مثل: مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ومؤسسة الملك فيصل الخيرية الإسلامية، ومؤسسة عبد الحميد شومان، وهذا يدعو للمفخرة والاعتزاز؛ لأن تشجيع هؤلاء المتفوقين يزيد من إبداعهم، ويكون مردوده خيرًا على الأمة العربية والإسلامية، وكذلك من السعادة أن نقول إن الرغبة الأميرية لسمو أمير دولة الكويت بتخصيص جوائز للمتفوقين في شهادة الثانوية العامة علاوة على احتضانهم وتسير أمور دراستهم- لهو الأمر المرجو بالاهتمام بتكريم المتفوقين آخذين بركب الحضارة.
لا شك أن احتضان المتفوقين لهو الخطوة الأكثر أهمية في تكريم هؤلاء المتفوقين، فتوفير الأمن والأمان علاوة على التشجيع بالتكريم والجوائز حافز للإبداع، ولكن هناك منغصات من الواجب الانتباه لها، ألا وهي حسد وحقد الفاشلين الذي قد يكون أداة هدم وإحباط لهؤلاء المتفوقين.
فهل من سبيل إلى حماية هؤلاء المتفوقين؟ نقول: «الله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولا شك أن توفير الأموال من أجل البحث العلمي هو الوسيلة للاستفادة من هذه الطاقات الكامنة لهؤلاء المتفوقين؛ بهدف التقدم العلمي، آخذين بركب الحضارة، وحتى لا تبقى دولة من دول العالم الثالث المستهلك لصناعات الغرب وعلومه، فإن كانت هذه الصناعات والعلوم نافعة لنا فلا بأس، ولكن هناك أمور أخرى كثيرة تهمنا ولا تهمهم، فيصبح من الواجب علينا توفير مثل هذه العلوم والصناعات؛ لذلك نجد أن تكريم المتفوقين هو أحد الخطوات الرائدة، ولكنها ليست الوحيدة المطلوب توفيرها، فكذلك تفهم حاجتنا إلى البحث العلمي، وتسهيل هذا الأمر باحتضان هؤلاء المتفوقين وتوفير الأمور اللازمة للبحث العلمي- هو كذلك من الخطوات الرائدة، والتي نسأل الله أن تكون ميسورة ومباركة حيث يقول الشاعر:
بالعلم والمال يبني الناس مجدهم *** لم يبن مجد على جهل وإقلال.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل