العنوان تنبيهات على أخطاء يرتكبها بعض الحجاج
الكاتب محمد بن صالح العثيمين
تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1975
مشاهدات 18
نشر في العدد 277
نشر في الصفحة 18
الثلاثاء 02-ديسمبر-1975
يسر مجلة المجتمع أن تقدم لقرائها بحثًا بعنوان «تنبيهات عن أخطاء يرتكبها بعض الحجاج» للعلامة فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين، والشيخ- حفظه الله- باعه طويل في علوم الشريعة، وخاصة في علم الحديث وله مؤلفات منها متن في مصطلح الحديث يدرس في المعاهد العلمية، ومع سعة اطلاعه ورسوخ قدمه في العلوم الشرعية يتحلى بالزهد والبعد عن الأضواء- نظنه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا.
ونرجو أن يستمر في إمداد المجتمع بنصائحه وإنتاجه العلمي، وكلنا مسخرون لخدمة دين الله وإعلاء «لا إله إلا الله محمد رسول الله» والجهاد من أجل أن يحتكم الناس- كل الناس- إلى شريعة الله.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فهذه تنبيهات على أخطاء يرتكبها بعض الحجاج في بعض المواضع دعاني إلى الكتابة عنها رجاء تصحيحها ممن يرتكبونها سائلًا الله تعالى أن يجعل حجنا مبرورًا وذنبنا مغفورًا وسعينا مشكورًا وأن يتقبل منا جميعًا إنه جواد كريم.
الموضوع الأول: في الإحرام:
ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم؛ قال: فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة» وفيهما أيضًا من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن» وعن عائشة- رضي الله عنها- «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق» رواه أبو داود والنسائي فهذه المواقيت التي وقتها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يجوز لمن أراد الحـج أو العمرة أن يتجاوزها إلا محرمًا لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في حديث ابن عمر المذكور «يهل أهل المدينة ويهل أهل الشام ويهل أهل نجد» وهو خبر بمعنى الأمر والإهلال رفع الصوت بالتلبية ولا يكون إلا بعد عقد الإحرام.
فالإحرام من هذه المواقيت واجب على من أراد الحج أو العمرة إذا مر بها أو حاذاها سواء أتى من طريق البر أو البحر أو الجو.
فإذا كان من طريق البر نزل بها وأتى بما ينبغي أن يأتي به عند عقد الإحرام فيغتسل ويلبس ثياب الإحرام ويحرم وإذا كان من طريق البحر فإن كانت الباخرة تقف عند محاذاة الميقات اغتسل عند وقوفها ولبس ثياب الإحرام وأحرم وإن كانت لا تقف فإنه يغتسل ويلبس ثياب الإحرام قبل محاذاتها الميقات فإذا حاذته نوى الإحرام، فإذا كان من طريق الجو فإنه يغتسل عند ركوبه الطائرة ثم يلبس ثياب الإحرام قبل محاذاة الميقات ثم ينوي الإحرام إذا حاذى الميقات قبيل الوصول إليه لأن الطائرة لا تعطى فرصة.
والخطأ الذي يرتكبه بعض الحجاج هنا أنهم إذا كان قدومهم عن طريق جدة أخروا الإحرام حتى يصلوا إلى جدة وهذا لا يجوز إذا كانوا قد مروا بالميقات أو حاذوه لأنه مخالف لأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- أما إذا كانوا لم يمروا بالميقات ولم يحاذوه مثل الذين يأتون عن طريق «سواكن» في السودان فإنهم يحرمون من جدة ولا حرج عليهم.
الموضوع الثاني: الوقوف بعرفة:
ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- «أنه لما زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين وجمع بينهما جمع تقديم ثم ركب حتى أتى الموقف الذي أراد أن يقف فيه وقال: وقفت ههنا وعرفة كلها موقف فوقف مستقبل القبلة ورفع يديه يدعو ولم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وغاب قرصها.»
وعن عبد الرحمن بن يعمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر مناديا ينادي الحج عرفه من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك.»
والخطأ هنا في ثلاثة مواضع:
الأول: أن بعض الحجاج ينزل خارج حدود عرفة ويبقى في مكان نزوله حتى تغرب الشمس ثم ينصرف إلى مزدلفة من غير أن يقف بعرفة وهذا خطأ عظيم سببه اغترار الناس بعضهم ببعض حيث يجد أناسًا نازلين فينزل معهم من غير أن يتفقد حدود عرفة وأعلامها فيفوت على نفسه الحج لأن من لم يقف بعرفة في زمن الوقوف فلا حج له لقوله- صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» والوقوف خارجها ليس بمعتبر لقوله- صلى الله عليه وسلم عرفة كلها موقف فليحذر الحاج من هذا الخطأ العظيم والخطر الجسيم الذي لا يكلفه تدارکه سوی أن يتفقد حدود عرفة ليتأكد من وقوفه فيها .
الثاني: أن بعض الحجاج ينصرفون من عرفة قبل غروب الشمس وهذا لا يجوز لأنه من عمل أهل الجاهلية ولأنه مخالف لفعل النبي- صلى الله عليه وسلم- وأمره حيث وقف إلى الغروب وقال لتأخذوا عني مناسككم.
الثالث: أن بعض الحجــاج يستقبلون الجبل عند الدعاء ولو كانت القبلة خلفهم أو إلى جانبهم وهذا خلاف السنة فقد كان النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- في وقوفه مستقبل القبلة وقال لتأخذوا عني مناسككم.
الموضوع الثالث: رمي الجمار:
ثبت في صحيح مسلم «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- رمى جمرة العقبة ضحى يوم النحر بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة مثل حصى الخذف أي فوق الحمص قليلًا ودون البندق» وفي سنن النسائي من حديث الفضل بن عباس- رضي الله عنهما- «وكان رديف النبي- صلى الله عليه وسلم- من مزدلفة إلى منى؛ قال: فهبط يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- حين هبط محسرًا قال: عليكم بحصى الخذف الذي ترمى به الجمرة؛ قال: والنبي- صلى الله عليه وسلم- يشير بيده كما يخذف الإنسان.»
وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- «قال يحيى لا يدرى عوف عبد الله أو الفضل قال: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غداة العقبة وهو واقف على راحلته: هات القط لي؛ فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فوضعهن في يده فقال: بأمثال هؤلاء مرتين وقال بيده فأشار يحيى أنه رفعها وقال إياكم والغلو فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين»
وفي صحيح البخاري «عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على أثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبلًا القبلة فيقوم طويلًا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلًا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف» فيقول هكذا رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم يفعله. وعن أم سليمان بن عمر وبن الأحوص قالت: «رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر وهو يقول: يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضًا وإذا رميتم الجمرة فأرموها بمثل حصى الخذف» رواه أحمد وعن عائشة- رضي الله عنها- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال «إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله» رواه أحمد وأبو داود.
والخطأ هنا في سبعة مواضع:
الأول: أن بعض الحجاج يعتقدون أن أخذ حصى الجمار من مزدلفة لا بد منه ولذلك يكلفون أنفسهم بلقطها في الليل من مزدلفة وفي نقلها أيام منى حتى أن الواحد منهم إذا ضاع منه حصاة حزن على ذلك حزنًا كبيرًا وطلب من رفقته أن يتبرعوا له بفضل ما عندهم من حصا مزدلفة وقد علمت مما سبق أنه لا أصل لذلك عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أمر الناس وأرشدهم إلى كيفية الحصا حين هبط محسرًا وأنه أمر ابن عباس- رضي الله عنهما- بلقط الحصا لـه- صلى الله عليه وسلم- وهو واقف على راحلته والظاهر أن هذا الوقوف كان عند الجمرة إذ لم يحفظ عنه أن وقف بعد مسيره من مزدلفة قبل ذلك ولأن هذا وقت الحاجة إليها فلم يكن- صلى الله عليه وسلم- ليأمر بلقطها قبل وقت الحاجة إليها لعدم الفائدة فيه وتكلف حمله.
الثاني: أن بعض الحجاج يعتقدون أنهم برميهم الجمرات يرمون الشياطين ولذلك يطلق بعضهم اسم الشياطين على الجمار فيقول رميت الشيطان الكبير أو الصغير ونحو ذلك وتجدهم يقذفون الحصا بشدة وعنف وصراخ وسب وشتم لهذه الجمرات الشياطين على زعمهم حتى شاهدنا من يصعد فوقها يبطش بها ضربًا بالنعل أو الجزمات مع غضب وانفعال والحصا تصيبه من الناس وهو لا يزداد إلا عنفًا في الضرب وكأنما ضرب الحصا إياه زيادة في حسناته وقربة له إلى الله. والناس حوله يقهقهون ويضحكون فما المشهد حينئذ إلا مشهد مسرحية هزلية، وكل هذا مبني على هذه العقيدة الفاسدة أن هذه الجمار شياطين وقد علمت حكمة الرمي مما سبق وأنه إنما شرع لإقامة ذكر الله- عز وجل- ولذلك كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يكبر على أثر كل حصاة.
الثالث: أن بعض الحجاج يرمون بحجارة كبيرة وبالحذاء والخفاف والأخشاب وهذا خطأ عظيم مخالف لما شرعه النبي- صلى الله عليه وسلم- لأمته بفعله وأمره حيث رمى بمثل حصا الخذف وأمر به وحذر من الغلو في الدين وسبب الخطأ ما تقدم من الاعتقاد الفاسد بأن الجمرات شياطين.
الرابع: أن بعض الحجاج يتقدم إلى الجمار بعنف وشدة ولا يرحم من بين يديه من إخوانه المسلمين الذين أمر بالرفق بهم فيذهب عنه الخشوع في هذه العبادة وعن إخوانه المسلمين ويحصل به من الضرر والمشاتمة والمقاتلة ما يقلب مشهد هذه العبادة إلى مشهد مشاتمة ومقاتلة فتخرج عما شرعت من أجله وعما كان عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- ففي المسند عن قدامة بن عبد الله بن عمار« قال: رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم النحر يرمي جمرة العقبة على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك» ورواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
الخامس: أن أكثر الحجاج إذا رموا الجمرات في أيام التشريق لا يقفون للدعاء بعد الجمرة الأولى والثانية وقد علمت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يقف بعد رمي الجمرة الأولى والثانية فيدعو دعاء طويلًا رافعًا يديه مستقبل القبلة وسبب ترك الناس لهذا- والله أعلم- هو الجهل بالسنة وعدم تعلم الحاج لأحكام الناسك قبل أن يحج وكان ينبغي له أن يتعلم ذلك ليعبد الله على بصيرة ويحقق متابعة النبي- صلى الله عليه وسلم.
السادس: أن بعض الحجـاج يزيدون دعوات عند الرمي لم ترد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- مثل قولهم: اللهم اجعلها رضا للرحمن وغضبًا للشيطان وربما قال ذلك وترك التكبير الوارد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- والأولى الاقتصار على ما جاء به النبي- صلى الله عليه وسلم.
السابع: أن بعض الحجاج يتهاونون في رمي الجمار فيوكلون من يرمي عنهم مع قدرتهم على الرمي بأنفسهم ليكفوا عنهم معاناة الزحـام ومشقة العمل وهذا مخالف لما أمر الله به من إتمام الحج
قال الله تعالى ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ (البقرة:196) ولم ترد الاستنابة والتوكيل إلا عند العجز، وما الحج إلا نوع من الجهاد في سبيل الله لا بد فيه من كلفة ونوع مشقة فعلى الحاج أن يتقى ربه ويتمم نسكه بنفسه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
والله الموفق- وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
محمد الصالح العثيمين
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل