العنوان ثقافة الداعية (356)
الكاتب د. يوسف القرضاوي
تاريخ النشر الثلاثاء 28-يونيو-1977
مشاهدات 32
نشر في العدد 356
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 28-يونيو-1977
وممن استخدموا العلم في هذا الجانب العلامة الشيخ رشيد رحمه الله في تفسير – المنار – وفي بعض كتبه كالوحي، حيث يتحدث فيه عن معجزات القرآن الفلكية والطبيعية ونحوها فيقول: - وأما أخبار القرآن عن عالم الغيب المادي من تكوين وتاريخ، فمن معجزاته الإيجابية أنه جاء فيه كثير من التعبيرات التي كشف العلم والتاريخ في القرون الأخيرة من معانيها ما لم يخطر في بال أحد من أهل العصر الذي نزل فيه، ومن معجزاته السلبية أنه لم يثبت على توالي القرون بعد نزوله شيء قطعي ينقض شيئًا من أخباره القطعية - على أن أخباره هذه، إنما جاءت لأجل الموعظة والعبرة والتهذيب، ويكفي في مثل هذا أن تكون الأخبار على المألوف عن الناس، ولا ينتقد عليها إذا لم تشرح الحقائق الفنية والوقائع التاريخية؛ لأنها ليست مما يبعث الرسل لبيانه، ومنها ما لا يمكن الوقوف عليه إلا بالتعمق في العلم أو الاستعانة بالآلات التي لم تكن معروفة عند المخاطبين الأولين بالوحي، بل لا يصح أن يأتي فيها ما يجزمون بإنكاره بحسب حالتهم العلمية، لئلا يكون فتنة لهم، ولقد قال نبي الإنسانية العام: أنتم أعلم بأمور دنياكم (رواه مسلم في صحيحه).
ومن دقائق تعبير القرآن في النوع الأول -التكوين– التي اختلف في فهمها الناس، أن مادة الخلق دخان وهو عين ما يسمى السديم، وأن - السموات والأرض كانتا رتقًا، أي مادة واحدة متصلة، ففتقهما الله وجعل كلا منهما خلقًا مستقلًا وبث فيهما أنواع الدواب، ولم يكن أحد يعتقد أو يتصور أن في شيء من هذه الأجرام السماوية حيوانًا، وأنه جعل من الماء كل شيء حي، وأنه خلق جميع الأحياء النباتية والحيوانية أزواجًا، فجعل في كل منهما ذكرًا وأنثى وأنه جعل كل نبات موزونًا يعني أن عناصره متوازنة على نسب مقدرة، وأنه أرسل الرياح لواقح، وأنه: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾. (سورة الزمر: 5). والتكوير هو اللف على الجسم وهو صريح في كروية الأرض ودورانها اللذين كانا موضوع الجدال والنضال بين العلماء إلى عهد قريب بعد الإسلام.
وأمثال هذا فيه كثيرة، حتى أن بعض آياته في الشمس والقمر والنجوم وسبحها في أفلاكها وجريانها إلى أجل مسمى، وفي تناثر الكواكب عند خراب العالم لا تفهم فهمًا صحيحًا إلا في ضوء علم الفلك الحديث.
وأعجب منه إثبات أن للخلق سننًا لا تتبدل وبيانه لكثير منها، ومن سنن الاجتماع التي لم يهتد البشر إليها بالبحث العلمي إلا بعد بيان القرآن لها بقرون: - 1 -
إن الداعية الذي يحسن استخدام حقائق العلم في المجالات التي ذكرناها يجد طريقه إلى أذهان الناس وعواطفهم سهلًا معبدًا، ويقع كلامه من نفوس المثقفين العصريين موقع القبول وحسن التأثير، ولعل هذا من أظهر الأسباب وراء نجاح بعض الدعاة المرموقين في عالمنا العربي اليوم.
سادسًا: الثقافة الواقعية
ومن أهم ما يلزم الداعية التسلح به من ألوان الثقافة بعد ما تقدم: ما سميناه «الثقافة الواقعية» ونعني بها: الثقافة المستمدة من واقع الحياة الحاضرة، وما يدور به الفلك في دنيا الناس الآن في داخل العالم الإسلامي وفي خارجه، فلا يكفي الداعية أن يكون قد حصل العلوم الإسلامية وجال في مراجع الأدب واللغة والتاريخ، وأخذ بحظه من العلوم الإنسانية ومن العلوم التجريبية، ولكنه مع هذا كله لا يعرف عالمه الذي يعيش فيه، وما يقوم عليه من نظم، وما تسوده من مذاهب، وما يحركه من عوامل، وما يصطرع فيه من قوى، وما يجري فيه من تيارات، وما يعاني أهله من متاعب، وبخاصة وطنه الإسلامي الكبير من المحيط إلى المحيط، بآلامه وآماله، وأفراحه ومآسيه ومصادر قوته، وعوامل ضعفه، وبعد ذلك وطنه الصغير وبيئته المحلية وما يسودها من أوضاع وتقاليد، وما تقاسيه من صراعات ومشكلات، وما يشغل أهلها من قضايا وأفكار.
إن الداعية لا ينجح في دعوته ما لم يعرف من يدعوهم، حتى يعرف، كيف يدعوهم، وماذا يقدم معهم وماذا يؤخر، ولهذا حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله أفترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم.»
ومعنى هذا أنهم لو كانوا مجوسًا أو ملاحدة أو نحو ذلك، لكان عليه أن يدعوهم بطريقة أخرى.
ومن هنا يجب على الداعية في عصرنا أن يدرس:
1 - واقع العالم الإسلامي:
بمعرفة خلاصة مركزة عن أوضاعه الجغرافية والاقتصادية والسياسية وتوزيع سكانه وأسباب تخلفه وتفرقه، وعوامل تقدمه ووحدته، وإمكانات تكامله اقتصاديًا وتضامنه سياسيًا وعسكريًا، فضلًا عن تقاربه اجتماعيًا وثقافيًا.
أضواء على فكرة «الجامعة الإسلامية» أو «الكتلة الإسلامية» أو التضامن الإسلامي باعتباره خطوة في طريق «الخلافة الإسلامية» مشكلات الأقليات والأكثريات الإسلامية المضطهدة: في الفلبين، في قبرص، في أرتيريا، في الحبشة، في الإتحاد السوفيتي، في أوروبا الشرقية في ألبانيا، في يوغوسلافيا، في الصين في الهند.
٢ - واقع القوى العالمية المعادية للإسلام:
وتتمثل في المثلث الرهيب: اليهودية العالمية، والصليبية العالمية، والشيوعية الدولية، وهي قد تختلف فيما بينها، لكنها متفقة علينا.
لا بد من دراسة الأسباب والدوافع وراء كيدها لنا: الحقد، الطمع، الخوف، الاستعلاء، وسائلها في حربنا: الحرب السياسية، الحرب الاقتصادية، الحرب الفكرية، خطورة هذه الحرب الأخيرة وأساليبها وأجهزتها: التبشير، مؤسساته وإمكاناته الهائلة، الغارة النصرانية على العالم الإسلامي، الصراع بين الإسلام والتبشير في أفريقية، التخطيط لتنصير إندونيسية أكبر بلد إسلامي، محاولات التنصير في العالم العربي، الفشل وتغيير الخطة، التعاون بين التبشير والاستعمار، وكذلك بين التبشير والشيوعية أخيرًا، الاستشراق: أهدافه ووسائله، إسهامه في إحياء التراث، كتابات المستشرقين عن الإسلام ومدى عمليتها، المنصفون والمتحاملون من المستشرقين، سموم الفكر المستشرق وآثارها في عالمنا العربي الإسلامي تلاميذ المستشرقين.
الغزو الشيوعي: عن طريق الخبراء والمساعدات والمؤسسات الثقافية، والبعثات التعليمية والتدريبية إلى البلاد الشيوعية، وتأييد الأحزاب الشيوعية في الداخل بالتمويل والتوجيه.
المؤسسات المشبوهة والماسونية وما تفرع عنها: خطرها وأساليبها الماكرة وتعلقها في الطبقات الأرستقراطية.
الغزو من الداخل: عن طريق العملاء وعبيد الفكر الغربي، والأحزاب الموالية من ليبرالية ويسارية، احتضان الفرق المنشقة على الإسلام كالبهائية والقاديانية تأييد الحكام العلمانيين.
ينبغي هنا التنبيه على أمرين:
١ - عدم التهويل أو التهوين من شأن القوى المعادية ومخططاتها، حتى لا يؤدي ذلك الى اليأس من مقاومتها أو الاستهانة بها.
۲ - الاستفادة من الصراع القائم بينها بذكاء، واستغلال الفرص المناسبة لذلك، كالصراع بين روسيا والصين، وقد كان السلف يقولون: اللهم أشغل الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين.
٣ - واقع الأديان المعاصرة:
اليهودية: توراتها المحرفة، وتلمودهـا الرهيب، ونظرته إلى الأمميين، وانعكاس ذلك على الحركة الصهيونية وقيام إسرائيل.
المسيحية: طوائفها وكنائسها المختلفة، وما بينها من صراع، محاولات التقارب بين بعضها وبعض، محاولات تقربها من اليهودية، وثيقة الفاتيكان بتبرئة اليهود من دم المسيح.
محاولات ما يسمى «التقارب الإسلامي المسيحي» وقيمتها.
الهندوسية الوثنية: عقائدها وطوائفها، موقفها من المسلمين.
البوذية: ومدى انتشارها في بلاد الشرق الأقصى، وأثرها في حياة أتباعها.
٤ - واقع المذاهب السياسية المعاصرة:
من شيوعية ورأسمالية واشتراكية وديمقراطية ودكتاتورية، وتعدد مدارسها واختلاف تطبيقاتها.
نرى ذلك في النظرية الشيوعية الماركسية، ومدى اختلافها في تطبيق «لينين» وخلفائه في روسيا عن تطبيق «ماو» في الصين، بل ما بين ستالين ومن بعده خروشوف إلى بريجنيف عجز الشيوعية عن تحقيق فلسفتها الخيالية في مساواة الدخول، وزوال الدولة.
الشيوعية في أحزاب أوروبا الغربية: تخلى بعض زعمائها عن بعض المفاهيم الأساسية للماركسية كنظرية الصراع الطبقي، موقف الشيوعية من الأديان عامة والإسلام خاصة.
موقفها من القيم الأخلاقية، موقفها من الحريات الرأسمالية المعاصرة: ومدى مغايرتها للرأسمالية في بداية نشأتها - الرأسمالية في أمريكا وأوروبا واليابان. آثار الرأسمالية الآن وموقفها من الدين.
الرأسمالية علمانية - معنی قیام أحزاب ديمقراطية.
الاشتراكية: وكثرة مدارسها واختلاف ما بينها، من إصلاحية إلى علمية، الجامع بين الاشتراكيات المختلفة، فرق ما بين الاشتراكية والشيوعية، الاشتراكية والدين، معنى قيام أحزاب اشتراكية مسيحية في أوروبا.
الديمقراطية: معناها وأنواعها ادعاء الشيوعيين والرأسماليين والاشتراكيين لها.
ديمقراطية الصراع السياسي، أو الاجتماع السياسي أو التحالف السياسي أزمة الديمقراطية في العالم.
الدكتاتورية: معناها وأنواعها، دكتاتورية الطبقة، دكتاتورية الحزب، دكتاتورية الزعيم، التجربة الفاشية والنازية، الدكتاتورية في عالمنا اليوم.
موقف الإسلام من هذه المذاهب - الإسلام نسيج وحده. ما وافق الإسلام. منها في شيء خالفه في أشياء، تميز الإسلام عنها في غاياته ووسائله – خطأ إضافة الإسلام إلى مذهب منها، استغناء أمتنا بما عندها عن استيراد مذهب أجنبي عنها، جناية الحلول المستوردة على أمتنا، حتمية الحل الإسلامي.
5 - واقع الحركات الإسلامية المعاصرة:
الحركات الإقليمية - الحركات العالمية - الحركات الجزئية - الحركات الشاملة أهم هذه الحركات في العالم الإسلامي: حركة الجماعة الإسلامية في باكستان والهند - حزب ماشومي في إندونيسية - الحركة الإسلامية في تركيا.
حزب التحرير في الأردن وفلسطين – الإخوان المسلمون في مصر والعالم العربي، وهي كبرى الحركات الإسلامية الحديثة.
الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي:
- مؤسساتها ووسائلها - المساجد ورسالتها وما ينقصها، وما يمكن أن تقوم به. مؤتمر رسالة المسجد المجلات الإسلامية ودورها الكتب الإسلامية.
الدعاة المرشدون.
أهمية الجامعات والمعاهد الإسلامية، ووظيفتها دور وزارات الأوقاف والشئون الإسلامية.
الدعوة الإسلامية في خارج العالم الإسلامي: في آسيا وأفريقية في أوروبا وأمريكا. المراكز الإسلامية. الجمعيات الإسلامية، الاتحادات الطلابية المدارس الإسلامية أهمية التنسيق والترابط بين هذه المؤسسات، الحذر من مؤامرات القوى المعادية عليها، وجوب معاونتها من داخل العالم الإسلامي ماديًا وأدبيًا، دور الأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي وغيرها من المؤسسات في نشر الدعوة ومعاونة دعاتها.
٦ - واقع التيارات الفكرية المعارضة للإسلام:
ونعني بها التيارات الموجودة داخل العالم الإسلامي مثل: التيار الليبرالي، الموالي للمعسكر الغربي، ويمثله كتاب وصحف وأحزاب التيار القومي «القومية العربية، أو الطورانية أو الفارسية ونحوها»، وهو تيار علماني أيضًا ينادي بفصل الدين عن الدولة.
٧ - واقع الفرق المنشقة على الإسلام:
وأبرزها وأخطرها: البهائية والقاديانية.
أما الأولى فهي دين جديد مخالف للإسلام كل المخالفة.
وأما الثانية فهي فرقة مارقة تدعي نبوة جديدة بعد أن ختمها محمد صلى الله عليه وسلم، وكلتاهما تحظى بمساندة القوة المعادية للإسلام.
٨ - واقع البيئة المحلية: فكل داعية عليه أن يدرس البيئة التي يعيش فيها ويعرف أوضاعها، وتقاليدها، ويتعمق في فهم مشكلاتها ونفسيات أهلها وما يؤثر فيها، كما عليه أن يعرف لغتهم ليكلمهم بلسانهم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. (إبراهيم: ٤). ولهذا نرى معرفة اللغات الحية - أو لغة منها على الأقل - ضرورة للداعية في عصرنا.
هذه معالم سريعة لما ينبغي أن تقوم عليه ثقافة الواقع، ولا يخفى أن هذه الثقافة لا تستمد من الكتب وحدها، فهي ثقافة نامية متجددة مستمرة، يمكنه أن يجدها في المجلات والدوريات والنشرات الرسمية وغير الرسمية.
والداعية ذو العقل اليقظ، والحس المرهف يستطيع أن يأخذ مددًا جديدًا من كل ما حوله من وقائع الحياة اليومية، أخبار الصحف ووكالات الأنباء، وتعليقات المعلقين، ويمكنه أن يعد لذلك سجلًا أو أرشيفًا يدون فيه ما يهمه من هذه الوقائع والأخبار، ويصنفها ويضعها عند الحاجة في مكانها، فإن أحداث اليوم هي تاريخ الغد، الذي يدرسه الدارسون ويحلله الناقدون، على أن لهذه الأخبار والأحداث مزية على الأحداث والأخبار الماضية، وهو جدتها وحضورها في الأذهان ولهذا يكون لها أبلغ الوقع والتأثير.
بل يستطيع الداعية أن يتلقى معلوماته عن الواقع من مصادره الحية المباشرة، بلقاء الناس ومخالطتهم ومشاهدة أحوالهم والاستماع الى أحاديثهم، في الحضر والسفر، فإن السفر نصف العلم، ولهذا كان علماؤنا الأولون أكثر الناس ترحالًا في طلب العلم من أهله في مواطنهم. وقد قال الشاعر العربي:
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصرنا
قد حدثوك، فما راء كمن سمعا
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل