العنوان جريمة الغرب الكبري ضد مسلمي "البوسنة والهرسك"
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يونيو-1993
مشاهدات 13
نشر في العدد 1053
نشر في الصفحة 15
الثلاثاء 15-يونيو-1993
ملف العدد
أعدد هذا الملف
- أحمد منصور- الكويت
- أسعد طه- سراييفو
- النذير مصمودي- زغرب
- هشام الهلالي- زغرب
- محمد الغمقي- باريس
- فهد العوضي- لندن
انكشفت سوأة الموقف الغربي من مسلمي البوسنة والهرسك بوضوح تام، ولم يعد هناك مجال لاستيضاح باقي فصول اللعبة، فقد بدا واضحًا أنها حرب إبادة لاقتلاع جذور الإسلام من قلب أوروبا، يقوم بها الصرب والكروات، ويشارك فيها الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون والألمان وباقي الأعراق الأوروبية والغربية الأخرى، ساعدهم على ذلك استكانة العالم الإسلامي وتمزقه وضعفه وخذلانه لمسلمي البوسنة.
إن التاريخ يسجل في هذه الأيام صفحات سوداء، يدان فيها العالم بأسره، بعدما تحكم في زمام الأمور نظام عالم بائس ظالم متسلط، لا ينصر مظلومًا ولا يردع ظالمًا؛ مما يعجل بنهايته ونهاية القائمين عليه، ومن خلال هذا الملف نفضح جانبًا من جريمة هذا النظام العالمي ضد مسلمي البوسنة والهرسك؛ حتى يدرك المسلمون جانبًا من جوانب المأساة الحاضرة لهؤلاء الذين يسلبون خيرات بلادنا، ثم يذبحوننا ويبيدون شعوبنا بها.. فإلى صفحات الملف.
نائب الجامعة الإسلامية في لبنان الدكتور زهير العبيدي يكشف التفاصيل المثيرة لمحاولة اختطافه على أيدي الكروات خلال زيارته إلى البوسنة والهرسك بتكليف من منظمة الإغاثة الإسلامية.
العبيدي: فكرنا بقاتل جنديين كروات خلال اختطافنا.
ما يرتكبه الصرب ضد المسلمين هو أحقر المجازر
النائب زهير العبيدي هو أحد ثلاثة من مرشحي الجماعة الإسلامية الذي فازوا بالانتخابات النيابية العامة في لبنان، وهو أحد ستة من النواب السنة عن بيروت، لم تكن له تجربة سياسية سابقة، ودخل البرلمان اللبناني لأول مرة، مشكلًا كتلة موحدة مع كتلة الوفاء للمقاومة عن نواب حزب الل.
قام بجولة أوروبية مميزة؛ حيث زار يوغوسلافيا لا سيما البوسنة والهرسك بعد أن جمع التبرعات من المدن والقري اللبنانية، وتعرضوا هناك لحادثة اعتقال كاد أن يودي بحياته ربما اعتبر في بيروت بالمغامرة.
- المسلمين في البوسنة صامدون ينقصهم السلاح المتوسط فقط لاستعادة أراضيهم
- طالبت لبنان بقطع علاقاته مع بلغراد لأنها تشجع الصرب على ارتكاب المجازر.
التقت المجتمع النائب العبيدي الذي تحدث بإسهاب مفصل عن حيثيات الجولة ومشاهدته للأحداث الدائرة في البوسنة والهرسك كما تحدث عن مجمل الأوضاع اللبنانية الداخلية، ونظرة كتلته إلى الحكومة؛ حيث حذر من هجوم الجياع على الحكم وشارحًا أهداف الجماعة الإسلامية من خلال النضال البرلماني وشرح وجهات النظر الإسلامية التي يطرحها.
المجتمع: لقد قمت بمغامرة عندما قمت بزيارة إلى البوسنة والهرسك، وقد لفت الانتباه في العالم العربي للبنان ما هي دوافعك للقيام بمثل هذه الزيارة؟
العبيدي: زيارتي إلى البوسنة والهرسك، كانت ضمن نطاق التزاماتي الإسلامية العامة والشاملة، والتي تنطلق من الحديث الشريف القائل: «من أصبح ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم».
ومنذ شبابي وأنا أهتم بالقضايا اجتماعية والدفاع المدني والإسعافات والعمل الإنساني.
وعندما بدأت الحرب في البوسنة والهرسك بعد تفكك يوغسلافيا السابقة بدأنا من الجماعة الإسلامية في لبنان بجمع التبرعات. الحقيقة تقال، أن اللبناني متعاطف بشكل كبير مع كل حدث إسلامي في العالم. وأصدقك القول إن أكثر التبرعات التي وصلتنا لنصرة إخواننا في البوسنة والهرسك كانت من الطبقات الفقيرة، وهي بحاجة إلى مساعدة كمناطق بعلبك والبقاع وعكار والفنية والمنية، كانت تأتي المساعدات من هؤلاء الفقراء والمساكين؛ حيث تبرع البعض بكل رواتبهم؛ إضافة إلى الكثير من كبار الشخصيات في لبنان.
وقمنا بحملة إعلامية وإلصاق الإعلانات في كل المناطق للفت انتباه الناس إلى ما يجري من مجازر؛ حيث كانت الحصيلة الأولية التي استتبعناها بواسطة مراكزنا الإسلامية في أوروبا، وكان توجهي إلى فرنسا للمشاركة في المؤتمر الذي تنظمه المنظمات الإسلامية الأوروبية في باريس، وحصلنا على حوالي مليون فرنك فرنسي (۲۰ ألف دولار)، كما نظمت حملة للتبرعات بوجود رئيس المشيخة الإعلامية الشيخ صالح زيلادوفيتش في معظم الدول الأوروبية؛ حيث عمل المكاتب الإسلامية لمساعدة البوسنة والهرسك.
ومن هنا كان التوجه لأن أكون على رأس البعثة لإيصال المساعدات الغذائية، ودخلت أوجه شبه بين لبنان، وما يجري هناك من زغرب؛ حيث زرت هناك مراكز اللاجئين البوسنيين في زغرب وسبليت.
وقمت بتوزيع المساعدات شخصيًّا ولمست مدى معاناة هذا الشعب ومأساته حيث يبلغ عدد السكان الإجمالي أربعة ملايين نسمة والمهجرون منهم حوالي مليون ونصف المليون.
وزرت بعض العائلات والأسر التي اغتصبت نساؤها من قبل الصرب؛ حيث هناك فتيات بسن التاسعة تعرضن للاغتصاب بشكل سادي وغريب، وكان يتم اغتصابهن أمام أعين الآباء والأمهات، ويتم التناوب عليهن، إنها مأساة يدمى لها الفؤاد.
انطلقت بعد ذلك لإلقاء محاضرة في زغرب حول أوجه الشبه بين الحرب الأهلية اللبنانية والحرب الدائرة هناك.
المجتمع: هل يمكن إطلاق اللبننة على الحرب في البوسنة؟
العبيدي: هكذا جال في خاطري، ولكن بعدما لمست من خلال مشاهداتي في كرواتيا داخل البوسنة - الهرسك أدركت خطئي في هذا الموضوع من أن يكون هناك أوجه شبه بين لبنان وما يجري هناك.
إن ما يجري هناك لا شبيه له في العالم أجمع، ولا أتصور أن الصرب ينحطون إلى هذا الدرك السافل من الممارسات البشعة والقتل الجماعي.
وبالحقيقة لا أوفر الكرواتيين من هذه المسؤولية لأنني عندما اعتقلت لامست مدى التفريق المذهبي والطائفي عندهم، رغم التحالف المعلن.
المجتمع: حصل خلال جولتك عملية اعتقال تعرضت لها، كيف جرى ذلك؟
العبيدي: بعد جولتي في مدينة سبليت وهي على الحدود بين كرواتيا والبوسنة والهرسك، انطلقت قبلنا شاحنات المساعدات المقدرة بحوالي ٤٠٠ ألف دولار، ثم انطلقنا بسيارة جيب برفقة دليلين من البوسنة أحدهما اسمه عز الدين وشاب أردني أيضًا، وكان في أفغانستان وله خبرة في الإمداد العسكري، وكنا نمر على المدن الإسلامية، وكنا نمر على بحيرة جميلة جدًّا وعلى ضفاف نهر في المكان وكانت بقايا الجثث والأطراف ظاهرة للعيان.
وكانت أغلب الجسور منسوفة وبنت الأمم المتحدة جسورًا بديلة، وشاهدنا مجموعة مدنية تحاول نسف جسر كنا سنعبره في منطقة زيلانيسا، وخشينا على العودة وكان الشبان من البوسنة وفي كل مدينة تسيطر عليها فرقة من المقاتلين مختلفة عن الأخرى إلى أن وصلنا إلى بروزور صادفنا مليشيا كرواتية.
شاهدت معارك بين المسلمين البوسنيين والكروات... والجثث تملأ البحيرات والطرق
وهنا السر في الخطف.. فقبل وصولنا إلى المدينة وقع اشتباك بين المسلمين والكروات، ومع وصولنا بدأت القذائف تنهال على المدينة، وهم حلفاء الأمس، وهنا أخذنا حاجز الميلشيا الكرواتية، ووضعونا في مكان أظنه للتصفية مباشرة، وفجأة وصلت قافلة من الجيش الكرواتي وشاهدونا، بادرت القائد بأنني ديبلوماسي، ثم أخذونا إلى البوليس العسكري؛ حيث هناك سجنا من الساعة ١٢ ظهرًا وحتى الثانية بعد منتصف الليل، ولم يقدموا لنا أي طعام، مما حدا بالشاب الأردني أن يقفز من الطابق الثاني لأنه كان يعتبر نفسه مقتولًا.
بعد ذلك نقلنا إلى سجن آخر، وهناك في غرفة صغيرة ونحن خمسة أشخاص، وفيها ستة سائقين مسلمين من قافلة الشاحنات، كنت أطلب القائد لأتحدث إليه، وكانوا يحتجون بالمعارك، وكنا نسمع القصف وحركة السيارات والآليات.
ظل الأمر كذلك حتى الساعة الثالثة فجرًا، وأصريت على عدم الصعود بسيارة عسكرية، وكنت أنادي بمعاملتي بالحسنى، وكان أحد المرافقين معي يترجم ما أقول، إلى أن لبوا رغبتي، وأخذونا إلى البوليس المدني الذي سألني عن هدف وجودي، وعن علاقاتي. تحدثته عني وعن علاقتي بلجنة الحوار الأوروبي - المسيحي الكاثوليكي، ووضعي كمفكر وأستاذ جامعة، وأنني لست موجودًا بهدف القتال كما كانوا يظنون.
ثم أرسلنا المسؤول إلى مسجد لننام فيه، وبقينا تحت الحراسة كسجناء في المسجد، وجاء إمام المسجد في الليل، وقدم لنا الطعام بعد احتجاز ۱۳ ساعة من دون طعام أو شراب.
وفي الصباح وبطريق الصدفة حضرت مجموعة من الأمم المتحدة للاستقصاء عن أوضاع المسلمين في المدينة، فأشار لهم الإمام إلى وجودنا، وشرحت لهم عن طبيعة وجودي، رغم الأوراق الثبوتية والإذن الكرواتي بالدخول، مما دفع المجموعة الدولية للضغط على البوليس العسكري للإفراج عنا. ثم نقلنا بسيارة عسكرية إلى مكان مجهول..
وهنا بدأت الشكوك تعترينا، وكادت أن تحصل مجزرة خلال عملية نقلنا؛ لأن الظنون ساورتنا لأن نصادر سلاح الجنديين في السيارة وقتلهما ثم الهرب، ثم اطمئناني لعدم حصول أي مكروه لنا، وهذه فكرة الشاب الأردني الذي قال لي، إذا أخذونا إلى الطريق الجبلي، فمعنى ذلك التصفية، وإذا سلكنا الطريق الساحلي فمعنى ذلك إفراج.
وبالفعل سلكنا الطريق الجبلي، الذي يعرفه الشاب جيدًا حتى وصلنا إلى حاجز للمليشيات الكرواتية التي تريد اعتقالنا؛ لأنهم يعتقدون أن أية سيارة فيها عرب، معناه للإعدام، ولكن الجنديين الذين ينقلاننا اشتبكوا معهم، وقالوا لهم: بأنهم ينفذون مهمة لإيصالنا إلى المنطقة الآمنة، بصراحة عند ذلك اطمئننا إلى أننا في الطريق إلى الإفراج عنا.
فوصلنا إلى مدينة توماس غراد، وهناك في الفندق دخلنا المطعم لنأكل. فطلب مني رئيس المجموعة الأوروبية ألا أبقى ثانية في الفندق، وإنه عليَّ الخروج، لأن المدينة غير أمنة.
وعدنا إلى المسجد من حيث أتينا إذ تسلل أحد الشبان واتصل بمركز الإغاثة في زغرب، وطلب منهم إبلاغ السفير اللبناني في باريس باعتقال النائب زهير العبيدي لإجراء بعض الاتصالات؛ لأن مصيرنا فعلًا كان مجهولًا، مما دفع إحدى الوكالات أن تسرب خبرًا لتلفزيون لبنان عن احتجازي. الحمد لله، وصلنا إلى زغرب ومن ثم إلى باريس؛ حيث ألقيت محاضرة عن المبعدين، ثم شاركت في المسيرة الصامتة التي جرت هناك. وهناك اتصلت هاتفيًا ليقولوا لي بأن الوضع متأزم، ولم يقتنع المحبون بأني على قيد الحياة.
المجتمع: هل يمكن أن تكشف لنا الجوانب السياسية في الأزمة البوسنية؟
العبيدي: بالحقيقة هناك قرار سياسي أميركي وأوروبي بتطهير يوغسلافيا من العنصر الإسلامي، وإلا ما معنى سكوت العالم كله على مثل هذه المجازر.
ولذلك نقول: إن السياسة الدولية والنظام الدولي الجديد هو نظام يقيس بمكيالين، وينفذ قراراته على العالم العربي، ولا ينفذها على إسرائيل، تمامًا يحصل هناك عدم تطبيق لقرارات مجلس الأمن؛ كالحظر الجوي على صرب البوسنة والحصار الاقتصادي.
اغتصبوا فتيات في التاسعة من عمر من أمام أوليائهن بالتعاقب
إن أمريكا والمجموعة الأوروبية هما المتآمرتان في القضاء على المسلمين في البوسنة والهرسك، وكل الاتفاقات والتأجيلات هي جزء من المؤامرة؛ لكي يستمر الصرب باحتلال المدن الإسلامية واحدة تلو الأخرى.
المجتمع: كيف تسير موازين القوى العسكرية على أرض المعركة؟
العبيدي: المسلمون في البوسنة والهرسك فتحوا أعينهم على الفاجعة التي لم يكونوا ينتظرنها، ولم يفكروا بها، ولكن بعد حدوث هذه المجازر أصبحوا اليوم أكثر التصاقًا بالإسلام، وأكثر تعاطفًا مع القضايا الإسلامية.
لقد قال لي أحدهم: إنكم أيها العرب لا منة ولا فضل لكم علينا أن تأتونا بمساعدات، فقد سبق لمسلمي البوسنة أن جاؤوا إلى فلسطين في العامين ١٩٤٧ و١٩٤٨ ويشهد التاريخ وجود عائلات بوسنوية في لبنان وفلسطين والعراق.
المسلمين هناك أكثر تفهما لدورهم الإسلامي في المحيط الأوروبي، وسيكون هناك خير كثير في المستقبل؛ لأن الأزمة تعلم.
المجتمع: هل هناك خطر على الوضع البوسنوي، وهل ما يزال قادرًا على الصمود؟
العبيدي: الصعود فعلًا موجود ولكنهم ينقصهم السلاح، ولو وصل السلاح لا أقول الثقيل وإنما المتوسط، فبالفكر الجهادي والنضالي ستتغير المعادلة وسيستعيدون كل الأراضي المحتلة من الصرب؛ لأن الصرب أناس جبناء يخافون المواجهة، بينما المسلم يعتقد أنه إذا قتل في الدفاع عن أرضه وعرضه ودينه سيكون شهيدًا.
وحدثني الكثير إنه عندما تعلو كلمة (الله أكبر) تبدأ القذائف والمدفعية، وكان هناك هجومًا كاسحًا من المسلمين مع أنهم قلة.
المجتمع: هل نقلت الصورة التي عايشتها إلى الحكم اللبناني كونك نائبًا في المجلس النيابي؟
العبيدي: في السياسة الخارجية اللبنانية نقلت صورة عن الوضع الذي يتعرض له المسلمون، وطالبت مع زملائي النواب أن يقطع لبنان علاقاته مع بلغراد؛ لأنها هي التي تمد صرب البوسنة بكل هذه الأعمال، وتشجعهم على القتل والمجازر، كما حدث لدى النازية الألمانية مع اليهود، وما يحصل في البوسنة للمسلمين أشد من حملات النازية.
المجتمع: بناء على هذه الجولة هل تبلور عمل جماعي عربي حول هذه
القضية؟
العبيدي: لقد وجهنا نداءات إلى الحكام وإلى المنظمات الإنسانية وإلى هيئات الإغاثة الدولية أن يضاعفوا من جهودهم، وأن يتحركوا على جميع الأصعدة، وأن يضغطوا على أصحاب القرار.. ولكن لا حياة لمن تنادي! أقول وبكل صراحة: إنهم غثاء كغثاء السيل، وليس لهم أي دور في المنظومة الدولية الجديدة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلتجديد الغزو الفرنسي للشرق الإسلامي من خلال المطبعة والمدفع
نشر في العدد 2148
28
الخميس 01-أكتوبر-2020