العنوان جزر القمر.. هل تنعم بالاستقرار بعد الانقلاب الثامن عشر؟
الكاتب محمد باشا
تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1999
مشاهدات 16
نشر في العدد 1350
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 18-مايو-1999
تحديات صعبة أمام النظام الجديد.. الجزر الانفصالية والتبعية للغرب
موروني: محمد باشا
القراءة الأولية للحكومة القمرية الجديدة التي أعلن عن تشكيلها يوم السادس من مايو الجاري تبين أنها تضم اثني عشر وزيرًا ليس منهم سوى وزير واحد من المؤسسة العسكرية هو وزير الشباب والرياضة، وأعيد فيها تسمية وزارة الشؤون الإسلامية التي كان الرئيس الراحل محمد تقى قد ألغاها، وأنشأ مكانها: مجلس العلماء. المنحل بغير رجعة فيما يبدو. وخول إليه بموجب الدستور صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة وفق الشريعة الإسلامية، وقد تجاوزت الحكومة الجديدة التي جاءت بعد انقلاب عسكري - الرموز السياسية التقليدية في البلاد، وضمت كوادر شابة، وسجلت بذلك نقطة إيجابية زادت من نسبة التفاؤل لدى عموم الشعب وقبوله للقادمين الجدد.
ومن أبرز الوجوه في الحكومة الجديدة وزير الخارجية والتعاون محمد الأمين صيف اليمني أحد مهندسي العلاقات القمرية العربية، واحتفظ العقيد عثمان غزالي ٤١ سنة إلى جانب الرئاسة بوزارة الدفاع.
ويرى بعض المراقبين أن الصبغة المدنية التي تتسم بها الحكومة العسكرية الجديدة ربما كانت للتترس بها في وجه التنديدات العالمية بالانقلابات لمناهضتها للديمقراطية، ولامتصاص حدة انتقادات الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الراعية لاتفاقية اتانا ناريف الموقعة بين الأحزاب والقوى السياسية القمرية حول الحكم الذاتي للجزر، ويؤكد المراقبون أن الحكومة بصبغتها المدنية هي محاولة لتلميع وجه الحكم العسكري البغيض بممارساته وظلاله المرعبة إضافة إلى افتقار الجيش القمري إلى الخبرة التاريخية في شؤون السياسة والحكم، وحداثة سن الصف الأول من الضباط الذين لا يتجاوز أكبرهم سنًا منتصف العقد الثالث من العمر، فهذا انقلاب عسكري يقوم به الجيش الوطني من تلقاء نفسه. ولم تكن الانقلابات السبعة عشر السابقة على انقلاب العقيد غزالي -نجح منها ستة فقط- سوى الوجه الآخر من اللعبة السياسية للأحزاب والقيادات السياسية المدنية بالتنسيق مع القوى الأجنبية النافذة في البلاد، وهذه الأخيرة هي التي تولت جميع مراحل التخطيط والتنفيذ في الانقلابات السنة الناجحة، بعد أن يضيق كلا الطرفين الداخلي والخارجي -القيادات السياسية والمرتزقة ومن يقف خلفهم- ذرعًا بالنظام القائم لسبب أو لآخر. ولعل عدم قيام أي طرف وطني بدور عسكري في الجهود المبذولة لاستقلال البلاد واقتصارها على الجهود السياسية من قبل الأحزاب والقيادات المدنية كان وراء تواري ظل الجيش عن الحياة السياسية القمرية منذ الاستقلال إلى اليوم، غير أن تخلف البلاد الشامل، والفساد والمحسوبية والتبعية المطلقة للمستعمر التي غرقت فيها النخبة السياسية التقليدية جعلت الشعب القمري يتطلع إلى التغيير والتجديد، لا إيمانًا منه بجدوى الحكم العسكري، أو رغبة عن الحكم المدني بل حبًا في التغيير والتجديد وفتحًا لباب الأمل من جديد.
خلفيات الانقلاب
وقد جاء انقلاب الجيش الأخير في ٣٠ أبريل الماضي بعد إنهاء المؤتمر الإقليمي للوفاق الوطني القمري أعماله والذي عقد في عاصمة مدغشقر اتانا ناریف، خلال الفترة من ١٩ - ٢٣ أبريل الماضي برعاية رابطة دول المحيط الهندي وبعض دول جنوب وشرق إفريقيا تحت مظلة منظمة الوحدة الإفريقية بغية التوصل إلى وضع حد للأزمة الانفصالية في جزيرة هنزوان»، وفي الوقت الذي أجمعت فيه كلمة الوفود المشاركة في المؤتمر على الخيار الفدرالي، بمنح كل جزيرة حكمًا ذاتيًا بصلاحيات واسعة في ظل دولة الوحدة، تحت اسم اتحاد جزر القمر، أصر وفد الانفصاليين على الخيار الكنفدرالي، أي اتحاد بين دول مستقلة تحت اسم اتحاد دول القمر (انظر العدد ۱۲۷۷) من مجلة المجمع فقد كانت سباقة إلى التنبؤ بما ستؤول إليه مجريات هذه الأزمة وقد أدى نبذ الصيغة الأخيرة إلى رفض الانفصاليين التوقيع على اتفاقية الحكم الذاتي التي أسفر عنها المؤتمر والتي عرفت باسم اتفاقية اتانا ناريف، وعلى إثرها قامت مجموعات من الشباب في العاصمة موروني بممارسات استفزازية مذلة لحمل المواطنين المنتمين إلى جزيرة هنزوان على العودة إليها، ومن المفارقات أن قيادة الجيش اتخذت تلك الممارسات أحد المبررات لقيامها بالانقلاب، في حين كانت قد رفضت التدخل لإيقافها. على رغم إلحاح الحكومة على ذلك، بل كانت الشرطة تقوم بمتابعة المجموعات الشبابية الثائرة - بما يشبه الحماية - للحيلولة دون الحاق الأذى بالأفراد والممتلكات.
واستمرت هذه القلاقل من ٢٤ - ٢٩ أبريل الماضي، وأدت إلى شل قطاعات كبيرة من النشاط اليومي بالعاصمة، فقد غادر خلالها أكثر من خمسة آلاف مواطن عائدين إلى هنزوان وظلت حركة النزوح قائمة حتى بعد تسلم الجيش زمام الأمر.
ويعتقد المراقبون أن تعجيل الإعلان عن الانقلاب كان لتفويت الفرصة على التيار الإسلامي الذي اصطف -على اختلاف مشاربه- خلف رئيس مجلس العلماء الشيخ محمد شريف للخروج في مظاهرات عارمة يوم ١/٥/١٩٩٩م احتجاجًا على إسقاط لفظتي الجمهورية، والإسلامية من الاسم الجديد المقترح في اتفاقية أتاناناريف، وخشية أن يبرز هذا التيار كقوة قادرة على تحريك الشارع، وقال رئيس مجلس العلماء في بيان له يوم ٤/٢٨ الماضي: إن الإسلام هو الجنسية الأولى للمواطن القمري، وهو حزامه الأمني الحامي للوحدة والاستقرار منذ حقب مديدة، فلا يحق لأحد مهما بلغ - محوه من الاسم الرسمي للدولة.
وقد أطلق اسم: جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، رسميًا في أول قانون للبلاد عام ١٩٧٨م بعد الاستقلال عام ١٩٧٥م.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل