; حتى لا تبقى استثماراتنا في قبضة الغرب | مجلة المجتمع

العنوان حتى لا تبقى استثماراتنا في قبضة الغرب

الكاتب عبيد الأمين

تاريخ النشر الثلاثاء 28-يونيو-1988

مشاهدات 54

نشر في العدد 872

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 28-يونيو-1988

  • دواعي الاستثمار في الدول العربية والطاقة الاستيعابية المتجددة تدفعنا لإعادة الاستثمارات وعدم حصرها في الدائرة الغربية. 
  • بريطانيا تخرج على تقاليدها المحافظة، وتسعى لاستصدار قوانين خانقة للاستثمارات الكويتية فيها.

أثار قرار إحالة موضوع الاستثمارات الكويتية في شركة «بريتش بتروليوم» إلى لجنة «منع الاحتكارات الاقتصادية» ضجة إعلامية وسياسية واسعة على مدى الأسبوع الماضي، وعقب التصريح الذي أدلى به مصدر مسؤول في اللجنة بشأن الاعتراض على امتلاك مكتب الاستثمار الكويتي لـ ٢٢% من أسهم الشركة... وكان هذا التصريح بمثابة إشعال فتيل العداوات الكامنة لدى بعض الأوساط الإعلامية والسياسية، مما استدعى سفير الكويت لدى بريطانيا غازي الريس إلى توجيه انتقادات واتهامات لتلك الصحف التي يحلو لها «محاولة الإساءة للعلاقات العربية البريطانية من خلال إثارة جدل حول نشاط مكتب الاستثمار الكويتي في لندن»، فقد كتبت صحيفة «الصندي تايمز» متهمة مكتب الاستثمارات الكويتي بالتهرب من دفع أكثر من ۹۰۰ مليون دولار لمصلحة الضرائب البريطانية، وجاء ذلك تحت عنوان ينم عن الكره والحقد «المليارديرات العرب يتهربون من الضرائب»، وفي إثارة منها لحقد الرأي العام أخذت تعدد في ممتلكات الكويت قائلة: إن الاستثمارات الكويتية تمتلك بالإضافة ٢٢ %من أسهم شركة «بريتش بتروليوم»، ٥% في أكثر من ۳۰ شركة بريطانية، وقدرت قيمتها بـ ١٥ مليار جنيه إسترليني، وبهذا فإن المكتب يحقق أرباحًا نتجاوز ٧٥٠ مليون جنيه إسترليني سنويًا، وأن الضرائب عليها تبلغ ٢٦٢ مليون جنيه إسترليني سنويًا... ومن جانب آخر فقد استشهدت الصحيفة بأقوال بعض نواب مجلس العموم البريطاني من المعارضين للاستثمارات العربية عامة- والكويتية بصفة خاصة- مثل «بيتر ثمبل موریس» نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، الذي قال: «من الخطأ ان يتمتع الكويتيون بما يحرم منه المستثمر العادي لمجرد أن أموالهم هنا»، كما أشادت بمواقف النائب العمالي «غوردون براون»، والذي تقدم بطلب لمجلس العموم البريطاني لتعديل قانون الضرائب ليشمل الاستثمارات الأجنبية، وفي الواقع أن الحملة ضد الاستثمارات الكويتية على وجه الخصوص ليست دعاوی تطلقها بعض الصحف، أو مشاريع قوانين تتبناها زمرة من النواب في البرلمان البريطاني؛ ولكن المسألة أكبر من ذلك بكثير، فالحكومة البريطانية- وإن كانت حتى الآن- لم تدل بأي قرارات تدل على تبنيها لمحاربة مكتب الاستثمار الكويتي على حد تصريح السفير غازي الريس لوكالة الأنباء الكويتية «كونا»، إلا أن هناك عدة إشارات تبين دور الحكومة البريطانية وسعيها المستقبلي- على الأقل- لتحجيم الاستثمارات الكويتية بدءًا بقرار وزير التجارة البريطاني القاضي بإحالة الاستثمارات الكويتية إلى لجنة منع الاحتكارات، إضافة إلى أن وكيل وزارة المالية البريطانية يعتزم طرح الموضوع للمناقشة في مجلس العموم، بهدف استصدار قرار يتم بموجبه رفع الحصانة عن المكتب... فالقضية إذن قضية رسمية، وإن كان الصوت الرسمي لم يصدر قراره بعد...

وهنا تنشأ عدة أسئلة تناقش قضايا الضمان الاستثماري والبدائل المستقبلية، فالاستثمارات الكويتية في لندن ليست بالأمر البسيط، وعلى أقل تقدير في شريك أصيل في المدخولات المالية للدولة يسهم بدرجة عالية في حفظ الأموال حتى لا تتعرض للتآكل الناتج عن التضخم.

تأمين الاستثمار:

من المؤكد تمامًا أن الاستثمار أيًا كان نوعه ومكان تواجده تصحبه نسبة من المخاطرة، وتبقى مسألة ضمان الناتج وتحقيق الأهداف نسبيًا خاضعة لإدارة الاستثمار والخطط الموضوعية المتبعة تجاهه، وفي هذا يعد مكتب الاستثمار الكويتي بلندن من أقدر المؤسسات الاستثمارية في العالم، فقد أثبت من خلال الاستثمارات التي حققها خبرة عالية في مجال التعامل في دنيا المال مما يؤهله بحق  لاستحقاق ما وصف به من قبل خبراء عالميين «أنه بماله من قدرة خارقة أثبت أن الكويتيين أسياد اللعبة المالية الدولية»، ومؤسسة بهذا المستوى لا بد أن تتحاشى بقدر الإمكان أسباب التورط، فالقضية الاستثمارية تتصل بأمر السيادة المالية وملكية القرار، وتأمين الاستراتيجية المحددة من قبل الدولة المضيفة للاستثمار، ففي امتلاك أسهم شركة البترول البريطانية «بريتش روليوم» نجد أن الاستثمار في مجال النفط مهما كان أكثر إغراءً، خاصة وأن الشركة البريطانية تعد أكبر الشركات البترولية في العالم، وكانت فيما مضى شريكًا مناصفًا للنفط الكويتي، وفوق هذا فهي ذات ثقل معتبر في تسويق البترول وتعتمد عليها بريطانيا على الأسواق النفطية... 

لقد أشادت كثير من الدوائر المالية العالمية بالمهارة الفائقة لمكتب الاستثمارات الكويتي في شراء ٢٢% من أسهم الشركة، إلا أن المخاطرة هذه المرة من نوع آخر، إنها تحدي الروح الاحتكارية للسوق البريطاني ومشاركة التفرد الذاتي في قراره؛ لذلك أنذرت وزارة المالية البريطانية المكتب، وطلبت منه عدم زيادة حصته في الشركة فوق ٢٠%، في الوقت الذي أدلى به مصدر مسؤول بالمكتب بأن الكويت لا تنوي الاستيلاء على الشركة البريطانية، ولا التأثير على سياستها النفطية؛ إلا أن الروح الاحتكارية البريطانية ما زالت تبدي مزيدًا من التخوف لدرجة أنها إذا استطاع المكتب رفع حصته إلى 29,9 فإن الأسهم ستطرح جميعها في البورصة... وهي دعوة بمثابة تصفية كلية للشركة... وأما مسألة فرض الضرائب بالشكل الذي يطالب به النائب «بيتر موريس» و«الصنداي تايمز» بحيث يتوجب على مكتب الاستثمار الكويتي دفع ۹۰۰ مليون دولار سنويًا لمصلحة الضرائب البريطانية؛ فإنها دعوة مباشرة لتصفية أعمال المكتب وتحوله عن بريطانيا نهائيًا... خاصة إذا علمنا أن هذه الإثارة انصبت أساسًا على المكتب دون غيره من المستثمرين الأجانب مثل سلطنة بروناي وهولندا، ومعظم ملوك العالم لهم استثمارات ضخمة في بريطانيا؛ إلا أنها لم تتعرض لدعوى التهرب من الضرائب، كما لم تطالب «الصندي تايمز» أو غيرها من صحف آل صهيون بتصفيتها.

 وفي هذا الشأن صرح نائب رئيس المكتب في لندن فؤاد جعفر: «إننا لا نخرق القانون، ونتمتع بنفس الاستثناءات التي يتمتع بها غيرنا من المستثمرين، وإذا كانت الحكومة البريطانية غير مرتاحة لقانونها فمن حقنا أيضًا إعادة النظر في الموقف، ويجب على بريطانيا أن تنظر للفوائد والمكاسب التي تحصل عليها قبل أن تنظر لما تخسره»، وبريطانيا التي طالما التزمت بتقاليدها، وحافظت على مبدأ الحرية الاقتصادية الذي أفرزته مدرستها التجارية، تجد نفسها منساقة الآن للتجاوز والقفز فوق مبادئها المحافظة لسن قوانين مجحفة تئد بها الحرية الاقتصادية، وكل هذا لأن مكتب الاستثمار الكويتي نجح في وضع يد مشاركة بعد منافسة شريفة وفقًا للقوانين البريطانية... فهل في ذلك ضير غير أن التاجر الإنجليزي العجوز لا يريد أن يفهم.. و يعتبر أن مكتب الاستثمار الكويتي وحده دون غيره من المستثمرين ينافسه على مسألة أمنه القومي، ويهدد مصالحه الوطنية!!

وفي إسبانيا:

يقدر حجم استثمارات مكتب الاستثمار الكويتي في إسبانيا بنحو ٢,٤ مليار دولار تكونت على مدى العامين السابقين، وقد وجد المكتب ترحيبًا واسعًا من الحكومة الإسبانية عندما بدأ يؤسس استثماراته بشراء الأسهم في الشركات والمؤسسات المالية المختلفة، فقد تمكن من شراء ٢٠% من أسهم ثلاث من أكبر المؤسسات الكيمائية، كما أنشأ المكتب شركة «كارتيرا سنترالي» الكويتية الإسبانية، والتي أسست من أجل الإشراف على أعمال الشركات التي يساهم فيها المكتب، وقد أسهمت في البنك المركزي الإسباني بما يعادل ۱۲٫٥% من رأسماله، وبذلك يكون المكتب أول مؤسسة مالية مشاركة للبنك المركزي «بانكو سنترالي»، وبهذا الوضع فإن المكتب يحتل وضعًا مميزًا في البنك المركزي الإسباني« بانكو سنترال» غير أن الأمر الإسباني على ما يبدو قد انقلب وتحول التشجيع الذي تمتع به المكتب وهو يؤسس استثماراته في شبه جزيرة أيبريا إلى تحلل عن الالتزامات القانونية حين وافقت حكومة فيليب غونزاليس على دمج «بانكو سنترالي» مع «بانكو إسبانيول دي كريديتو»، وبذلك يفقد مكتب الاستثمار الكويتي درجة ترتيبه في مجلس الإدارة الجديد، وعلى الرغم من أن عملية الاندماج تعد عملًا غير قانوني حسب قانون الشركات المساهمة الإسبانية، مما قد يلجأ فيه المكتب إلى القضاء الإسباني عن طريق شركة «كارتيرا»، وبالرغم من الهجوم الواسع الذي شنته بعض الصحف الإسبانية الوطنية كصحيفة «دياريو ١٦»؛ إلا أن الحكومة الإسبانية اتخذت موقف المبارك لخطوة الاندماج.. وهو موقف يوحي بمدى سيطرة روح الانغلاق الاقتصادي، ومحاربة ظاهرة الاستثمار طالما وجد المباركة، فإذا علمنا أن المسألة هنا تخص فقط مكتب الاستثمار الكويتي، أفلا يحق لنا أن نصنفها في إطار عنصرية الاستثمار؟

البديل:

الاستثمار كما له دواع، له أيضًا مرتكزات، ومن أهم تلك المرتكزات الأمن والضمان الاستثماري، والذي يتوفر معه تحقيق الأرباح والنتائج المرجوة، كما أن الاستثمار يحتاج إلى ما يدعم عملياته الاقتصادية من إمكانية في معدل النمو وقدرة في الطاقة الاستيعابية للاستثمار، ولعل الغرب مؤهل أكثر من غيره في كثير من تلك الأشراط، إلا أن الاعتماد عليه في بناء الاستثمارات خاصة ان معدل النمو الاقتصادي فيه في حالة شبه ثابتة لما وصل إليه من مرحلة الاستهلاك الكبير، قد يدفع لمثل تلك المواقف التي تزمع كل من بريطانيا وإسبانيا لتبنيها، مما قد يعرض الاستثمارات إلى وضعية لا يستطيع معها تحقيق أهدافه، وهذا ما يدعونا إلى إعادة توزيع الاستثمارات من جديد؛ لتشمل البلدان الإسلامية العربية، والدواعي لذلك أكثر من أن تحصى، لا سيما وأن الثقافة المشتركة، والصلات التاريخية، ووجود مؤسسات مالية تعمل على ضمان الاستثمار بين الدول العربية، يدعم تلك التوجهات، وربما يكون الاستثمار في الدول العربية والإسلامية تعتريه بعض المعوقات، إلا أنها تبقى أضأل من مشكلات المناورات القانونية التي تسن بعد إجراء الاتفاقيات؛ لتأتي على نتائجها بالبوار... وبما أن الاستثمارات من النوع طويل الأجل؛ فإن إزالة العوائق تزول بتمدد الاستثمارات وبما تقدمه من إضافة في مدخولات البلدان العربية والإسلامية، فمثلًا مشروع سكر كنانة في السودان على الرغم مما اكتنفه من صعوبات ومعوقات أقلها المشكلة المالية والإدارية، فقد حقق نجاحًا باهرًا، حيث يعد سعر الإنتاج فيه هو الأرخص على المستوى العالمي، فإن سعر الطن عالميا ٤٨٦ دولارًا، بينما سعر الطن في سكر كنانة لا يتجاوز ٢٧٦ دولارًا، وهناك مشاريع ناجحة في تونس والمغرب، وما زالت الإمكانية الاستيعابية أكبر بكثير مما وجدته... وبهذا نستطيع أن نضمن المساهمة في تطوير أسواقنا المحلية للاستثمار، وفي ذات الوقت توزع الاستثمارات في دائرة أكبر، ونحافظ بدرجة معقولة على ما أسس في الغرب من استثمارات، خاصة بعد أن تأكد لنا أنه كلما توسعت الاستثمارات في دولة كلما فكرت تلك الدولة في خلق المتاعب لاستثماراتنا، وبذلك: ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ (يوسف:65)، صدق الله العظيم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 3

197

الثلاثاء 31-مارس-1970

نشر في العدد 17

118

الثلاثاء 07-يوليو-1970

نشر في العدد 18

61

الثلاثاء 14-يوليو-1970