; حزب الله والحريري خلاف بين منطق المقاومة ومنطق الاستثمار | مجلة المجتمع

العنوان حزب الله والحريري خلاف بين منطق المقاومة ومنطق الاستثمار

الكاتب هشام عليوان

تاريخ النشر السبت 10-مارس-2001

مشاهدات 19

نشر في العدد 1441

نشر في الصفحة 23

السبت 10-مارس-2001

لأول مرة منذ عودة رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة الخريف الماضي، يظهر الخلاف علناً بينه وبين حزب الله، علماً بأن العلاقة بين الطرفين لم تكن يوماً في حالة مستقرة أو مبنية على قواعد راسخة وهو حصيلة اختلاف موضوعي في مقاربة الأمور ابتداء من النهوض الاقتصادي وكيفية تحقيق ذلك والمقاومة المسلحة وحدودها أمام سيادة الدولة وصلاحيات الحكومة. 

لكن القشة التي كادت تقصم ظهر البعير، هي العملية الأخيرة لحزب الله في مزارع شبعا في ١٦ فبراير الماضي ضد دورية صهيونية، في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة يقوم بزيارة مهمة إلى فرنسا للحصول على الدعم الدولي اللازم للتخفيف من عبء الديون الثقيلة التي ينوء تحتها الاقتصاد، ولتشجيع القطاع الخاص الفرنسي على الاستثمار في لبنان. ومما يدل على خطورة العملية على المسار الاقتصادي الذي يرسمه الحريري، أنه عاد إلى لقاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك فيما كان بهمّ بمغادرة باريس حتى يطلب منه إجراء الاتصالات اللازمة مع الأطراف الدولية الفاعلة للجم أي رد صهيوني متوقع على العملية. 

وما أشعل الفتيل أكثر أن أمين عام حزب الله حسن نصر الله هاجم بشدة السفير الأمريكي ديفيد ساترفيلد الذي نقل إلى الحريري قلق بلاده من العملية العسكرية، معتبراً إياها استفزازاً متسائلاً عن كيفية التوفيق بين متطلبات جذب المستثمرين ومقتضيات إبقاء الجنوب جبهة مفتوحة. عند ذلك سارع الحريري إلى إصدار بيان ينتقد فيه حزب الله، مذكراً أن تحرير الجنوب ليس حكراً على فئة محددة، بل إن صمود لبنان ككل هو الذي أدى إلى الانتصار المشهود وأن الحكومة لا تقوم بإجراء صفقات معينة على حساب المقاومة وهو ما أفضى لاحقاً إلى لقاء خاص بين الحريري ومسؤول من الحزب خلص إلى سحب البيان من التداول الإعلامي، ثم تبعه بعد يومين لقاء آخر بين الحريري ونصر الله لتوفيق بين مسارين متناقضين بالمنهج والأسلوب والتوقيت والقراءة السياسية عموماً. 

وكانت قد جرت محادثات دورية بين حزب الله ورئيس الحكومة حول السياسات العامة وجهود الحريري لاستكمال عملية الإعمار وذلك منذ تشكيل الحكومة الحالية، لاسيما أن عملية البناء تقتضي إصلاح الإدارة والتخفيف من عبء الموظفين الفائضين. وجزء كبير منهم من الشيعة المحسوبين على رئيس المجلس النيابي نبيه بري وسجلت في هذا الإطار خلافات عدة حول مشاريع تأهيل البنى التحتية في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث الثقل السكاني لحزب الله، ولم يتوصل الطرفان إلى حلول نهائية. 

والأهم أن حزب الله ينوي الاستمرار بالمقاومة المسلحة في مزارع شبعا بالطريقة نفسها والتبرير ذاته، رغم تبدل المشهد وانحسار التأييد المحلي والعربي الرسمي لنهج المقاومة. فعلى ماذا يراهن حزب الله؟ هل يراهن على عدم قدرة الكيان الصهيوني على الرد الشامل لأسباب سياسية وميدانية، أو على عدم رغبته بالقيام برد عنيف لأسباب نفسية تحوم حول عقدة لبنان؟ حزب الله لم يعد يخفي توجهاته البعيدة من وراء الاستمرار في عملياته العسكرية في مزارع شبعا والتي تتخطى بالضرورة تحرير تلك المزارع من الاحتلال، وليس أقل تلك التوجهات شأناً إمداد الانتفاضة الفلسطينية معنوياً على الأقل حتى تستمر في زخمها والمشاركة في الدعم العسكري واللوجستي كلما توافرت الظروف. لقد تغير المشهد جذرياً بعد انسحاب الاحتلال من الجنوب ليل ٢٥ مايو المنصرم وتبدلت المعطيات، فمقاومة الاحتلال آنذاك كانت تكتسي طابعاً وطنياً تحريرياً عالي المستوى، وهو ما أفضى إلى احتشاد التأييد اللبناني والعربي الرسمي حول المقاومة.

بعبارة أخرى، تحتاج المقاومة إلى عناد قانوني وسياسي وإعلامي أكبر بكثير لتوجيه ضربة صغيرة إلى الاحتلال في مزارع شبعا، وعقب كل عملية يثور النقاش ذاته في الأوساط السياسية والدبلوماسية وتشحذ الأذهان والأفكار في محاولة التبرير أو التفسير. وهذا على افتراض أن تل أبيب لن ترد بالعزم الذي تحدثت عنه لدى اتخاذ قرار الانسحاب من طرف واحد، أما إذا ردت فمهما تكن العواقب جسيمة، فإن صوت المعارضة سيشتد، وقد يتحول السجال إلى نزاع سياسي ليس هذا وقته.

فهل يسعى حزب الله مثلاً إلى استدراج تل أبيب مرة أخرى إلى حرب شاملة على غرار ما حدث في عامي ١٩٩٣ و١٩٩٦ للوصول مجدداً إلى معادلة جديدة وتفاهم ميداني جديد على نمط تفاهمي يوليو وأبريل؟

من الناحية الميدانية لا شيء يمنع تفجر الأوضاع على هذا النحو فشارون قابل للاستدراج بسهولة إلى المستنقع اللبناني بذريعة أو دون ذريعة، فكيف إذا كان الحافز قائماً؟

الخطورة في المجال السياسي أكبر منها في المجال العسكري، فحزب الله لن يستطيع تحمل مسؤولية تفجير الوضع لا سيما مع تردي الاقتصاد اللبناني الذي يتطلب معالجات مغايرة لما يحدث في الجنوب، بل إن لبنان ككل غير قادر حالياً على تحمل تبعات عملية جديدة، وهذا كاف وحده حتى يضع ضوابط أمام أي عمل عسكري مقاوم.

من هنا؛ فإن التعايش المفروض بين رئيسي الجمهورية والحكومة في محاولة لإنقاذ البلاد من أزمة اقتصادية خانقة ينسحب مثله على العلاقة بين حزب الله والحكومة وإن في إطار مغاير، وكما أن العلاقة بين لحود والحريري قابلة للاهتزاز في أي لحظة فكذلك حال العلاقة الملتبسة بين المقاومة والدولة، وليس الخلاف ذا طابع محلي فحسب، فمن المعروف أن بقاء الجنوب جبهة عسكرية مفتوحة وعدم إرسال الجيش إلى الجنوب له علاقة وطيدة بتلازم المسارين بين لبنان وسورية. هذا التلازم الذي يفرض أن يضبط لبنان إيقاعه الدبلوماسي والسياسي والأمني والاقتصادي على إيقاع دمشق، ومن دون هذا الجانب الحيوي لا يمكن تفسير شيء.

 

الرابط المختصر :