العنوان حقيقة الشرق الأوسط
الكاتب الدكتور توفيق الشاوي
تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1994
مشاهدات 9
نشر في العدد 1083
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 11-يناير-1994
كثر الحديث في هذه الأيام عن «الشرق الأوسط» وكثرت المشروعات التي تحمل هذا الاسم حتى أصبح كثيرون يتساءلون عن حقيقة هذا الاصطلاح– وما هو المقصود منه.
لا شك أن هناك جهات متعددة تحاول إظهار هذه المشروعات على غير حقيقتها –ويتحايلون لإخفاء حقيقتها– ولذلك لابد أن نبدأ بذكر الحقيقة الثابتة في نظرنا– ونقدم الأدلة التي تساعد القراء على معرفتها وتمكنهم من تفادي الوقوع في شراك الصور الزائفة التي تقدمها بعض وسائل الإعلام والصحافة العالمية التي تسيطر عليها قوى تطمع في السيطرة على هذه المنطقة واستغلال ثرواتها واستعمار شعوبها. بل وإبادة بعضها عند الاقتضاء كما هو حادث لشعب فلسطين العربي.
قبل الحرب العالمية الثانية لم تكن عبارة «الشرق الأوسط» لها المعنى الذي تحمله الآن- بل كان الحديث في الصحف عن العالم العربي أو العالم الإسلامي باعتبارهما يضمان مجموعة متجانسة ومتعاونة من الشعوب العربية والإسلامية.
وقبل نهاية الحرب العالمية الثانية أنشأت الدول العربية منظمة إقليمية تضم الدول العربية المستقلة ومن بينها فلسطين. وما زالت فلسطين حتى الآن عضوًا بجامعة الدول العربية، بل ودخلت بهذه الصفة عضوًا بمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم الدول العربية والإسلامية كلها.
ومنذ انتهت الحرب العالمية الثانية بدأت في كل قطر عربي حركة وطنية تسعي لاستقلال بلادها كي تصبح عضوًا في جامعة الدول العربية – باعتبارها دولة عربية مستقلة وفعلًا أصبحت الجامعة تضم الآن اثنين وعشرين دولة بعد أن كان مؤسسوها ستة دول عربية مستقلة فقط من بينها دولة فلسطين، وكانت مصر في ذلك الوقت دولة مستقلة وكانت هي التي دعت الدول العربية المستقلة لتشاركها في تأسيس منظمة إقليمية دولية تحمل اسم جامعة الدول العربية – لكن بريطانيا خرجت منتصرة بعد الحرب كانت لها قواعد عسكرية في مصر، وكان هدف الكفاح الوطني في مصر هو تحريرها من القواعد العسكرية البريطانية والنفوذ الأجنبي بصفة عامة – ولما كان هذا الهدف الوطني قد حاز إجماع الرأي العام المصري، فقد حاولت السياسة الاستعمارية البريطانية التحايل عليه بأن قدمت مشروعًا لتشترك مصر معهم فيما سمته الدفاع عن الشرق الأوسط وأعتبره المصريون وسيلة ملتوية لتبرير بقاء الجيوش الأجنبية والنفوذ العسكري والسياسي البريطاني في مصر – ولذلك عارضوه بشدة وإجماع لا نظير له وخرجت مظاهرات شعبية وطلابية حاشدة تهتف ضده وأدى ذلك إلى رفضه نهائيًا.
منذ ذلك التاريخ أصبح شعار «الشرق الأوسط» في نظر جيلنا الناشئ وسيلة استعمارية هدفها مقاومة تيار التحرر الوطني في مصر وغيرها من أقطار المنطقة العربية بل والإسلامية – «لأن مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط» كان يضم مصر والأقطار العربية المستقلة في ذلك الوقت، والأقطار الإسلامية المجاورة لها مثل تركيا وإيران وباكستان. ولأنه كان يربطها جميعًا مع بريطانيا وأمريكا في تكتل سياسي وعسكري بحجة الدفاع عن «الشرق الأوسط».
لم تكن إسرائيل قد وجدت في ذلك الوقت لكن الدول الكبرى أجمعت على إنشائها والاعتراف بها في عام ١٩٤٨م – وما زالت تعتبر وجودها وبقاءها هدفًا ثابتًا لها جميعًا على أنه في فترة الحرب الباردة عندما كان الإتحاد السوفيتي يتزعم كتلة شيوعية تعارضه جميع خطط أمريكا وكتلتها الغربية فإن الكتلتان اتفقتا منذ أول يوم أنشئت فيه إسرائيل على حمايتها وتدعيمها وتشجيعها لأن ذلك في نظرهم يسهل لهم اختراق العالم العربي والإسلامي. من أجل السيطرة عليه مجتمعين أو متفرقين.
ومنذ أن وجدت إسرائيل وهي تروج لفكرة الشرق الأوسط لأن ذلك في نظرها يمكنها أن تصبح عضوًا في المنطقة رغم أنها ليست دولة عربية ولا إسلامية - وأهم من ذلك أنها تسعى لمحو اسم فلسطين كدولة مستقلة في إقليم الشرق الأوسط.
والدول الكبرى التي تؤيد إسرائيل في إيجاد كيان يحمل اسم الشرق الأوسط في منطقتنا إنما يريدون بذلك اتخاذ إسرائيل وسيلة لتحقيق أهدافهم في السيطرة على المنطقة بواسطة إنشاء كيان جديد يحمل اسم «الشرق الأوسط» يأملون أن يحل محل الجامعة العربية، بل ومنظمة المؤتمر الإسلامي إذا استطاعوا القضاء على هاتين المنظمتين- هذا هو الهدف الحقيقي لما يسمى الآن بالشرق الأوسط.
إنهم لا يريدون بقاء الجامعة العربية ولا منظمة المؤتمر الإسلامي لسببين:
الأول: أن فلسطين عضو بكل منهما بصفتها دولة مستقلة– وهم يريدون إزالة هذا الكيان من خريطة الشرق الأوسط ومحو اسمه من التاريخ.
الثاني: أنه لا يمكن أن يكون عضوًا في هاتين المنظمتين دولة غير عربية وغير إسلامية وهم يريدون أن يكون لهم نفوذ داخل منطقة الشرق الأوسط بواسطة إدخال إسرائيل فيه- فهم أوجدوها ودعموها لتكون منفذة لخططهم وحامية لمصالحهم في هذه المنطقة هذه هي حقيقة الشرق الأوسط الذي يريدونه.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل