العنوان حقيقة الصيام في الإسلام
الكاتب محمد مصطفي ناصيف
تاريخ النشر السبت 14-أغسطس-2010
مشاهدات 42
نشر في العدد 1915
نشر في الصفحة 20
السبت 14-أغسطس-2010
- جعله الله سبحانه إيقاظًا للأرواح وتصحيحًا للأجساد وتقوية للإرادة وتعويدًا على الصبر وتربية لمشاعر الرحمة
- فلنجعل من رمضان موسمًا لطاعة الله ومضاعفة الخيرات والإكثار من الحسنات والعطف على الضعفاء والمحرومين
بعدما فتح الله أمام العقل البشري كتاب الكون، وقلب له صفحاته، وأطلعه على صوره، وأهاب به أن يفك عن نفسه أغلال الجمود والتقليد والأوهام والخرافات، دفعه إلى النظر فيه ليتعرف إلى أسراره، ويقف على آياته وباهر صنعته في خلقه، ثم منحه به حرية واسعة يفكر بها في شأنه، ويقدر ما يحتاج إليه في حياته وينعم به نفسه ومجتمعه.
فاختار لهذا الصيام الذي شرعه شهرًا مباركًا، ووضع له في نفوس المؤمنين مكانة كريمة؛ فجعل شهره: شهر الصيام والقرآن يشفعان له يوم القيامة، وجعله سبحانه إيقاظًا للأرواح، وتصحيحًا للأجساد، وتقوية للإرادة، وتعويدًا على الصبر، وتربية المشاعر الرحمة وتدريبًا على كمال التسليم لله رب العالمين.
فالصيام: تحرير للإنسان من رق غرائزه وشهواته، وتقوية لإرادته؛ فيجوع.. وأمامه الطعام الشهي، ويعطش.. وبجانبه الماء البارد العذب، ويعف.. وبجواره زوجته فيحجم عن جميعها دونما رقيب عليه .. إلا ربه .
في الصيام: يعرف الإنسان قدر نعم الله عليه.. بمرارة الجوع وحرارة العطش.
في الصيام: تذكير للغني.. بجوع الفقراء، وبؤس البائسين فيرق لهم ويعطف عليهم.
في الصيام: يكون تمام التسليم لله، وكمال العبودية لرب العالمين، ولهذا جاء في الحديث القدسي:«كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي»(رواه مسلم).
والصيام: تقوية للبدن، وراحة للمعدة، وشفاء للجسم من الأمراض، وتخليصه من السموم والفضلات الضارة، بل جعله ميقاتًا للتصفية الروحية، التي تلتقي في غايتها مع الهداية العامة التي فتح القرآن الكريم أبوابها للناس.. ليتخذها المسلم وسيلة للتقرب إلى الله، وعنوانًا على التعلق به وتعبيرًا صادقًا عن الخضوع إليه، ومادة تغذي الإيمان وأثرًا يرشد إليه. فأظلهم بشهر رمضان، ووحد بينهم في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف ألسنتهم وألوانهم شعورًا وسرورًا وفي ليلهم ونهارهم، وزمن طعامهم وشرابهم، يتساوى في ذلك فقراؤهم وأغنياؤهم، وحكامهم ومحكوموهم، ورجالهم ونساؤهم... كل في ذلك سواء.
ذلك هو الصوم في الإسلام.. حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية، لتسعد ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، فيكسر الجوع والعطش من حدتها وثورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من الفقراء والمساكين.. لم يشرعه الله سبحانه تعذيبًا للبشر ولا انتقامًا منهم.. بل لإيقاظ أرواحهم، وتصحيح أجسادهم وتقوية إرادتهم، وتربية مشاعر الرحمة فيهم.
فلنجعل من رمضان موسمًا لطاعة الله، ومضاعفة الخيرات، والإكثار من الحسنات والمبرات والعطف على الضعفاء والمحرومين، فهو للقلب والروح.. وليس للبطن والمعدة، وللحلم والصبر والتروي.. وليس للطيش والغضب والانفعال، وللسكينة والوقار..بعيدًا عن الغيبة والشجار، وتهذيب لنفس الغني والرفق بالبائس والمحتاج.. وليس عرضًا لفنون الموائد والأطعمة.
فاستعينوا بصومكم على تقوي الله تعالى.. فقد جعله سبحانه عونًا على التقوى.. فالله يحب المتقين والصائمين.
(*) عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية