العنوان حكاية رجل عادي يتهشم في الطريق العام
الكاتب جمال النهري
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1970
مشاهدات 19
نشر في العدد 38
نشر في الصفحة 8
الثلاثاء 08-ديسمبر-1970
حكاية رجل عادي يتهشم في الطريق العام
في لحظات حولت سيارة كيريكيان أب العائلة ذات الخمسة أبناء إلى إنسان عاجز، فقد ٦٥٪ من قواه الجسمانية علاوة على خلل بقواه العقلية مع ضعف في الذاكرة.
§ في أقل من ثوان تكوم الرجل بجوار الطوار.
وعلى الأسفلت الأسود رسم الدم وردة حمراء مبعثرة.
وبين الحديد والإنسان جرى حوار مروع تداخلت فيه التروس واللحم والعظام البشرية.
وتجمع الناس وتوغلت النظرات في كومة اللحم.
وصرخت سيارة الإسعاف حملت الرجل
انفض الناس، ذهب كل لبيته وأبنائه.
وفي المستشفى، فحصه الأطباء، وحين كتبوا التقرير قالوا:
«كسر بقاع الجمجمة، وارتجاج بالمخ» !!
«كسر بعظمة العضد اليمنى»
«ضلع بمفصل الكتف اليمنى»
«كسر بعظمة الزند الأيمن»
«كسر بالأسنان القاطعة اليمنى من الفك العلوي «٣ أسنان».
§ وانتهى الأطباء الدكتور محمود البوز، والدكتور مدحت عبد القادر والدكتور محمد رفعت حسنين إلى أن الشاب حسن عبد الرحيم حمادة فقد ٦٥٪ من قواه الجسمانية، علاوة على خلل بقواه العقلية مع ضعف في الذاكرة.
§ وبإيجاز شديد فإن سيارة ب.ل. کیریكیان حولت «حسن» أب العائلة الكبيرة ذات الخمسة أبناء في لحظات إلى إنسان عاجز لا يستطيع أن يكسب لنفسه ولا لعائلته وقمت بتتبع الحادث.
فاكتشفت أن محكمة المرور المنعقدة بجلسة ٢٠ -١٢ -١9٦٦ قد قضت بتغريم المدعى عليه مبلغ مائة دينار مع حفظ الحق المدني للمدعي.
§ وإلى هنا والأمور تسير سيرًا طبيعيًا حيث ينبغي للمدعي أن يرفع دعواه للحصول على التعويض الكامل عما أصابه.
ولكن -وهنا ينبغي أن نركز الأضواء سارع المدعى عليه مع الشركة المؤمنة «شركة الاتحاد الوطني للاتصال بالمدعي» وهو كما يقول التقرير الطبي في حالة بينة من العجز الجسماني والخلل العقلي وضعف الذاكرة «علاوة على حالة العوز الشديد نتيجة للتبطل عن العمل»
وعرضوا عليه التنازل عن الدعوى مقابل مبلغ «۷۸۰ دينارًا» کتعويض شامل عما لحق به من كافة الأضرار التي لحقت به جسمانية وعطل وضرر وعجز.
· ولما قام المدعي برفع دعواه.
قدمت الشركة ما يفيد أن المدعي قد قام بقبض المبلغ المذكور بموجب شيك بتوقيع منسوب إليه يفيد استلامه للشيك وكذلك بإقرار منسوب إليه يفيد تنازله عن جميع حقوقه.
· وهنا تقدم المدعي بمذكرة يوضح فيها أنه لم يكن يملك من أمر نفسه شيئًا.
وأنه لا يستطيع أن يؤكد أو يتحقق من صحة التوقيع المنسوب إليه.
· والتزمت المحكمة بالقانون فحكمت به
فالورقة العرفية تعتبر صادرة ممن وقعها ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من توقيع.
والمدعي لم يفكر للتوقيع صراحة والعبرة في تحري أهلية المتصرف هي بحالته في الوقت الذي صدر فيه التصرف وأنه يتعين على المحكمة أن تستدل على قيام حالة الخلل بقواه العقلية وقت التصرف بأدلة سائغة وأن يكون من شأن ذلك انعدام إرادة التصرف وقتذاك.
ولم يستطع المدعي أن يثبت قيام هذه الحالة وقت التصرف!! والمسألة المطروحة الآن.
ليست بطبيعة الحال حكم المحكمة.
وإنما الذي نعرضه للمناقشة.
هي أحكام القانون نفسه فهذا الرجل -وأمثاله كثيرون - يحتاج للحماية.
تصرفاته نفسها في حاجة إلى المزيد من الرعاية.
· لماذا نعتد بتصرفات إنسان أصيب إثر مثل هذا الحادث بخلل في القوى العقلية والذاكرة، خاصة فيما يتصل بآثار هذا الحادث بالذات
· ولماذا لا يتم التصالح -إن تم -أمام إحدى الجهات القضائية.
· وبالذات لماذا لا يتم قبض المبالغ المستحقة كتعويض أمام إحدى هذه الجهات.
· ألا ينبغي أن يعود القانون بالحماية على الطرف الأضعف وهو هنا المجني عليه شركة التأمين.
· ثم.
· هل تتصورون حالة عامل عادي بلا معاش، بلا رصيد في البنك، يصاب بعجز جسماني يقعده عن العمل، وبعجز في العقل يصل إلى الخلل وفقد الذاكرة وله على الأقل خمسة أولاد عدا الزوجة، مطالب بإطعامهم وإسكانهم !!
· مثل هذا العامل، ألا يعتبر الحصول على توقيع منه استغلالًا لحالة من حالات الهوى الجامع تحت ضغط مطالبه الضرورية.
تجعله يقبل من التعويض العاجل ما قد يضر بمصالحه الآجلة التي قد تفوق في مقدارها بكثير المبلغ المتصالح عليه کتعويض؟؟ كنا في غرفة التحرير نتناول مأساة هذا الرجل.
حكاية رجل عادي يتهشم فجأة في الطريق العام.
رجل «غير مثقف» فهو أعزل! أفقر من أن يكون له أصدقاء محامون!
ليس له «عائلة» تأخذ بيده؟ ولكنه «مسلم».
وهو من حيث هذه الصفة التي يمتلكها، يجعلنا جميعًا وكلاء له في قضية حياته في مواجهة «المجتمع» الذي نحن منه، ونتحدث باسمه، وندعي حماية حقوقه، يجعلنا جميعًا «مدعى علينا» في قضيته.
فإلى وزارة العدل
وأعضاء مجلس الأمة
ورجال الشريعة الإسلامية والرأي العام، نطرح هذه القضية.
جمال النهري
«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»
حديث شريف
· رأي لرجل قانون
· الشريعة الإسلامية والفقه الروماني.
· لجان المساعدة القانونية.
وفي دار الصحيفة التقينا مع الأستاذ إبراهيم مكارم وكيل النائب العام -بالقاهرة -«ماجستير في القانون» وعرضنا عليه هذه المشكلة فقال:
إنه في خصوصية واقعة الدعوى المعروضة يبين أن المواطن قد فوت مواعيد طرق الطعن العادية ألا وهي الاستئناف ولا سبيل أمامه إلا التماس إعادة النظر.
· ومن حيث الواقعة التي أثارها وهي الحصول على إمضائه على سند مخالصة فهي واقعة مجرمة تختص بها سلطة التحقيق.
· إلا أن تجريد واقعة الدعوى من خصوصيتها وإضفاء صفة العمومية عليها يثير المسائل الآتية:
حيث يصادر الحق وهو الموضوع لأمر يتصل بالشكل أو الإجراء وهي نتيجة تبدو متنافية ومنافية لقواعد العدالة كمفهوم قائم على المناسبة
· وهذه المصادرة تتم في ظل قاعدة سقوط الحقوق بالتقادم الزمني التي تجد ملتمسًا لها فيما يقال من ضرورة استقرار المعاملات، وهي -أي هذه القاعدة -تصدر من «فقه روماني» وتجد مرتعًا لها في تشريعات تأثرت بهذا الفقه ومنها التي تسود بلادنا بصفة عامة.
وهذه من المسائل التي يبدو فيها مدى «إنسانية» التشريع الإسلامي حيث لا نجد مستقرًا لهذه القاعدة، ففي خصوصية الواقعة المعروضة كان هناك ثمة سبل أمام المجني عليه يستطيع أن يلجأ إليها متوسلًا بها إلى إعادة عرض موضوعه على القضاء لولا قاعدة التقادم.
ومن الممكن إجراء المواءمة اللازمة بين الحق الذي قد يندمج فيه شخص صاحبه بحيث يؤدي ضياعه إلى إهدار الكيان الإنساني لصاحبه وضرورات التعامل التي اقتضت وجود قيود زمنية على التقاضي وتمنح سلطة إجراء هذه المواءمة للقاضي بما يتطلب منح القاضي سلطة أوسع في الفصل في المنازعات.
وإن مطالعة تاريخ الفقه والقضاء الإسلاميين تكشف عن مدى ما كان يتمتع به القضاة من سلطان في الفصل في الأقضية.
والأمر الأخير إنه إذا كانت القاعدة إنه «يفترض في الكافة العلم بالقانون» أو «يغدر أحد بالجهل بالقانون» فإن من الواضح أنها قاعدة تقوم على الافتراض وقد ثبت في العمل مجافاتها للواقع، ومن ثم فإنه يكون متفقًا مع سياسة التشريع أن توجد «لجان مساعدة قانونية» تقدم المشورة القانونية لمن تقعد به ظروفه العضوية أو المادية عن التماسها بنفسه، وهذه اللجان غير «لجان المعونة القضائية» المنصوص عليها في المادة ٢٦ من قانون المحاماة الكويتي.
فهي تكون في مرحلة أسبق من مرحلة رفع الدعوى ويكفي فيها تقديم شكوی.
أما لجان المساعدة المقترحة فيكون المرجع في إنشائها «لوزير العدل» بالنظر إلى الصيغة القانونية غير القضائية التي تكون لها.
ومثل هذا الحل يساعد على درء باب الادعاء صحيحًا كان أم لم يكن.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل