; حلاوة الإيمان (عدد 297) | مجلة المجتمع

العنوان حلاوة الإيمان (عدد 297)

الكاتب د. سعد المرصفي

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1976

مشاهدات 14

نشر في العدد 297

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 27-أبريل-1976

عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا» رواه مسلم وغيره.

نعم ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا.

ونعم: وجد حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن أحب المرء لا يحبه إلا الله ومن كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار كما في رواية البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار».

قال ابن أبي جمره إنما عبر بالحلاوة لأن الله شبه الإيمان بالشجرة ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ (إبراهيم: 24) فالكلمة الطيبة هي كلمة الإخلاص والشجرة أصل الإيمان وأغصانها اتباع الأمر واجتناب النهي وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير وثمرها عمل الطاعات وحلاوة الثمر جني الثمر وغاية كماله تناهي نضج الثمرة وبه تظهر حلاوتها وإذا تأمل الإنسان أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل، وأن العقل يقتضي رجحان جانب ذلك وأن الحلاوة من ثمرات الإيمان الحق تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعًا له وأدرك سر قول النبي- صلى الله عليه وسلم: «وجد حلاوة الإيمان» بهذا النص إذ الحلاوة هي أظهر اللذائذ المحسوسة.

وهذه الأمور الثلاثة التي جعلها عنوانًا لكمال الإيمان والتي ينطلق منها إحساس المسلم بحلاوة الإيمان تدفع المسلم دفعًا إلى أن يدرك أنه لا مانح ولا مانع في الحقيقة سوى الله فيتوجه نحوه ويقصد وجهه ويطلب قربه ويحبه ورسوله حبًا لا يعادله حب ولا يقاربه وأن يكون هذا الحب بهذه الصورة منطلقًا إلى أن يحب من يحب الله، وفي ذلك حلاوة الإيمان يجدها بمقدار صدق نفسه و إخلاص نیته وصفاء طويته؛ فالنفس لا تأنس إلا لنور يجلي عنها ظلمات الأشياء الأرضية الكثيفة لتشرف على حضرة القدس المنيفة، وهي دائمًا أجلّ من أن تقنع بالمشتبهات الجسمانية وأكبر من أن ترضى بالملاذ المادية ولا تفتأ تذكّر الإنسان بأن الحياة بلا حلاوة الإيمان شقاء وأن المادة كلها بالنسبة لها هباء وأن الكون كله بجانبها فناء، لأنها ليست من طبيعة تلك الأجسام الصحاء ولا من طينة تلك المادة العمياء فالعين لا تقر والنفس لا تهدأ والروح لا تسعد والقلب لا يطمئن إلا بهذه المعالم الثلاثة التي بها تكون حلاوة الإيمان ولسنا في مجال الحديث عن هذه المعالم التي هي الأساس لحلاوة الإيمان. 

فلذلك حديث آخر، والرسول- صلى الله عليه وسلم- أسوتنا في كل ما يوصلنا إلى حلاوة الإيمان يناجي ربه بهذا الحديث الذي يرويه مسلم و أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من فراشي فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ويقول: فيما يرويه ابن حبان وغيره من حديث عمار بن ياسر: «اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيمًا لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك وأسألك الشوق إلي لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» فجمع- صلى الله عليه وسلم- بين أطيب شيء في الدنيا وهو الشوق إلى لقاء ربه وأطيب شيء في الآخرة وهو النظر إلى وجهه وجمع في الحديث بين معالم أطيب ما في الدنيا وما في الآخرة والله عز وجل أمرنا أن نتأسی به فقال: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 21) الإيمان هو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس و قبولها واستسلامها، وآيته العمل بذلك وثمرته هي أن يجد حلاوة الطاعة والامتثال لأن طيب النفس وطمأنينتها وابتهاجها وسرور القلب وفرحه وانشراحه هو النعيم على الحقيقة ولا نسبة لنعيم البدن إليه بحال لا من قريب ولا من بعيد، ولذا قال بعض من ذاق حلاوة الإيمان: «لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف» وقال آخر: «إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا انهم لفي عيش طيب» وقال ثالث: «إنه في الدنيا جنة هي في الدنيا كالجنة في الآخرة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة».

ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد حدد لنا معالم الطريق إلى أن نجد هذه الحلاوة ونحس هذه اللذة في هذا الحديث الذي معنا وفي تلك الصورة التي لا تعرف إلا اليقين عند كل حاسة من حواسها يعرفها العقل ويدركها القلب ويشعر بها الوجدان ويشهد لها الوجود وفي هذا الحديث الشريف يوضح لنا الحبيب- صلى الله عليه وسلم- أن الإيمان الحق حين تطمئن إليه النفس يجعلنا نذوق طعمه وندرك حلاوته.

الرابط المختصر :