; حوار حول الصلاة | مجلة المجتمع

العنوان حوار حول الصلاة

الكاتب عبدالمؤمن محمد نعمان

تاريخ النشر الثلاثاء 26-يونيو-1979

مشاهدات 22

نشر في العدد 451

نشر في الصفحة 37

الثلاثاء 26-يونيو-1979

سألني صديق قائلًا: كيف كانت الصلاة تؤثر في الرعيل الأول من المسلمين، وتهذب سلوكهم، وتغذي إيمانهم؛ بينما لم تؤد مفعولها في أغلبية المصلين من المسلمين اليوم؟

قلت: كان المسلمون في صدر الإسلام يعتبرون الصلاة عصب حياتهم، ويقبلون عليها أشد من إقبالهم على الطعام وعلى زلال الماء..‏ فالصلاة عندهم من مكملات حياتهم، وحاجتهم لها كحاجتهم إلى ‎الماء‏ والهواء.

قال لي الصديق: إذن كانت الصلاة عندهم مهمة للغاية، وكانوا وهم يصلون يربطون الغيب بالمشاهد والأرض بالسماء. قلت: نعم: كانوا وهم يستعدون للصلاة يتهيؤون لعملية غزو الفضاء بأرواحهم ومشاعرهم ومداركهم، ويستمدون النور الإلهي من عالم النور، فنجد المصلين منهم يرتفعون وقت الصلاة عن جاذبية الحياة إلى مصاف الملائكة الأطهار، فيعيشون وقت الصلاة في لذة المناجاة وسعادة الوصول إلى عالم القدس، ولو كشف الحجاب لشخص ناظر إلى المصلين منهم لشاهد الأنوار متصلة بين الأرض والسماء.

إن الصلاة عندهم عملية لها طابع خاص. إنها موعد الزيارة للحبيب، لقد فهموا المدلول العميق لعبارة «المصلي يناجي ربه»، ولمسوا، بل وتذوقوا، طعم الحديث القدسي الشريف: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين»،‏ تذوقوا وتغلل في دمائهم معنى الآية الشريفة: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب (العلق: 19) فهموا بتعمق قوله صلى الله عليه وسلم: «وأرحنا بها يا بلال».

إنهم كانوا يفرون للصلاة تخلصًا من هموم الحياة، ويقبلون على المساجد وعلى محاريبهم الخاصة إقبالًا أشد من إقبال الظمأ على المياه الباردة.. كانوا يصلون فيستمطرن الرحمات، ويخرجون من الصلاة متبللين بالغيث النوراني. وهكذا تستمر معهم الحياة صافية عذبة إلى أن يلاقوا الله.

قال لي الصديق: إذن لا غرابة أن يكون مجتمعهم فاضلًا وعصرهم احتوى على المعجزات التي نتفيأ ظلالها حتى اليوم. قلت: نعم، لا غرابة أن يكون ذلك؛ بل الغرابة لو لم يكن الأمر كذلك، فأمة متعلقة بخالقها ومعبودها هذا التعلق لا يمكن أن تضام أو أن تتضعضع. إنها جاءت لتؤدي مهمتها في هذه الحياة بإتقان بارع وصدق وإخلاص، فكانت الأمة الإسلامية أمة ذات وزن وثقل خاص لم تصل إليه أمة من الأمم على مدى التاريخ. إن تعلقهم بالله وارتباطهم به كان السبب الأول في عزة المسلمين.‏

قال لي الصديق: هل كان المد الإسلامي والانتصارات الساحقة في الشرق والغرب والإطاحة بفارس والروم كلها بسبب إقامة المسلمين للصلاة؟ قلت: نعم، وإن كان الأمر يحتاج إلى توضيح. المسلمون أيام عزتهم ورفعتهم حققوا المعجزات ووصلوا إلى مواصل بجيوشهم وفتوحاتهم في حين أنهم ما كانوا يملكون الدبابة ولا عابرات القارات؛ ولكنهم كانوا يملكون سلاح السلاح هو الإيمان، وهو الطاعة لله، وهو الحب، وهو اللقاء المستمر بخالق السماوات. ولذا فالصلاة التي كانوا يقيمونها ويحافظون عليها، ويتمتعون بلذة المناجاة أثناءها، كانت الرافعة التي رفعتهم والقوة الإيمانية التي دفقت في عروقهم شحنات متتالية، فأصبح الرجل منهم كعشرة رجال مما سواهم. ‎والدولة الإسلامية في عهدهم تمثل أكبر قوة عرفها التاريخ، في حين أنهم من حيث العدد والعتاد أقل من غيرهم،‎ وما معركة بدر ومعجزاتها عن الذين قرأوا السيرة بخافية. المسلمون المصلون قوم يستمدون القوة من مصدرها، ويستمطرون الرحمة من خزائنها، ويحصلون على الكرامات من موهب النعم وخالق الكون.‏ فهم متصلون تمامًا بذي العرش، ولن تستطيع قوة في الأرض مهما كبرت أن تخذلهم أو أن تغلبهم.

وهنا قال صاحبي: هذا هو الحق، وبالصلاة يستعيد المسلمون أمجادهم، ومن دق الباب ولج.. لا شك ولج.

 عبد المؤمن محمد نعمان

 المدينة المنورة

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

كيف أعود ولدي الصلاة؟!

نشر في العدد 2

53

الثلاثاء 24-مارس-1970

الوحدة وصلاة الجماعة في المدارس

نشر في العدد 4

24

الثلاثاء 07-أبريل-1970

الأسرة

نشر في العدد 3

31

الثلاثاء 31-مارس-1970