; حول فتوى الشيخ علي الجسار بإباحة التماثيل | مجلة المجتمع

العنوان حول فتوى الشيخ علي الجسار بإباحة التماثيل

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 12-سبتمبر-1972

مشاهدات 14

نشر في العدد 117

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 12-سبتمبر-1972

في حديث إذاعي- بثته إذاعة الكويت يوم الأحد 3-9-1972 تعرض الشيخ علي الجسار لموضوع «التماثيل» وحلها، وحرمتها.
ولقد أدلى بفتاوى تنطوي على الخطورة البالغة، سواء من حيث التصريح بإباحة التمثيل، أو من حيث طريقة الاستدلال، وتكوين مقومات الفتوى. 
إن الكهانة في الإسلام ممنوعة
هذا صحيح وحق 
وصحيح وحق كذلك أن للإسلام معاييره الثابتة وتصوره العام، وفي هذا الإطار ينبغي أن يدور الاجتهاد وتنضبط الفتوى 
أما اتخاذ الإسلام كمبرر لواقع الناس -خاصة في غير الضرورات- فهذا خطر يؤذى الإسلام.. ويؤذي الناس كذلك. 
فتبرير الواقع الخاطئ يحرم الناس من نعمة الرجوع إلى الصواب، وفي هذا عنت ومشقة، لأن البقاء في دائرة الخطأ يشقي ولا يسعد. 
وجملة مبررات الشيخ الجسار في إباحة التماثيل هي: 
•أن سيدنا سليمان قد سخر الجن في صناعة التماثيل.. إلخ.
•أن الحرمة كانت مؤقتة، لقرب الناس من عهد الوثنية.
وقبل أن نورد الرد العلمي على هذه الشبهات ينبغي أن نسأل وزارة الأوقاف هذا السؤال:
أليس هذا الأمر من شؤونها؟ وأليس فيها لجنة للفتوى.
نقول هذا لا لكي نقر احتكار الفتوى، ولكن لأن الذي بث الفتوى جهاز رسمي في الدولة -هو الإذاعة- والمعروف أن تنسيقًا يحدث دائمًا -أو المفروض أن يحدث- بين الأجهزة الرسمية في هذه المواضيع الحساسة.
وهاكم الرد العلمي.

النصوص في الصور والتماثيل
لا يتسع مجال مقال كهذا لعرض كل النصوص في هذا الموضوع، وسأذكر الخلاصة التي هي صلب الموضوع: 
فأولاً: جاءت الأحاديث الكثيرة الصحيحة في تحريم التصوير وصناعة التماثيل بوجه عام نحو قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورّون»، «أن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم»، وحديث أبي زرعة عند البخاري قال: «دخلت مع أبي هريرة دارًا بالمدينة فوجدت في أعلاها مصورًا يصور قال «أي أبي هريرة» سمعت رسول الله «ص» يقول «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا حبة، وليخلقوا ذرة» 
وحديث سفيان عند البخاري قال سمعت عبد الرحمن بن القاسم وما بالمدينة يومئذ أفضل منه قال: سمعت أبي قال: سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه رسول الله هتكه وقال: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة

التماثيل
موضوع الصور والتماثيل من الموضوعات التي اختلفت فيها كلمة الذين يتكلمون باسم الإسلام، وذلك راجع إلى استحسان البعض لكل ما جاءت به حضارة الغرب ومحاولة تطويع نصوص الكتاب والسنة لتساير هذه الحضارة: ما حسن منها وما قبح، وتشدد البعض وجمودهم على ظواهر النصوص دون فهم لمراميها، وغاياتها وحكمها وتعميمهم عمومتها فيما لا يقصده المتكلم بالتعميم. ولم نعدم والحمد لله المعتدلين من رجال العلم بالإسلام، والمنصفين في أحكامهم، والقائمين بالعدل غير مفرطين في جانب الحق تبارك وتعالى، ولا متشددين مغالين.

فقرات الموضوع
وفي عرضي لهذا الموضوع سأذكر أولاً -بحول الله- خلاصة النصوص في ذلك: العام منها، وما خصه الرسول وأخرجه محللاً له، والحكم والعلل التي من أجلها جاء النهي والإباحة ثم الشبهات التي تذرع بها المحللون بوجه عام، ثم حكم الصور الشمسية والضوئية التي حدثت ولم تكن في عهده صلى الله عليه واله وسلم.
ولست في كل ذلك بادئًا شيئًا جديدًا وإنما هي خلاصة لما قرأت وسمعت أسال الله فيها التوفيق والسداد فإن قلت الحق فمن الله، وإن ضل القلم فبظلم من النفس واستغفر الله أولاً وأخيرًا.
......................................................................................
ابن عباس أن ود وسواع ويغوث ونسرًاكانوا رجالاً صالحين فلما ماتوا أغرى الشيطان بعض محبيهم بنصب تماثيل لهم حتى إذا شاهدها الناس اجتهدوا في عبادة الله عز وجل وذلك بتذكر هؤلاء الصالحين فلما تقادم العهد عبدت من دون الله عز وجل. 
فتخليد ذكرى الصالحين بالصور والتماثيل ذريعة إلى الشرك بالله كما فعل النصارى بعيسى بن مريم حيث نصبوا له ولأمه التماثيل في كل كنيسة بل وتعدى ذلك إلى حواريه وأنصاره، ثم عبدت هذه الصور من دون الله عز وجل كما هو مشاهد إلى اليوم، ولو سمح برسم صور للرسول لصنع بها جهال الناس من المسلمين ما صنع النصارى بعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. 
ثانياً: المثّال أعنى صانع التمثال والصورة يداخله الغرور عندما يصل بتمثاله قريبًا من الصورة الحقيقية وقد يظن بذلك أنه قد شابه الله في خلقه ولذلك جاء التنصيص على ذلك في الحديث «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فلتخلقوا ذرة، أو ليخلقوا شعيرة» وقصص الفنانين الذين ملأهم الغرور بما صوروا ورسموا كثيرة يعلمها من يطلع على أحوالهم ويقرأ ما كتب عنهم ولقد قرأت بنفسي تعليقًا على تمثال «أفروديت» أو ما يسمى عند الاغريق بالهة الجمال «…. وكأنه يقول للطبيعة هكذا يكون الخلق» أي أن الرسام صانع ذلك التمثال أتى بما لم يأت به الخالق، وقصة المثّال الذي حطم تمثاله بمطرقة قائلاً له: تكلم!! تكلم! مشهورة معلومة فانظر ماذا يصنع الغرور.
ثالثاً: سمعتم وقرأتم أن فلانًا المثّال أمضى أربعين سنة من عمره يزين سقف قاعة وكنيسة وأن فلانًا المصور أمضى أربع سنوات في صورة واحدة وأن وأن!! ومـــا الصورة والتمثال في الحياة ما وزنها حتى ينفق المسلم عمره في صناعة تمثال أو رسم لوحة فنية أهذه غاية حياة الفرد ألهذا خلقنا، أن ما يسمى بالصورة الفنية ما هو إلا تضييع للجهد يفيد إلا قليلاً فالصورة الفنية قد تكون شيئًا جميلًا في نفسه ولكنها لا تعدو أن تكون زينة فإذا أنفقنا العمر في هذه الزينة فقد هدرنا الحياة التي وهبنا الله إياها فيما لا يعود على البشرية بالخير، وخير أن توجه جهود الفنانين لما يسهم في رفاه الناس وسد حاجاتهم الضرورية وليس في شيء تافه لا يسد حاجة ولا يشبع رغبة. 
ويبقى بعد ذلك أن نعلم أن عدم دخول الملائكة للبيت الذي فيه صورة إنما هو عقوبة من الله عز وجل وحرمان لصاحب هذا البيت من دعاء الملائكة والاستصغار له وزيارته في منزله وهذا حرمان عظيم. 
وأما الحكمة التي من أجلها أبيح تصوير لعب الأطفــــال فإنه ينتفى منها العلل السابقة فليست من الدقة بحيث تكون عملًا فنيًا يضاهي الخلق وليست مكرمة حتى تتخذ بعد ذريعة إلى الشرك وعبادة غير الله ولا ينفق فيها من الجهد والوقت ما يبدد طاقة الإنسان هذا إلى جانب ما فيها من تسلية الطفل وتعويده بعض العادات الحسنة فالجارية تصنع بيتًا لعروستها وتفرشه وتصنع لها الملابس وكل هذا يفيدها في حياتها المستقبلة، واقتناء الصبي للحصان يشوقه مستقبلاً إلى الفروسية والإقدام، وأما صور الملابس فهو لعموم البلوى بها ولامتهانها وانتفاء المحاذير الثلاثة السالفة في علل النهي عن التصوير.


شبهات وردها
1- هل الملل السابقة باقية لليوم؟
وهذا السؤال معروف مشهور فإن بعض الذين فتنوا في تقليد العدو قالوا أن النهى عن التصوير وصناعة التماثيل إنما كان لسد ذريعة الشرك بالله وهذه العلة انتفت بتوطيد أركان التوحيد وانتشار العلم في زماننا وبُعد الناس عن تعظيم غير الله عز وجل، وهذه شبهة واهية جدًا لأن الواقع يكذبها تكذيبًا صريحًا فمع انتشار ما يُسمى بالعلم والمعرفة فإن سواد الناس ما زالوا يقدسون الزعماء والرؤساء سواء كانوا دينيين أم سياسيين وينزلونهم منزلة الآلهة، وتعظيم جهال الناس لتماثيل الرؤساء والملوك تعظيمًا ينافي العبودية الصحيحة لله عز وجل، ولو سلمنا جدلًا إن هذه العلة منتفية فهناك علتان أخريان وهي بذل الجهد والوقت والمال في غير طائل ومضاهاة خلق الله عز وجل فهل ينتفي الحكم وهما باقيتان:

۲- تماثيل لسليمان بن داود
وشبهة ثانية وهي أن الله أمن على عبده سليمان بن داوود عليهما الصلاة والسلام بأن سخر له الشياطين ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور﴾ (سورة سبأ: 13) فكيف تذكر التماثيل في معرض المنة ثم تكون حرامًا، والجواب أن ذلك قد كان في شريعة سابقة وليس كل ما أبيح في شريعة سابقة أبيح لنا فقد جاءنا النهي الرسول الصحيح الصريح من الرسول عن هذه التماثيل، وحتى على قول الذين يقولون بأن شرع من قبلنا شرع لنا يشترطون لذلك أن يكون ثابتًا بسند صحيح وأن لا يأتي في شرعنا ما ينهي عن التماثيل فكيف نتقيد بشريعة سليمان وقد جاء أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك ويلزم الذين يقولون بإباحة التماثيل بالآية السابقة أن يقولوا بإباحة السجود للوالدين والإخوة عملًا بقوله تعالى عن يوسف عليه السلام ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ (سورة يوسف: 100).

3- التمثال الكامل
ثمة شبهة ثالثة وهي أن ما يحرم من التماثيل ما كان كاملًا تقوم الحياة به لو فرض نفخ الروح فيه، وهذه أوهى الشبه وأقلها استحقاقًا بالرد، فالتمثال النصفي يقصد لذاته وتقوم فيه العلل السابقة التي من أجلها جاء النهي عن الصور ولا يتصور عقلًا أن يصنع مثال تمثالاً يكون مستعدًا لنفخ الروح فيه وإلا لتحتم عليه أن يركب له قلبًا ودورة دموية ومعدة وأمعاء وآلاف وآلاف من الأعضاء التي لا تقوم الحياة إلا بها، ومن الجهالة ما أفتى به بعض المشايخ في هذا الصدد بأن على المثالين خروجًا من دائرة التحريم أن يصنعوا تماثيل لا يمكن أن تقوم الحياة بها واقترح عليهم تفريغ الرأس من المخ ووضع فروة الرأس على هذا الفراغ وبذلك يخرجوا من التحريم والإثم!! فانظر بربك أي سوء ينتظر أمتنا من مثل هذه الفتاوى.

الصور الشمسية والضوئية
الصورة الشمسية وهي ما تلتقط بالألة لم تكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وليس فيها إحدى العلل السابقة فليست مضاهاة لخلق الله لأنها صورة هذا الخلق تظهر على الورق كما تظهر على صفحة جدول أو مرآة ولا فرق بينها وبين الصورة الضوئية بحال، وأعني بالصـورة الضوئية « صورة التلفاز والسينما » فالنظام الذي يحكم الاثنين واحد غير أن الصورة الشمسية مطبوعة على الورق للمحة لمحات الجســـم والصورة الضوئية منقولة إلى الشاشة بملايين المرات للحركات والسكتات التي تعتري الجسم، وليست هذه الصورة جهدًا مهدرًا وإنما هي وسيلة عظيمة في العلم والمعرفة يصرف النظر عن استغلالها السيء واستخدامها المشين في إفساد الناس . وبالطبع لا يجوز استخدامها في تعظيم غير الله عز وجل ونشر الفساد والشر.
هذا وإن قال بعض العلماء بأنها داخلة في عموم تحريم الصور فهذا صحيح من حيث الاستدلال ولكن بالنظر والإنصاف يعلم أن هذا العموم لا يتناولها وإلا لكان عليهم أن يحرموا نقل الصورة بأي وسيلة ومعنى هذا تحريم « آلة التلفاز والسينما والمرايا » وهذا لم يقل به أحد، وأعلم أن بعض الذين يفتون بهذا لا يخالفون في الظهور على شاشة التلفزيون وهي صورة ضوئية منقولة والقول بأنها حلال والصورة الشمسية المطبوعة حرام وتناقض واضح  .

الخلاصة
وخلاصة هذا الأمر تنحصر فيما يلي : 
أولًا:جاء النهي الصريح الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم بحرمة التصوير وصناعة التماثيل ونحتها واللعن على ذلك وإنهم شرار الخلق وأشد الناس عذابا يوم القيامة ونهى عن اقتناء التماثيل والصور في المنازل وأخبر أن الملائكة لا تدخل البيت الذي يحوي الصور والتماثيل وامر بهتك الستائر المعلقة ذوات الصور .
ثانيًا: أباح الرسول استعمال القماش المصور اذا كانت صورة مهانة توطأ بالأقدام أو تلبس وتخلع، وصناعة لعب الأطفال على شكل تماثيل لذوات الأرواح كالعرائس والاحصنة ونحو ذلك وإقتنائها في المنازل، بل وكان في بيته صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك وبيته أطهر البيوت وأحبها إلى الله عز وجل .
ثالثًا: الحكمة في تحريم الصور والتماثيل أنها مضاهاة لخلق الله عز وجل وأنها ذريعة إلى تعظيم غيره تعظيما يرفعه عن مرئية العبودية وأنها هدر للجهد الإنساني فيما يسمى « الفن للفن » فالصورة الفنية الحية التي يبذل الفنان عمره فيها ما هي إلا هدر لجهد الإنسان وتضييع لغاية وجوده . 
رابعًا: الصورة الشمسية والضوئية مباحة حلال - إن شاء ولكن لا يجوز تعظيم هذه الصور المطبوعة وتعليقها والاحتفال بها . 
خامسًا: الشبه التي تمسك بها بعض الناس في إباحة التماثيل والصور شبه واهية وفي المقال رد عليها، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
 

الرابط المختصر :