العنوان حين يموت الضمير
الكاتب د. حمود الحطاب
تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1977
مشاهدات 14
نشر في العدد 357
نشر في الصفحة 32
الثلاثاء 05-يوليو-1977
الحياة على وجه الأرض مليئة بالأحياء بكل أنواعها وأصنافها وأشكالها وما من شيء على ظهر هذا الكوكب قد دبت فيه نسمة الحياة إلا وهي على استعداد لمفارقته مفارقة أزلية في حساب الكوكب الأرضي أو مفارقة وقتية تعود في أوضاع وظروف مختلفة، والأمر طبيعي جدًا حين تتفارق الأجساد عن حياتها فقد جبلت البشرية وكل من يسير سيرها على بداية ونهاية وليس غريبًا ذلك الأمر أبدًا ولكن هناك شيء واحد إذا مات لا يؤثر موته على فرد بعينه ولا على مجموعة بحد ذاتها وإنما يؤثر على المجموع العام ككل.. ألا وهو الضمير.
فالضمير هو ذلك الإحساس المرهف الذي ينبع منه شعور الرحمة والألفة والعطف والمودة، وهو بلا شك حياة الروح التي هي حياة البدن الذي سرعان ما يتعفن متى ما انفك عنه اتصال النفس .
والضمير ميزان حساس وآلة دقيقة الحساب تفرض وجودها حين ينعدم القياس وتبطل الأوزان.
وللضمير أحوال ومتقلبات وأوضاع، فهو أولًا قابل للحركة غير ساكن وما دامت قابلية الحركة فيه موجودة فقابلية التوجيه فيه موجودة أيضًا والتوجيه للضمير عملية استثمار وفائدة فإنه إذا ما وجد من ينميه.. فإنه يتجه بصاحبه إلى السعادة..
والسعادة الحقيقية لا السعادة الوقتية المتعلقة بمختلف المصالح المادية.
وهو ثانيًا آلة حادة ذات طرفين تقتل كل من يمسها سواءً كان صاحبها أو من توجه إليه من قبل صاحبها، فالضمير بدون توجيه سيف حاد ذو طرفين كل منهما أخطر من الآخر، والذي يمسك به طفل طائش کثیر الحركة.
وأمامنا اليوم وضعان للضمير وضع مع الإسلام ووضع مع الجاهلية، فالضمير الإسلامي كميزان الذهب بل هو أدق.. حساس مرهف رقيق ينبض بالحياة... فإن الله عز وجل قد أمسك بآلة الشد والتأثير بالضمير فبدأ الميزان يتحرك بكفتيه كيفما أراد له الله ذلك.. والله لا يريد إلا الخير فهو سبحانه يربي في النفس دقة المشاعر وحساسية القلب وإرهاف الوجدان.. في كل مجال..
ففي مجال التعامل بين البشر: يقول: قل لعبادى يقولوا التي هيأحسن.. لأن اختيار الكلمة أمرٌ مهم لما فيها من تأثير على السامع محركة ميزان الوجدان الإسلامي ذواقة في ما طاب من الكلام: كلماللسان أنكى من كلم السنان .
وهو في مجال الأسرة: «ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا»
وهو في مجال العقل والتربية الفردية.. «أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما الا بالحق وأجل مسمى» فالتوجيه الرباني للبشرية يسير وفق قاعدة حساسة من الشعور الطيب الذي ينبع منه كل خير..
وإذا نظرنا إلى الوجهة الأخرى للضمير وجدنا اختلالًا بينًا واضحًا، فالحرية تأخذ مفهوم اللامبالاة في كل شيء كل إنسان حر يضع رجليه في وجوه الآخرين في جلسته.. يتكلم ساعات عن نفسه يصرخ على خادمه في وجه أضيافه- ينسحب بدون إذن من المجالس يهيم في الشوارع أيامًا لا يرضى أن يسأله أحد عن وجهته ولايحاسبه على سوء نزعته.
وهذا الأمر هين قليل إذا ما قسناه بتحطم الضمير على مستوى الجماعات، وهو هين أيضًا اذا ما قسناه على مستوى الدول والأمم فالحياة البشرية بأجمعها تكاد تشترك في صفة واحدة مشتركة من ناحية الضمير هي موته وانعدامه، والعجيب في الأمر فشل جميع المحاولات في هداية الإنسان إلى مشكلة، فالمريض الذي يعرف مرضه يمكنه علاجه ولكنّ مرضانا العالميين لا يدركون أنهم مصابون بحمى موت الضمير القاتلة ولذا تجدنا نعيش في متاهات المشاكل والآلام والمصائب، جرائم على مستوى الأفراد تهز كيان الإنسانية وجرائم على مستوى البشرية يهتز لها عرش الرحمان .
صحيح أن الحياة تجری عكس ما يريد لها الطبيب، ولكن هذا لا يعني أن الطبيب يائس من العلاج فهو واقفٌ على قارعة الطريق يجمع مرضى هذا الداء ويعالجهم رويدًا رويدًا وما هي إلا هزات قليلة ثم يستيقظ الضمير وما يزال يغذى حتى ينتعش ويصبح عملاقًا تأبى الليالي تحطيمه والأيام وحتى يعود الضمير حيًا فلا بد من الصبر وتحمل الأذى .
ولا بد من البحث عن أحسن الموجودين أحوالًا وضمهم إلى دور العلاج ليساهموا هم أنفسهم في زحزحة العالم وقلب موازينه من الشرية إلى الخيرية ومن الإجرام إلى الإصلاح والله غالب على أمره .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل.. وفوج جديد من الشهداء يعرفه الناس لأول مرة بعد هزيمة يونيو حمل الضمير الإسلامي السلاح.. واستشهد شباب من المؤمنين.. رجال..
نشر في العدد 103
25
الثلاثاء 06-يونيو-1972
رقعة الشطرنج.. لماذا تتحرك أجهزة الأمن في بعض البلدان الثورية؟
نشر في العدد 447
7
الثلاثاء 29-مايو-1979