; حَديث صَريح للشيخ محمد أبو زهرة | مجلة المجتمع

العنوان حَديث صَريح للشيخ محمد أبو زهرة

الكاتب أبو أنس

تاريخ النشر الثلاثاء 24-مارس-1970

مشاهدات 853

نشر في العدد 2

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 24-مارس-1970

يزور الكويت بدعوة من جامعة الكويت العلامة والمفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة.. والأستاذ أبو زهرة غني عن التعريف فقد عرفناه كاتبا إسلاميا كبيرا.. ومحاضرا جريئا.. وله الكثير من المؤلفات الإسلامية القيمة.

وقد كان لجريدة المجتمع لقاء مع الأستاذ أبو زهرة تحدث خلاله حديثا يصدر من قلب رجل مؤمن غيور على المجتمع الإسلامي.

●     في بداية حديثنا معه تحدث لنا عن صدور مجلة المجتمع حيث إنها ثالث مجلة إسلامية في الكويت وعن رأيه بالصحافة الإسلامية عموما والكويتيـة الإسلامية خصوصا فقال:

●     وصل إلى الخبر عن اعتزام جماعة الإصلاح الاجتماعي إنشاء مجلة أسبوعية تسمـى جريدة المجتمع فسرني ذلك كل السرور واحتل في نفسي مكانة تساوي مكانة الجماعة نفسها ذلك لأني في آخر رحلة إلى بلدكم الطيب المثمر فكرا ومادة وإيمانا وتقوى اختلطت بأعضاء الجماعة وعلمت مقدار إخلاصهم وعنايتهم وجهودهم واتجاههم إلى الخير يفعلونه لا يرجون جزاء إلا من الله، ولا يبتغون إلا رضوانه. وإن إنشاء مجلة أسبوعية يكون موضوع دراستها المجتمع ذاته هو فتح جديد في المجلات الإسلامية تراها تعنى ببيان الحقائق الإسلامية وتقريبها إذا كانت المجلة مستقيمة على الجادة فلا تنحرف إرضاء للإرضاء أو للأهواء أو لإشباع الحاجات المتصلة في الجاه.

 

دراسة المجتمع الإسلامي

وعلى المجلة أن تعنى بدراسة المجتمع الإسلامي دراسة فاحصة كاشفة للأدواء مقدمة الدواء الذي يحسم الداء، فوجود مجلــة تتخصص بهذه الغاية أمـر تتقاضاه الضرورة وتتقاضاه ما طرأ على المجتمعات الإسلامية من تغييرات انحرف بها عن المجتمع النبوي السلفي.

 

إن هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها إيمان في غير ريب وإصلاح في غير فساد ومودة في غير قطيعة ورحمة في غير شدة ورفق في غير غلظة. وكل ذلك يبدو في المجتمع المسلم الصالح.. إن مجتمعنا الإسلامي تواردت عليه آفات بعضها نبتت بيننا وظهرت من غريزة حب الغلبة فينا وبعضها جاءت إلينا من البلاد التي تحللت من الأديان وسلبت الإنسان كل فضائله وبعضها جاءت إلينا من أعداء لا يرجون للإسلام وقارا بل يريدون أن ينقض عليه الشر انقضاضا وبعضها من المنافقين الذين لا يؤمنون بشيء، يلقون بالشك حتى فسدت الأخلاق وضن المؤمن بأن يعلن إيمانه خوفا على نفسه أن يكون محل الجور.. إن مجلة المجتمع وقد بدأ نورها يشع في الوجود ستعنى لا محالة بدراسة أدواء العالم الإسلامي داء داء فتعنى بدراسة الانحراف ومداخله وتعنى بدراسة الإباحية وما يظلها ويحميها.

 

 ودراسة النفاق الذي أفسد الأمور وأضاع الثقة بين الحاكم والمحكوم وستعنى بدراسة العداوة المستشرية ضد الإسلام حتى لقد وجدنا بعض أمم الغرب المسيحية تعاون اليهود لا لشيء إلا لأنهم اتخذوا آلة للاعتداء على كل المقدسات الإسلامية حتى إذا مكنوهم منها أزالوا اليهود بأيسر كلفة..  وستعنى أيضا بالدواء المبيد لكل هذه الآفات وهو موجود بين أيدينا قريب منا ولكن ضعفنا على استعماله وأهملنا استعماله أو تركناه وراءنا ظهريا.

 ألا وهو كتاب الله وسنة رسوله ففيهما الملاجئ والمعاذ وفيهما المأوى والحماية وقد وصف محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الدواء في وصفته الطبية في قوله عليه السلام «تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وسنتي» وها نحن قد ضللنا فعلينا أن نستعمل دواء محمد. لقد تكاثف الفساد وطم سيله وغلب على كل شيء فأصبحنا نحتاج إلى من يمارس طب دوائه ويجدد أمر هذا الدين.. وإن الأمل مرجو في أن تتولى مجلة المجتمع إعلان ذلك الدواء وطرق أخذه، وإنها بمعاونة أمثالها يتم الشفاء وإن لم يكن كلـه فبعضه والله الموفق.

 

تفسير القرآن

 وكان الموضوع الثاني الذي تطرقنا له مع الأستاذ الجليل حول تفاسير القرآن والفتاوى التي ينشرها والتي يحرص الشباب المسلم هنا على قراءتها وهل في نيته أن يجمعها فقال في هذا.

●     قبل أن أجيب عن هذا السؤال أوجه أنظاركم إلى أن مجلة لواء الإسلام في عددها الصادر في أول محرم سنة ۱۳۹۰ ستجدون عند باب التفسير عبارة "إن التفسير لأسباب خارجة عن إرادة المجلة أُجل إلى العدد التالي". هذا ما نشرته المجلة وحقيقة الأمر أنه أُجل لأجل غير مسمى لأن سبب التأجيل لا يعين مداه.

بعد هذا التنبيه نجيب عن أصل السؤال.. لقد كانت في السنين الأخيرة نيتي متجهة إلى جمع ذلك التفسير وإلى تقديمه لدور الطباعة والنشر ولذلك كنت أسير في التفسير سابقا المجلة ولكن شغلتني الشواغل عن المضي في التفسير إلى حد بعيد.. وبعد أن رأيت ما رأيت مما أشرت إليه في مقدمة هذا الحديث اتجهت نفسي ثانية إلى الاستمرار في كتابة التفسير على أن يطوى في بيتي وبين كتبي وكتاباتي حتى يكتب له الله الظهور.. فعند عودتي إلى القاهرة إن شاء الله تعالى سوف اتجه إلى السير فيه إلى أن يقضي الله قضاءه في نفسي، وإن عملي العلمي الآن ينحصر في أمرين أولهما الكتابة في هـذا التفسير وثانيهما كتابة سيرة للرسول وهي أسباب انشغالي عن التفسير فقد كتبت فيها نحو٦٠٠ صفحة ولا أريد أن أقدمها للطباعة قبل أن أنتهي من القسم الأول فيها وهو حياة النبي من مولده إلى هجرته.

 

أما بالنسبة للفتاوى فإن إحدى دور النشر في لبنان جاءت لتتفق معي على جمع المقالات والفتاوى لان المقالات التي كتبتها في لواء الإسلام وفي مجلة المسلمون وفي رسالة الإسلام ورسائل أخرى نشرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ومجلة القانون والاقتصاد ورسائل في مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية.. هذه كلها تعد بحوثا علمية تشبه رسائل بعض كبار العلماء السابقين ولكن لم يتم الاتفاق ولا يزال مشروعاً بل تفكيرا.

●     ثم تطرق بنا الحديث عما يواجه المسلمون اليوم من تحديات ضخمة من خصومهم تتناول عقيدتهم وحضارتهم ووجودهم فكان لأستاذنا الكبير رأي في ذلك.. وطلبنا منه أن يبين لنا نصيحته لشباب اليوم ليثبت أمام هذه التحديات فقال :

●     تحديات أعداء الإسلام للمسلمين ليست جديدة إنما هي قديمة أخذت تتوثب على الإسلام منذ انتشر نوره في الآفاق.. فإنك نجد التشكيك في العقائد الإسلامية قد نبت نبته في آخر العصر الأموي واستغلظ سوقه في العصر العباسي وأخذ ينمو من بعد ذلك في شعاب الأراضي الإسلامية، فبدأ ظهور الإباحية والانحلالية فكان الزنادقة وكان أهل الشك وكانت السفسطائية ولكن الإسلام كان في قوة فقد قاوم ملوك بني العباس ذلك الفساد في الفكر بقوة السيف عندما علا أمر الزنادقة وظهرت لهم قوة كان يمثلها ما يسمى في التاريخ المقنع الخرساني جرد له المهدي بن المنصور من ملوك بني العباس ولم يكتف بذلك لقمع الزندقة والزنادقة بل جرد لهم العلماء يقاومون انحرافهم ويبينون ضلالهم، ويذكر التاريخ أن لعلماء المعتزلة في هذا جهودا كبيرة فلهم في هذا فضل مع انحراف بعض آرائهم. والآن قد أصبنا بما أصيب به سلفنا في الماضي وإن كان الذين يقومون بالمناوأة ليست لهم قوة ذاتية تغالب الدولة وتنتصر عليها.. أما الآن فالذين يبنون الشك أقوى منا سلطانا فلم يبق لنا إلا العلماء. وعلى الدولة إن كانت مؤمنة بالله حق الإيمان وأنها لا تعلو إلا بالإسلام أن تعمل على تحصين شبابنا من تلك الانحرافات فإن ذلك يكون قوة لنا وقوة لها.

 

ثلاثة طرق يدخل منها الفساد

 إن الفساد والانحراف يجيء لنا من ثلاثة مسارب أولها من الشباب الذي يذهب إلى البلاد الأوروبية ويتلقى منها أسباب الانحراف وأسباب الشك ومن الكتب التي تروج بيننا ومن المذاهب الانحلالية كالوجودية وغيرها التي يتعلمها الشباب بيننا ومن الروايات التي تبث الانحلال والشك في شبيبتنا، فعلى الدولة أن تضع المحاجزات بين هذه الأمور وبين نفوس أبنائنا.

 وثانيها - طرق الإعلام في الحواضر العربية فإنها تعنى بنشر الروايات الهزلية التي تبدو فيها المرأة عارية وتصطك بها الأفواه بالقبلات وهي في معناها انحلال خلقي وفي غايتها إباحة للمحرمات.. ثم لا تعنى دور الأعلام ببيان الحقائق الدينية في هذا المقام فلا تجد في دور الإعلام العربي ما يدعو إلى استنكار هذا قولا وإن وقع عملا.. بل إنك تجد من الروايات ما يدعو إلى الجرائم وقد رأينا في بعض البلاد العربية جريمتين ارتكبتا جهارا نهارا فبينـا اتصالهما الواقعي بروايتين من الروايات التي تنشرها الإذاعة المرئية- التلفزيون- بل وجدنا في الأسبوع الأخير رواية وضحت إحدى الجرائم جعلتها واقعية بالفعل عندما أذيعت في الخيالة - السينما... ونحن في هذا المقام مــا نطلبه من الحكومة سلبي وليس بإيجابي وهو أن تمنع دور الإعلام التابعة لها مما يضر في المجتمع الإسلامي.

 وثالثها.. الأفكار العلمية أو غير العلمية التي توهن شأن الدين في جامعاتنا ومدارسنا وكل الهيئات المسيطرة على شبابنا.. وإننا نطالب الحكومة بأن تحول بين الشباب وبين تلك الأفكار الهدامة التي لا تزيدنا علما بل تنقصنا دينا.. هذا ما نعتقده واجب الحكومة بقي واجب العلماء.. نطالب العلماء

 

 

ما هو المطلوب

 أولا : أن يكونوا ربانيين يخلصون لله ويعلمون أنهم ورثة الأنبياء وأنهم القائمون على رسالة النبي وأنهم المبلغون لها فلا يدهنون في القول ولا يغيرون وجه الحق فانهم اذا كانوا كذلك كانوا أسوة للشباب واثروا في نفوسهم وسلوكهم أكثر من التأثير بقولهم.. فإذا أتبع العمل القول كانت سعادة شبابنـا وتهذيب أبنائنا.. ونطالب الهيئات العلمية بأن تجعل الدين هو المسيطر في معاهدهم ومجتمعاتهم ليتلقن الشبـاب المسلم منهم خلق الإسلام وعلم الإسلام وعلم الدنيا.. ونطالب الأسر بأن لا تربى أبناءها وبناتها إلا على ما هـو احتشام ووقـار واحترام للدين.. وأخيرا نطالب كل مجتمع إسلامي بأنه لا عزة إلا بالإسلام ولا رفعة بالدنيا إلا بالإسلام ولا رفعة للنفس إلا بالإسلام فكونوا ربانيين.

 

الشباب فريقان

ومن الحق أن نقول إن الشباب فريقان.. فريق لا يزال مؤمنا بالله وبمحمد وبالإسلام وأقول إن هذا في مصر يكثر ولا يقل كما يتوهم المتوهمون فالخير لا يزال في أمة محمد وهذا الفريق ينمو ويزيد إيمانه.. وإني أعاشر الشباب منذ توليت التدريس وأحسب أن الفريق المؤمن من هذا الشباب أقوى إيمانا من إخوانهم من قبل.

 أما الفريق الثاني فهو فريق حائر بائس منحل وعلى الموجهين والعلماء والأسر أن تتولى هذا الفريق من الشباب وإن هدايتهم تتميم للهداية في الأمة وإن هؤلاء يتغذون من سموم الإعلامات والدعايات المنحرفة والرأي العام الفاسد.. لو أصلحت دور الأعلام وأصلح الرأي العام لصلح أمر هؤلاء ووصلت إلى قلوبهم ينابيع الخير والله الهادي

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل