; خارطة طريق جديدة في ليبيا وتغيُّر السياسة الأمريكية تجاهها | مجلة المجتمع

العنوان خارطة طريق جديدة في ليبيا وتغيُّر السياسة الأمريكية تجاهها

الكاتب مروان الدرقاش

تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-2017

مشاهدات 23

نشر في العدد 2110

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 01-أغسطس-2017

كان لإعلان تحرير بنغازي المتسرع من قبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الخامس من يوليو أثر كبير في تغيير التحرك السياسي الدولي تجاه الأزمة في ليبيا، فعلى الرغم من أن التحرير المزعوم فندته العمليات والمعارك التي تلت هذا الإعلان؛ فإن الكثير من المواقف السياسية لأطراف محلية ودولية بدأت تتخذ وجهة جديدة لمواجهة تتابع الأحداث في ليبيا، خاصة بعد أن تم إيقاف التحرك العسكري المناوئ للسراج في الشهر الماضي الذي كان يسعى لإسقاط الحكومة المقترحة في طرابلس.

المعارك السريعة التي جرت شرق العاصمة طرابلس توقفت فجأة وانسحبت القوات التي كانت تسعى لإسقاط حكومة السراج، بالرغم من أنها كبّدت القوات الموالية للسراج خسائر كبيرة؛ مما اضطرت القوات الموالية للسراج للانسحاب إلى داخل العاصمة، وتقدمت القوات المناوئة إلى مسافة قريبة جداً من العاصمة.

ضمانات أمريكية

الانسحاب جاء بناءً على تدخّل أمريكي طلب من القوات المناوئة للسراج التوقف عن مهاجمة العاصمة، والانسحاب إلى المواقع التي جاءت منها، مقابل ضمانات وتأكيدات من الحكومة الأمريكية بمنع أي تمدد لخليفة حفتر في الغرب الليبي، وضمانات أخرى تؤكد عدم قبول الولايات المتحدة لأي حلول عسكرية للأزمة الليبية، وضمان عدم تمكين خليفة حفتر من أي منصب قيادي قد يستعمله للاستيلاء على السلطة في ليبيا.

هذه التطورات جاءت بعدها اجتماعات سريعة أجراها مسؤولون أمريكيون مع كل من خليفة حفتر، والسراج، كان من نتائجها خارطة الطريق التي عرضها فائز السراج في خطابه المتلفز يوم السبت 15 يوليو، التي تتضمن فترة انتقالية جديدة تنتهي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في مارس 2018م، ولجنة لوضع قانون للانتخابات وقانون للاستفتاء على الدستور في ذات المرحلة.

لقاء سفير أمريكا لدى ليبيا “بيتر بودي” مع خليفة حفتر في الأردن نجم عنه مطالب أمريكية واضحة من خليفة حفتر بإيقاف محاولاته للتقدم نحو العاصمة، وتم تحديد مدينة سرت في وسط ليبيا كمنطقة محرمة عليه التقدم إليها، وجاءت هذه المطالب أيضاً في رسائل تم توجيهها إلى داعمي حفتر في المنطقة.

كما أن اجتماع مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون مصر والمغرب العربي “ييل ليمبيرت” بوزير خارجية السراج في طرابلس بحضور السفير الأمريكي في ليبيا هو ما جعل السراج يطرح خارطة الطريق الجديدة للحل، حيث أكدت الإدارة الأمريكية في هذا الاجتماع أنها ستسعى لفرض حل سياسي في ليبيا سيقصي كل من هم في الساحة الآن إن لم يتم التوصل إلى حل قريب يُنهي الأزمة في ليبيا.

الاهتمام الأمريكي المفاجئ بالأزمة الليبية وتولي الملف بشكل مباشر هو تغيير واضح في السياسة الأمريكية تجاه ليبيا؛ حيث اتسمت سياسة أمريكا سابقاً بتكليف دول أخرى حليفة لواشنطن لمتابعة الملف الليبي؛ حيث تم إسناده إلى إيطاليا، ثم مصر، ولكن التحركات الأخيرة للدبلوماسية الأمريكية تؤكد أن الإدارة الأمريكية قد حزمت أمرها في الشأن الليبي وبدأت التحرك لتولي الملف بنفسها.

الرؤية الأمريكية

التسريبات التي رشحت عن الرؤية الأمريكية للحل في ليبيا تتمحور حول التالي:

1- تبني وجهة نظر برلمان طبرق في تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة مصغرة من 8 حقائب منفصلة عن المجلس الرئاسي.

2- إعادة تشكيل وتنظيم الجيش واختيار قيادة عسكرية لا يعارضها أي من الأطراف الليبية، وهو ما قد يُقصي خليفة حفتر عن أي دور عسكري مستقبلي.

3- إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في مارس 2018م بعد إقرار قانون للانتخابات وقانون للاستفتاء على الدستور.

4- توحيد المؤسسة المصرفية في ليبيا وتشكيل إدارة جديدة لمصرف ليبيا المركزي.

5- نزع سلاح المليشيات المسلحة كما ورد في الترتيبات الأمنية للاتفاق السياسي.

هذه الرؤية الأمريكية جاءت بعد دراسة معمقة لدور كافة الأطراف السياسية في ليبيا، وتأثير كل طرف على معادلات الحل، ورغم أن قوات حفتر قد حققت تقدماً في مدينة بنغازي فإن الإدارة الأمريكية على قناعة تامة أن قدرة حفتر على بسط نفوذه على مواقع جديدة لن يكون أمراً يسيراً حتى مع الدعم العسكري الإقليمي الذي يحظى به في ظل رفض الكثير من الليبيين لهذه الشخصية التي تُعيد لأذهانهم صورة الدكتاتور المخلوع “معمر القذافي”.

أما بالنسبة للشخصية التي قد تتولى رئاسة الحكومة القادمة وفي إطار الخيارات المطروحة؛ تبرز شخصية رجل الأعمال الليبي السويسري باسط قطيط كمرشح أمريكي قوي لشغل منصب رئيس الحكومة المقبلة، حيث يقوم قطيط بجهود كبيرة من خلال شبكة علاقات في الولايات المتحدة لإقناع الساسة الأمريكيين لدعم ملف ترشحه لرئاسة الحكومة.

قطيط وهو ابن أحد معارضي نظام “القذافي” الذي هاجر في أواخر ثمانينيات العقد الماضي إلى سويسرا حيث تزوج بابنة الملياردير اليهودي الكندي “إدجار برونفمان”، وأصبح من كبار رجال الأعمال في أوروبا، وصاحب علاقات متميزة مع الكثير من المنظمات والحكومات، وهو ما يراهن عليه في نجاحه في تسيير دفة إدارة بلاد منهكة من الصراعات والفساد والانهيار المؤسسي والاقتصادي.

لكن الذي ينتظر قطيط إذا ما تم تكليفه برئاسة الحكومة لن يكون سهلاً، فالوضع في ليبيا يقترب من حافة الهاوية مع تأزم المشكلات الاقتصادية من نقص السيولة وارتفاع التضخم وتذبذب الإيرادات والعجز الكبير في ميزانية الدولة، يصاحب ذلك مشكلات أمنية واجتماعية كبيرة جداً وانهيار مؤسسات الدولة، وكذلك مؤسسات البنية التحتية؛ حيث تعاني ليبيا من نقص في توفير الطاقة الكهربائية وإمدادات المياه وتدني مستوى المعيشة إلى مستويات حادة ومشكلات اقتصادية إدارية وأمنية متفاقمة.

لكن المؤكد أن الأزمة في ليبيا التي بدأت في فبراير 2011م تمر هذه الأيام بمنعطف مهم جداً قد يؤدي إلى تغيير كبير في المشهد السياسي الليبي، ويؤثر على موازين القوى للأطراف السياسية الفاعلة في ليبيا؛ مما قد ينتج عنه اختفاء بعض هذه الأطراف واضمحلال تأثيرها وبروز قوى جديدة يكون لها دور بارز في تشكيل المستقبل السياسي والاقتصادي لليبيا.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل