العنوان خصائص المجتمع المسلم
الكاتب أ. عبد الله محمد عبد الله
تاريخ النشر الثلاثاء 07-أبريل-1970
مشاهدات 24
نشر في العدد 4
نشر في الصفحة 21
الثلاثاء 07-أبريل-1970
من نعم الله علينا في هذا البلد، أنه كلما ارتفعت أصوات تجلجل بباطلها، وتزمجر في وجوه البررة ممن استقر الإيمان في قلوبهم واستنارت بنور الله عقولهم وخشعت لعظمة الحق جل علاه جوارحهم، وكلما ازدادوا بغيًا وظلمًا وإشاعة للفُحش والفوضى بين الناس، يلبسون باطلهم ثوب الحق بطنطنة لا تخفى على الفطن، لا ريب حتى إذا ما أيقنت نفوسهم واستقر في أفئدتهم أن الفرصة مواتية، وأن غرسهم الذي شقوا في العناية به قد آن أن ينضج، وأنهم نالوا من هذا المجتمع الطيب المؤمن ما كرَّسوا له جهودهم وبذلوا له عنايتهم، وظنوا أنهم قد بسطوا أجنحتهم البالية، فغطوا وجهه الحقيقي وشوهوه، هناك برزت أصوات الحق وعلت، فلم تزل تبين زيف هذا الباطل وخبثه حتى بان زيفه وعرت أهدافه، فبدأ كأقبح ما كان وأشنع ما يكون، وبان وجه هذا المجتمع الحقيقيّ مؤمنًا بربه، معتزًا بعقيدته، مستمسكًا بماضيه وتاريخه، متطلعًا إلى مستقبله، يرى في دينه الذي ارتضاه الله له الملجأ الوحيد، يقيه فتن الزيغ والإلحاد، ويصونه من العبث والاستهتار، ويرفعه عن سفاسف الأمور وخصائصها، ويدفعه إلى العمل الصالح والسعادة الأبديَّة في أولاه وأخراه.
المجتمع الأصيل
مجتمع نظيف في روحه وفكره، نظيف في عقيدته وسلوكه، نظيف في عشرته ومعاملته، يكره الدناءة وأربابها، يجتنب الرذيلة ويسد مسالکها، يفوت على المغرضين خطتهم ويكشف أساليبهم وألاعيبهم.
مجتمع طيب القلب نقي السريرة، إن أحسنت إليه ملكته، وإن استعنت به وجدته يعطي ولا يأخذ، يهب ولا ينهب، يزيد ولا يسلب، يتعشق الحرية ويأبى الضيم والخنوع. فقمين أن تبرز جريدة «المجتمع» لتعلن على الملأ أصالة هذا المجتمع، وتنطق باسمه وتعبر عن رأيه، وتكون له مرآة صافية يشاهد من خلالها ملامحه العربيَّة المسلمة.
وإنا لنسأل العلي القدير أن يعينها على ما اختطته لنفسها من منهجٍ، وإنه لمنهج قويم راشد وطریق حق مأمون العواقب وإن حفته المخاطر، فما خرجت دعوة حق إلا صادفت معارضة وجدالًا ومقاومة ونزالًا، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلًا ولن تجد لسنته تعالى تحويلًا. فما على صاحب الدعوة إلا أن يثب لا تلين قناته ولا تخور عزيمته وألا يكل ولا يمل، ويدفع بالتي هي أحسن، وأن يتسلَّح بالعلم والعمل، ويتحلَّى بفضيلتي الحلم والأناة.
قال الحسن لمطرف بن عبد الله بن الشخير الحرش: يا مطرف، عظ أصحابك.
فقال مطرف: إني أخاف أن أقول ما لا أفعـل.
فقال الحسن: يرحمك الله.
وأينا يفعل ما يقول، لود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم؛ فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
إنه لخطر محدق بالأمة ينسف معالمها الأصيلة ويذيب البقية الباقية من تلك المعالم في بوائق الشر المستطير، أن يركن أهل الحق إلى الخلود والدعة، وتبقى قوى الشر وحدها في الميدان تصول وتجول، تنفث من زعاف سمها الفتاك، تفتك بروح الجماعة وتنخر في جسم الأمة وكأنها «خرقاء وجدت صوفًا»: مثل يضرب للرجل الأحمق الذي يجد مالًا كثيرًا فيعيث فيه. فعلى القوى الخيرة الحريصة على سلامة هذا المجتمع أن تتيقن أنها لبناته وجزء منه لا غنى عنها، ومنها وبهـا تكوَّن هذا المجتمع، وأنها تتحمَّل النصيب الكبير في بناء حضارته، وأنه يوم يتساقط تحت معاول الغدر والدناءة تكون قد ساهمت في ضياع أمة أراد لها المولى جل وعز أن تكون «خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله».
أین نحن وإلی أین نسیر؟
فالكلمة الطيبة والقول الهادئ الرزين والنصـيحة الصادقة المخلصة يرسلها العبد المؤمن، لا يريد من ورائها جزاءً ولا شكورًا، ولا ينتظـر أن تدر عليه مغنمًا مما يتباهى به أولو المطامع من متع هذه الحياة، ربما أيقظت نفوسًا حائرة ونبَّهت أذهانًا شاردة غافلة، وأسمعت آذانًا ملأها الباطل بطنينه فأصمها عن سماع الحق حينًا من الدهر، أو اختلط عليها سبل الرشد، لا سيما و نحن أمة اجتمع عليها الباطل بجنوده، وأعد عدته منذ زمنٍ بعيدٍ واختط لنفسه منهجًا ملتويًا، وسار في طريقه شوطًا غير يسيرٍ، وحقَّق من آماله وأحلامه النصيب الأوفى مما يريد في وقتٍ كان میزان القوى كلها بجانبه، وكنا في شرقنا العربيّ المسلم نغط في سباتٍ عميق، فلما صحونا من غفوتنا وأخذنــا ننفض عن كواهلنا ما تراكم من الأتربة والأقذار عبر سنين طويلة، وجدنا أن كل شيءٍ حولنا على وجه الأرض قد تغيَّر وتبدلت معالمه، وأن الناس غير أولئك الذين كان عهدنا بهم، وكل شيءٍ ينطق بأننا غرباء عن عالمنا، فرجعنا إلى أنفسنا نسائلها: أین نحن، وإلی أين نسير، وفي أي زاويةٍ نحن منه اليوم، وكيف نلحق بالركب؟ وقد قطع من سيره أميالًا لا عدّ لها ولا حصر، واتجه بباصرتيه إلى الفضاء وامتطى ظهر جواده إلى القمر، وهو يهم أن يقبع على سطح المريخ، ونحن لا رق لنا فيه ولا جل. كل هذه حقائق وآیاتها شواهد نواطق تنطق بالحق وتقول بالصدق الذي لا مراء فيه ولا يجادل فيه إلا من آثر الذلة والاستكانة. قد علم كل ذي لب أن إنكار الحقائق دلالة الجهل، وأن التشكيك في المسلمات والبدهيات علامة البلادة، وأن التوقف في الضروريات ينذر بعاقبة وخيمة وشر مستطير. أمام هذا كله وقفنا نتلمَّس الطريق، ونستطلع الخبر، ونستشف الأنباء، ونستنصح كل قادمٍ، ونستهدي کل آیب، وكنا بذلك كما قيل:
المستجير بعمر عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار.
فعندها تحقَّق لعدو الله وعدونا كل ما أَمِل، فقد انقدنا له طواعية وسلَّمنا زمامنا اختيارًا، وفتحنا له ما كان مستغلقًا لا يسهل اقتحامه -عقولنا وقلوبنا- وهما أعز ما نملك وأعز ما تملكه أيَّة أُمَّة، والتفريط بهما تفريط في كل شيءٍ، وليس بعدهما ما يعتز به على مختلف المستويات، والتمكُّن منهما تمكُّن لشتى المقدرات، والاستيلاء عليهما استيلاء على كافة القوى في الأمة، وأن أي تحلُّلٍ أو انحلالٍ يحيق بالمجتمع، فإنها نتيجة طبيعية لفقدان الرشد، وعندها تستوي الأنوار والظلم، ويكون الغي والرشد کكفتي میزان، ويصعب التمييز بين الضر والنفع والخير والشر والحسن والقبح، ولا يبالي الإنسان ما اكتسبت يداه، وإذا طال هذا العهد وتطاول، فهو نذير شؤم يحمل معه الدمار والخراب:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالقيم العلمية والأخلاقية في الحضارة الإسلامية.. الدين والحياة وجهان لعملة واحدة
نشر في العدد 1811
42
السبت 19-يوليو-2008
العادات الاجتماعية بالدول العربية وتأثيرها على زواج الشباب
نشر في العدد 2180
150
الخميس 01-يونيو-2023