; خصائص المجتمع المسلم - عدد 6 | مجلة المجتمع

العنوان خصائص المجتمع المسلم - عدد 6

الكاتب أ. عبد الله محمد عبد الله

تاريخ النشر الثلاثاء 21-أبريل-1970

مشاهدات 29

نشر في العدد 6

نشر في الصفحة 9

الثلاثاء 21-أبريل-1970

أوشك هذا التعليم أن يجردنا من قيمنا، فقد أفسد أذواقنا، ولَبَّسَ علينا دروب الحق، وطعننا وكانت طعنة نجلاء دامية.

التربية والتعليم والمؤسسات التعليمية في بلادنا العربية والإسلامية. المفهومات الصحيحة للكلمات: التربية والتعليم والثقافة.

فَطَعَنَّا من الدرج الذي رُقِّينَا عليه سُلَّمتين ولمَّا يحن بعد الوصول إلى ما أردنا أن نبتدئ منه مسيرنا، ومشكلة التعليم هي الشغل الشاغل لكثير من رجالات العروبة والإسلام، فقد عَزَّ عليهم أن يروا أمتهم لا تزال تتنكب الصراط السوي على عظم الهول الذي ألمّ بها، وكأن هذه الدروس والعبر جميعها لم تكن كافية لكي يتحرك فيها الإحساس بهذا المصير المخزي، ويدب فيها الشعور بالذنب أو بالواجب، وكأنها أصرت إلا أن تكون عبرة لغيرها، وكان العهد بها أن تتعظ بغيرها، لا أن تكون لغيرها موضع العظة والاعتبار، فاعتبروا يا أولي الأبصار!

و لمؤسساتنا التعليمية بمختلف مستوياتها وضروبها رسالة، وعليها أن تبلغها للناس بيضاء نقية، ورسالتها العلم، والعلم سلاح، ومن السلاح ما هو صالح ومنه ما هو فاسد، والذي يمسك بهذا السلاح إما أن يكون عارفًا بطرق استعماله متقنًا لها، وإما أن يكون جاهلًا بالجميع، ثم الإتقان وحده غير كاف لكي تؤتى ثمرته و تتحقق نتائجه، فلا بد من نظرة أخرى إلى حامل هذا السلاح، فإما أن يكون قوي الشكيمة رابط الجأش مقدامًا، وإما أن يكون رعديدًا جبانًا تخور قواه وترتعد فرائصه ولما يلتحم الرجال ويتنازل الأقران! والممدوح المفيد من كل ذلك سلاح صالح بكف البطل، ووزارات التربية والتعليم بكل أجهزتها وجيوشها -في البلاد العربية والإسلامية- لا تزال قابعة في مرابضها  لا تريد أن تتحرك، كما لا تريد أن يحركها أحد، وكأنها أسود أَبَت أن تنقاد لمروضها، فكلما اقترب منها أو أشار إليها كشرت له أنيابها فارتد على عقبيه، ولا يزال هذا دأبه وديدنه معها حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.

المدلول اللغوي لكلمات التركيب

ولأمر ما شاءت الأقدار أن تتبدل الأسماء، وتبقى المسميات كما كانت خاوية من دلالاتها عليها غير خاوية لمضامينها اللغوية وأعماقها التي يتوقف عليها مستقبل أمة تحسن التطبيق فترتفع من الحضيض إلى أعلى السِماكين، أو تنحط وتتهاوى إلى قعر مظلمة تظل تهوى بها إلى أن تتلاشى فلا يحس بها أحد أو يسمع لها ركزًا.

وكلمة وزارة في لسان العرب تعني الولاية، وهي مشتقة من الوزر بفتحتين ومعناها الثقل والملجأ، يقال: وزر أي حمل، ومنه الوزير لأنه يحمل عن ولي الأمر ثقل التدبير، قال تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ (سورة فاطر الآية 18) أي لا تحمل حاملة حمل أخرى.

وأما التربية والتعليم، فهما كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن وإلى كل نفس مؤمنة، وإلى قلب كل مخلص غيور يعز عليه أن يرى أمته تتيه في متاهات لا يعرف ليلها من نهارها بعد أن طال أمد هذا التيه، وظن بها الظنون، وبلغت القلوب الحناجر، وقد بلغ السيل الزبى، وجاوز الحزام الطُّبْيَين.

والتربية في الأصل العناية بالناشئة، وتعهدهم بالرعاية، وتوفير ما يلزمهم من غذاء وغيره، وتتشعب إلى عدة معان کالإصلاح والتقويم وغيرهما، قال صفوان بن أمية لأبي سفيان: لأن يربيني رجل من قريش أحب إلي من أن يربيني رجل من هوازن: أي يكفلني ويجعلني تحت رعايته وعنايته، قال علقمة بن عبدة:

وكنت امرءا أفضت إليك ربابتي، وقبلك ربتني فضعت ربوب، أي: انتهى إليك الآن ربابتي وكفالتي بعد أن رباني قبلك ربوب، فلم يتعهدوني ولم يصلحوا شأني، والتعليم مصدر علم بالتضعيف وتفيد توصيل العلوم والمعارف إلى أذهان وقلوب الناشئة؛ بغية تهذيبهم وتقويمهم والأخذ بأيديهم إلى مدارج السمو والكمال. ترى مبلغ ما تحتويه هذه الكلمات الثلاث من معان تبلغ في خطورتها حدًا يقصر التنبؤ بآثارها ونتائجها أدق المراصد والعقول العاملة بها في أكبر الدول تقدمًا وعلمًا وبراعًة، وإذا أردنا تقريب هذه المعاني الجليلة إلى أذهاننا وعقولنا لقلنا إنها المكان الذي يتولى مهمة إعداد المواطنين الصالحين العلماء، مطلقين كلمة المعلم عن كل تقييد يحصر دائرتها ويخصص عمومها؛ لأن التخصيص والتقييد لا يخدم طموح أمتنا، ولا الآفاق التي تروم اقتحامها، وإجلاء أسرارها، وطرق ما استغلق منها؛ لأننا نعلم جيدا أن العلم ليس له وطن يقف عند حدوده لا يتجاوزه إلا ببطاقة مرور؛ لأنه ملك الإنسان أينما كان  وحيثما وجد. ولا يوجد مجتمع بشري خطا على ظهر البسيطة لم يقم بدور -قل أو كثر- في استجلاء مغلقه، وتقريب فصوله، وجمع مسائله. كل بقدر طاقته وحسب إمكانياته وما توافر لديه في حينه من أسباب.

 

العلم والثقافة :

ولعل مؤسساتنا التربوية والتعليمية لا يختلط عليها مدلول كلمتي العلم والثقافة، فالثقافة شيء آخر تضيق دائرتها وتنحصر في محيط بعينه لا يتجاوزه إلى غيره، فهي تاريخ أمة وحضارتها ومرآة يشاهد بها آدابها ومقوماتها وأسلوب تفكيرها وحكم عدل لها أو عليها، فهي لسانها الناطق وقلبها الخافق وحيويتها المتجددة على مدى الأزمان والدهور.

وأمتنا العربية المسلمة لها تراث وحضارة، ولها أدب وثقافة نابعة من صميمها، صادرة من أعماقها، لها سماتها وملامحها وخصائصها التي تميزها عمن عداها من الأمم والشعوب. وهي ثمرة جهاد وإبداع خلقها الآباء وتوارثها الأبناء؛ حتى وصلت إلينا فيما وصل أو قُدِّرَ له أن يصل سليمًا من الأيدي التي ما فتئت تعمل على تشويه كل ما يمت إلى العرب والعربية بصلة.

 

الغزو الفكري لبلاد المسلمين

 وكان عصر النهضة العلمية أو الثورة الصناعية كما يقولون، وأخذت أفواج من الأمم تتدفق على شرقنا العربي المسلم وكل في مخيلته غاية وفي فكره هدف وفي قلبه نوازع ما برحت تعمل بكل قواها بجد لا يعرف الكلل وحزم لا يعرف اللين، ويَسَّرَ عليهم كثيرًا من الجهد والعناء ما كان عليه حال المسلمين في تلك الحقبة من الزمن الذي يشبه النوم، فارتُكِبَت جرائم عفت آثارها ورسومها، بل أتقنوا كيف يخفون معالمها، ويُثْبِتُونَ بُعدهم عن مسارحها.

ولعل فيما كتبه الأستاذ جب الإنكليزي ما يُقَرِّب لنا هذا الصنيع من أبناء جلدته فيقول: «إن أهم ظاهرة بدت في البلاد الإسلامية منذ القرن العشرين هي إنها لا تقتفي أثر المدنية الغربية فحسب، بل ترغب في ذلك الاقتفاء. ولقد يصعب أن نجد أمة إسلامية واحدة قد رفضت عوامل المدنية الغربية رفضًا تامًا في كل منحى من مناحي حياتها وتفكيرها. فلم نرَ زعيمًا إسلاميًا قد نهض ينادي بما ينادي به غاندي من إشهار الحرب على المدنية «الشيطانية»، بل على العكس من ذلك وعلى الرغم من وفرة النقد الموجه «من المسلمين» إلى فروع المدنية «المادية» ينادي كل زعيم بأن حزبه يرمي إلى إدارة شؤون بلاده السياسية والاقتصادية على الأساليب الغربية، وأول مرحلة كانت بالتقليد والاقتباس من الأوضاع الظاهرية للمدنية الغربية، وقد بدأ ذلك باقتباس الأسلحة والفنون الحربية منذ أكثر من قرن في بعض البلاد الإسلامية، وقد تلا ذلك عادة -وليس دائمًا- اقتباس الزي الغربي، وفي بعض البلاد تناول ذلك هندسة البناء والأثاث والعادات الاجتماعية».

شهادة صدق يا مستر جب : لم تضف جديدًا، ولم نقل إلا الحق، ولم نأت بما ينكره الناس عليك، وإن كان في تعبيرك بعض التحفظات يمليه عليك الواجب فقد أسندت كل ذلك إلى المسلمين أنفسهم، وكانت الأمانة تقضي أن تقول إن أمتك استطاعت أن تغزو الفكر العربي والإسلامي في عقر داره، ونجحت في ذلك أيما نجاح، وتسوق شهادتك بعد ذلك كأدلة وبراهين، لعلنا نعي ونتدبر.

الرابط المختصر :