; خصائص المجتمع المسلم - 2 | مجلة المجتمع

العنوان خصائص المجتمع المسلم - 2

الكاتب أ. عبد الله محمد عبد الله

تاريخ النشر الثلاثاء 14-أبريل-1970

مشاهدات 18

نشر في العدد 5

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 14-أبريل-1970

خصائص المجتمع المسلم

بقلم الأستاذ: عبد الله محمد عبد الله

انتهينا في عرضنا السابق إلى إن أعداءنا تمكّنوا من فرض زيفهم وإلحادهم على الأمة المسلمة وترويج إفكهم وضلالهم في مجتمعاتنا المؤمنة ولـم يتوانوا في هدم ما أرادوا هدمه دون فتور أو قصور، وكان العامل الزمني خير معين لهم لتحقيق مآربهم، وجهل المسلمين بأنفسهم وجمودهم دون تحسین أحوالهم وترسيخ الخوف والرعب في قلوبهم وتحكم الاستبداد من ولاة أمورهم وقمع أية دعوة إصلاحية ووأدها في مَهدها قبل أن ترى النور، كل هذه عوامل مكَّنت المستعمر في تمكين وطأته وإحكام قبضته، ورأى التربة صالحة والمناخ مناسبًا لإلقاء بذوره – ولم تكن هذه البذور سوى زرع البلبلة والشكوك وفقدان الثقة، وألقى في روع الناس أن ما هم فيه من انحطاط وتخلف وجهل وفقر ومرض هو نكوصهم عن الأخذ بأسباب المدنية التي مكَّنت لهم في الأرض، وأخذت بأيديهم إلى ما هم عليه من قوة ومنعة – وأنهم إذا أرادوا اللحاق بهم والوقوف معهم على قدم المساواة فما عليهم إلا أن يمكنوهم من تربية جيل جديد من ناشئتهم على طريقتهم هم، ولم تكن طريقتهم في تبني ناشئتنا ذلك الحين إلّا أن يعموا عليه الحقائق ويبعدوه عن الهدى ويقيموا بينه وبين دينه وماضي أسلافه حائلًا يحول بينه وبين الرؤية المبصرة، وإن قدروا له أن ينظر فلا يرى إلا من خلال ضباب كثيف تتراءى له وكأنها أشباح لا روح فيها تخيف وتهول فلا يزداد إلا شكًا وارتيابًا في قومه ومدى قدرتهم على تحمل المشاق للوصول إلى الغاية وتحقيق الهدف وبقدر ما فقد من ثقته في بني قومه كانت ثقته بأساتذته ومعلميه، وبقدر ما فقدت أمته من احترامه وإجلاله كان إجلاله واعتزازه بمرشدیه، وأيقن الأعداء أنهم الدمى الطبيعة التي يُحرّكها فتتحرك، ويشير إليها فتسمع، ويومئ لها بطرفه فتطيع.

 وهكذا لم يترك المستعمر بلدًا وطأته قدماه ولم تبتل به أمة قدر لها أن ترزح تحت نير حكمه إلا وكان له فيها أثر فاضح يشير إليه بالتآمر ويفضـح أساليبه في التمدين، وكانت مدينته وبالًا على تلك الأمة ونقمة تجترع منها كؤوسًا مترعة على مدى الزمان.

 وما أبرع حكيم الإسلام شاعر الباكستان محمد إقبال عندما وصف جهل طاغية مصر وفرعونها في تقتيل مواليد بني إسرائيل عقب ولادتهم بغية الخلاص عليهم حفاظًا على سلطانه وبقاء مُلکه «هلَّا اهتديت بهدي الاستعمار في عصرنا. إذ سن لنا في مدارسنا مناهج ثقافية يحول بها أبناءنا عن طريقنا إلى طريقه. وعن مواصلة العمل بسننا إلى الإيمان بسننه وسجاياه. والعمل بهما حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل، حتى لو دخـــل الاستعمار جحر ضب لدخلوه من ورائه».

ونحن أمة العرب والإسلام لم نكن بدعًا من الأمم فإن ما جرى على غيرنا من أمم الأرض يجري بالنسبة لنـا فالأيام دول والدهر ذو غير، والسنون والأعوام تبليان الجديد وتلحقان الشبـاب بالمشيب، ولا يُنكر علينا أحد ما قمنا به وما أسديناه لأمم البسيطة من جلي الخدمات وإن ما ينعم به أهل هذا العصر من تقدم الاختراع وتطــور الاكتشاف فلنا فيه أثر يعترف به من يعترف ولا ينكره إلا حاقد وأثيم.

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد، وينكر الفم طعم الماء من سقم ولم تكن عبر تاريخنا الطويل إلا رواد حضارة وعشاق مجد وأبطال كفاح أخذًا بيد مظلوم وضربًا على يد ظالم وأرباب إيمان، وعقيدة وأصحاب خلق وشيم.

 فإن نبا بنا الدهر وجفانا الزمن واستأسد علينا من كان لا يستطيع الدفاع عن نفسه ويقصر دون الذود عن حياته، فما ذلك بباقٍ إلى الأبد وليل لن يطول غياب شمسه.

والمشاهد أنه كلما عصفت بأمتنا العواصف وتلاحقت عليها المِحَن وتكالبت عليها قوى الشر، وتجمّعت على الكيد لها عصبة البغي والعدوان قيَّض الله لها من يقيم لها أمورها ويلم شتاتها ويجمع شملها ويوحد كلمتها ويعيد لها أسباب الظفر ومتطلبات النصر.

ذلك وعد الله ولن يُخلف الله وعده والله غالب أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ومصداق ذلك من كتاب الله ومحــكم تنزيله أنه سبحانه وتعـالى أكّد أشد تأكيد بأنه يحفظ كتابه المنزل وأسند ذلك إلى نفسه -سبحانه- عن التغيير والتبديل فيه، ويصونه من أن يتطرق إليه الإفساد في نظمه والخلل في ترتيبه والحط والزيادة فيه بقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9).

 وحفظ كتابه بحفظ أهله الذين أُنزل بلغتهم ووجه إليهم أمره ونهيه ووعيده وحلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه، وكان المنزل عليه هذا الكتاب المكنون من أشرف بيوت العرب وأرفعهم نسبًا وأسماهم فضلًا وفخرًا وأول من كُلّف بتوجيه الدعوة إليهم هم قومه وعشيرته. ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (الشعراء: 214).

وأول من استجاب له وآمن بالذي جاء به إنما هم قومه وعشيرته فكانوا حملته والزائدين عنه والداعين إليه، بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيله وتحمّلوا التشريد وصبروا على المكاره وأوذوا حتى أتاهم اليقين، وما زالوا كذلك فهم الطليعة في كل زمان أمام كل زحف وكل طاغية جبار.

 وعلينا اليوم واجب لن يعفينا التاريخ عن تحمّل تبعته أمام الأجيال التي تأتي من بعد إلا بأدائه كما أن على كل ذي كلمة مسموعة وكل ذي يد مطاع في قومه أن يقوم بواجبه بأمانة وصدق يقين سيما وأن أمتنا ووطننا الحبيب جزء منها قد أخذ بأسباب التقدم العمراني أوفى نصيب، وأن ظل الاستعمار البغيض باب ينحسر إلى غير رجعة وأن مشكلة التعليم في بلادنا لا تزال تواجه عقبات كثيرة ولا يزال ينعكس عليها ظل ظليل من الأفكار الأجنبية والملامح الاستعمارية وآثاره بادية ظاهرة على عقليـات وطريقة تفكيرنا شئتنا بل والذين تلقّوا وأنهوا تلقيهم وآلت إليهم دفة الأداء والتلقين ومنصة الإرشاد والتعليم، وبات أثر ذلك جليًا واضحًا في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية في جميع الميادين اجتماعية وثقــافية وأخلاقية وتشريعية، وبات الأمل ضئيلًا في تغيير هذه الأوضاع إن لم تُسرع الأيدي الأمينـة وتتدارك الأمر قبل فواته وتعيد النظر من جديد في أنظمـة التعليم ومناهجه وأهدافه واضعين في اعتبارنا أن هذه المناهج التعليمية تثير من حولها الشكوك والشبهات لأن الأصابع الأجنبية واللمسات الأخـيرة عليه كانت تسيرها منذ أن كانت البلاد العربية ترزح تحت وطأته ممسكًا بخناقهم يحرم عليها استنشاق الهواء النقي ومذاق الشراب المرئي، ويوجهها إلى ما يراه لمصلحته ويضفي عليها طابعه حتى تسير في ركابه وتسايره في أغراضه وتنقاد لهواه.

ونحن اليوم على أبواب نهضة شاملة بترسيخ دعائم العلم والمساهمة الفعالة لخير البشرية والأخذ بيدها إلى السلام فقد تم إكمال حلقة التعليم في بلادنا فأُنشئت الجامعة التي سوف تكون بإذن الله موئلًا للعلم النافع والثقافة السليمة من الشوائب التي علقت بالجامعات الأخرى، وأن تكون مناهجها متجاوبة مع أهداف ديننا وتعاليمه، متجاوبة مع منجزات العلم الحديث غير مقتصرة على جوانبها النظرية والسفسطات الإغريقية التي لا تُجدي ولا تنفع فقد شبعت الأمة العربية من هذه الدراسات بجامعاتها العديدة منذ أكثر من قرن من الزمان لم تُقدّم خلالها لأمتها ما قدمتها الجامعات في الأمم الأخرى لدولها وما حققتها لشعوبها من تفوق ملموس واستكشاف محسوس وغوص على الحقائق وسعي حثيث للتفوق في المجالات النافعة مما حازت به تلك الشعوب قصب السبق على أمم وشعوب الأرض، فهل من مدكر!

الرابط المختصر :