العنوان خمس نفحات من شعاب مكة
الكاتب فيصل الزامل
تاريخ النشر الثلاثاء 20-أغسطس-1985
مشاهدات 18
نشر في العدد 730
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 20-أغسطس-1985
عندما تستمع إلى حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يسير في طريقه إلى الحج مع أبي بكر الصديق في حشد هائل من الصحابة في حجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما تسمعه يقول لأبي بكر «لكأني أرى موسى آخذًا بخطام ناقته يمر بين هذين الجبلين» فيسأله أبو بكر قائلًا: أو قد حج موسى يا رسول الله؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: ما من نبي إلا وقد حج.
عندما تسمع لهذا الحوار ينقله الخطباء في هذه الأيام الكريمة فإنك تتحسس نسائم موسم الحج الزكية فقد أذن يوم الحج الأكبر بالقدوم، بموكبه الجليل تحفه الملائكة وآيات الله الخالدات وتبجله جموع بالآلاف من الحجيج تهتز مع تكبيراتها أرجاء تهامة.
جبالها ووديانها وطرقها ومطاراتها وحواري مكة.. مكة.. مكة اسم لا تمل ترداده.
لقد طال الشوق إلى مكة محل البيت العتيق.
إن موسم الحج قد حل وحمل معه إلينا نفحة من روح الله إِنَّهُ ﴿لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (يوسف: 87)
-1-
ومن أبرز قبسات هذا النفح المبارك مقصد التسليم لله والاستسلام لأوامره ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ (الصافات:103-104-105-106-107).
-2-
والنفحة الثانية تتمثل في وحدة الصف بين آحاد الأمة ومجاميعها، هذه الوحدة التي أصيبت في الصميم بأيدي بسيطة الفقه وسهلة المدارك في عالم شديد التعقيد استخدم تلك البساطة لينفخ فيها.
فصرت ترى نفرًا من هذا الجيل قد ارتدى نظارة مركبة فهو لا يبصر الحسن ولا تقع عينه على ما يجمع وإذا سمع الحكمة من غيره تجاهلها وإن أبصر موقفًا حميدًا أشاح عنه، فإذا بلغه عن أحدهم أن فلانًا من الدعاة قال شيئًا يحتمل أمرين تهللت أساريره وانفرجت شفتاه عن ابتسامة صفراء كريهة.
وانطلق لسانه بتحليل عبقري وهذر يخلو من الرجولة فضلًا عن الورع فهو لا يواجه الراوي بالناقل بالمفتري عليه، بل يركب سيارته ليذيع ما سمعه في الآفاق فبئس أخو العشيرة هذا الشكل من الناس.
فليكن في نفحة موسم الحج المبارك ريحًا طيبة تبعد عن المسلمين تلك الميكروبات، فيبصر جميعنا بعين القسطاس والرحمة، فيهش لأخيه في الإسلام من أي جنسية كانت ويبصر محامده، فتنمو وتزيد ويحسن درء المفاسد بحكمة من أوتيها فقد أوتي خيرًا كثيرًا.
-3-
الأمر الثالث الذي يتكرر مع كل موسم حج هو ذاك التفاوت في أخذ العزيمة والرخصة في مناسك الحج فيفرط البعض ويفرط الآخر حتى صرنا نرى بعضهم يترك المبيت في مزدلفة ولا ينتظر حتى الحد الأدنى وهو منتصف الليل والذي رخص فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للضعفاء والنساء ومن يقوم عليهم أجمعين وحدث أن ترك «باص» مليء بالحجاج منطقة مزدلفة متوجهًا إلى الحرم قبل الساعة التاسعة مساء ووصل الحرم ووجده خاليًا وأمر الحجاج بالنزول لأداء طواف الإفاضة، وكاد أن يعبث بحجة القوم لولا امرأة مسلمة شجاعة أبت الانصياع وحرضت الناس عليه قائلة: «نحن لم نأت لنلعب بالمناسك ارجع بنا الآن إلى مزدلفة حتى نتجاوز منتصف الليل فيها».
إذن، هناك فرص عديدة لإرباك حجة المسلم بحجة التخفيف وهذا الخلط بين الرخصة والعبث مثل توكيل الرجل القادر لرجل آخر بالرجم نيابة عنه ونحوه، كل ذلك مما يتنافى مع صفة ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32) بل ويصل إلى خدش حجة المسلم وربما أبطلها والعياذ بالله فالله الله بنسك نبيكم خذوها عنه كما أمر.
-4-
الأمر الرابع أوجهه إلى الشباب وذوي الفضل من المال أو الصحة والسعة فإن في الحج فرصًا لا محدودة للأجر بإعانة عاجز وإنقاذ منكوب وسقاية ظامئ والتخفيف عن معسر وخاصة في مواضع معينة قد تقل فيها خدمات ضرورية ويبرز أصحاب الأريحية والسباق إلى الأجر كل ذلك في أيام قليلة هي أيام مباركات.
فإن في تلك المبادرات روحًا سامية تصيب إخوانًا لنا مسلمين يحملونها إلى بلادهم فيتناقلون شمائل الإسلام ويتذاكرون صفات إخوانهم المسلمين ربما لعمل بسيط تكون قد أديته لأحدهم فحفظه لك بين قومه وحفظه لك من لا يضيع عنده مثقال ذرة من خير.
-5-
الأمر الخامس يتمثل في ضرورة الإفادة من سائر أوقاتنا هناك بالاجتهاد في الدعاء واستشعار اليقين فيه فنتوجه إلى الله أيامنا كلها نسأله الخير لنا ولمسلمين حجزتهم أنظمة قاهرة وظروف قاسرة عن بلوغ هذه الفريضة.
فلنتذكر المجاهدين الصامدين فلنتوجه بالدعاء للمنكوبين والمرضى وجه سهام دعائك لأهداف كبيرة وثق بنصر الله واستجابته فإن قطرات دعائك إذا اجتمعت إلى قطرات أدعية الألوف المؤمنة في أرجاء المعمورة وغذاها اليقين والثقة برب العالمين فإنها تستحيل نهرًا دفاقًا يسيل على الأرض الظمأى فيرويها.
فإن أمتك المسلمة في ليل طال زمانه وما نراه بإذن الله إلا صائرًا إلى فجر قريب.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل