العنوان خواطر عن رحلة أبوللو (١٥)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 10-أغسطس-1971
مشاهدات 34
نشر في العدد 72
نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 10-أغسطس-1971
خواطر عن رحلة أبوللو (١٥)
أثارت رحلةُ أبوللو (١٥) _ ورحلاتُ الفضاء جميعًا تفجر طاقاتِ العقل وتستجيش الإيمانَ وتعمق اليقينَ بالله_ أثارت خواطرَ شتَّى، اصطدنا بعضَها فكان هذه الكلمات:
تُرَى لو عاش علماء الفلك المسلمون في هذه الأيام، كيف يكون موقفهم وشعورهم؟ في كتابها «شمسُ العرب تَسطُعُ على الإسلام» كتبت المؤلفة الألمانية «زيغريد هونكه» تقول: «لقد توصل فَلَكِيُّو بغداد في نهاية القرن العاشر إلى أقصى ما يمكن أن يتوصل إليه إنسانٌ في رَصْد السماء وما دار فيها من كواكبَ ونجومٍ بالعين المجردة إلى عدسات أو مكبرات، وعرفوا أن كل الأجسام السماوية بما فيها النجوم الثابتة لها أشِعَّةٌ خاصةٌ ترسلها ما عدا القمر الذي يأخذ نوره من الشمس، ولقد رسم عبد الرحمن الصوفي خريطة للسماء بدقة كبيرة حَسَبَ فيها مواضعَ النجوم الثابتة وأحجامَها من جديد مُقَدِّرًا -ما وسعه الأمر- درجةَ شعاع كل منها.
يقينًا لو عاش أولئك العلماء في أيامنا هذه وتهيأت لهم الإمكانات لكانوا أسبق إلى ارتياد الفضاء من غيرهم؛ لأنهم فعلًا وبوسائلَ متواضعةٍ سبقوا غيرَهم في رسم خريطة للكواكب والنجوم، ووراء طموحهم العلمي كانت تقف آيات بينات من القرآن الكريم تحُثُّهم على إحالة النظر في ملكوت السموات والأرض، وتفجر فيهم منطق الملاحظة، آيات مثل قوله سبحانه: ﴿قل انظروا ماذا في السماوات والأرض﴾ (يونس:101)، ويقول ابن كثير وهو يفسر هذه الآية: «يرشد الله عباده إلى التفكير في آلائه وما خلق الله في السموات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب مما في السموات من كواكب نيرات، ثوابت وسيارات، والشمس والقمر والليل والنهار».
وبالتأكيد لو أن ابن كثير عاش أيامَنا هذه لآثر التفصيل على التعميم، بمعنى أنه كان سيكتب صفحات مطولة في وصف رحلات الفضاء وسطح القمر بدلَ قوله العام «الآيات الباهرة».
وفي تفسير قوله سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ﴾ (الأعراف: 185) أورد ابن كثير حديثًا عجبًا، ففي رحلته المعجزة إلى سدرة المنتهى رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أقوامًا يعذبون، فقال: «ما هذا با جبريل؟ قال: هؤلاء الشياطين يحومون على أعين ابن آدم أن لا يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض ولولا ذلك لرأوا العجائب».
معنى ذلك أن التفكير في ملكوت السماوات والأرض من مقومات اليقين ومن أعظم القربات إلى الله، ومن الانتفاع بنعمة العقل؛ وأن إغماض الأعين عن هذه الآيات الكونية معصيةٌ، معصيةٌ؛ لأن ذلك من عمل الشيطان.
نقرأ هذا ونتفكر فيه فإذا عدنا إلى واقع العالم العربي المتخلف وجدنا أن الأبناء والأحفاد قد تخلفوا كثيرًا عن المستوى العلمي الذي وصل إليه الآباء والأجداد، مع مراعاة التفاوت في التقدم العلمي بين الأمس واليوم.
• ومن هذه الخواطر أن أجهزة الإعلام في العالم العربي اهتمت صورةً وكلامًا بمتابعة أخبار ورحلات «جورجينا رزق» ملكة جمال العالم كما يقال، لقد ازدحمت الصحف والمجلات بصورها، وبمقالات مطولة عن حياتها وأفكارها أيضًا، بل قالت إحدى الصحف: «إن فوز جورجينا بلقب ملكة جمال العالم انتصار ضخم للعالم العربي»، أما رحلات الفضاء، وهذه الخطوات العلمية الرائعة فإنها تأتي في الدرجة الرابعة أو الخامسة بعد أخبار جورجينا رزق، ومع ذلك يتحدثون عن التقدمية والتطور.
إن الهُوَّةَ بيننا وبين العالم المتقدم مخيفةٌ، ولاحياة لنا في المستقبل ما لم نركض -بقوة وسرعة- لكي نُحرِزَ أنصِبَةً أوفَى من التقدم العلمي، وللإعلام في هذا المجال دور كبير وهام؛ لأن الإعلام هو الذي يقود اهتمامات الناس ويشد انتباههم إلى هدف ما.
بَيْدَ أن الإعلام العربي منشغل بأمور أخرى، منشغل بنشر الخلاعة، وملكات الجمال، والشتائم، وسَفاسِف الحياة، وهو يتعمد أن ينقُل إلينا الجانب البائس من حياة الغرب، جانبَ الانحطاط الفكري والخلقي، إذا كان قد فات هذا الجيلَ نصيبٌ كبيرٌ من النهضة العلمية فينبغي ألا ننقُل هذا الميراث الثقيل إلى الأجيال القادمة، ولكي نلحق برَكْب التقدم العلمي ونساهم فيه بفَعَّاليَّة مُشَرِّفة ونحيا في جوِّه الرائع علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فالطريق أمامَنا ممهدةٌ بعد أن أصبح العلم متاحًا للجميع، ولا يستطيع أحد أن يزعم أن العربي يولد ملفوفًا في الغباوة، وأن تركيبه العقلي مدموغ بالتخلف دون أولاد العالم، ولكي نبدأ من حيث انتهى الآخرون ينبغي أن نتناول الأمر من أساسه، من الإنسان وهو طفل.
إن توجيه الأطفال عندنا متخلف جدًّا، ونَطَّلِعُ على بعض مجلات الأطفال فنجد توجيهًا متخلفًا، وتدريبًا للأطفال على الاهتمامات الهابطة، فهناك سَرْدٌ للتاريخ الفرعوني، ووصفٌ لعبادة الفراعنة، فماذا يعني ذلك وما الفائدة منه؟
وهناك إغراء للأطفال منذ الصغر على المُضِيِّ في طريق جيل الهزيمة الذي انشغل بالفنانين والفنانات، والممثلين والممثلات، فتخلف عقليًّا وخلقيًّا، فأضاع القدس، وأورثنا المذلة والهوان، ففي بعض مجلات الأطفال تنشر صورة لإحدى الفنانات في شكل قطع متفرقة، والمطلوب من الطفل أن يجمع هذه القطع ويحولها إلى صورة متكاملة لكي يتعرف على الفنانة ويصبح بهذا العمل عبقريًّا ذكيًّا متفوقًا.
إنه إصرار على التخلف، ونقل لمواريث الجهل إلى الأجيال القادمة في عصر تجاوز فيه الإنسان الأرضي إلى كواكب أخرى.
والتلفزيون الكويتي لماذا يَشغَل الأطفالَ بأفلام الرعب والشراسة ويَشغَل الأسرةَ كلها بالجانب المتخلف من الحياة؟
إن رحلة أبوللو (١٥) ورحلات الفضاء جميعًا توجب علينا إعادة النظر في برامج التربية وفي برامج الإعلام.
إن على التلفزيون أن يقدم للأطفال أفلامًا محببةً مبسطةً عن رحلات الفضاء، ويُكَوِّنَ لديهم عادة التنافس على جمع صور الفضاء ومتابعة أنبائه، وجمع المعلومات العلمية بشكل عام، وإن لم يفعل فإنه ليس مُتَّهَمًا بالتسبب في التخلف الخلقي فحسب، وإنما أيضًا هو مُتَّهَمٌ بالتسبب في التخلف العقلي لدى الناشئة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
ناشطون روهنجيا لـ«المجتمع»: يقتلوننا بدوافع عرقية ودينية وسياسية.. ثم يتهموننا بالإرهاب!
نشر في العدد 2112
21
الأحد 01-أكتوبر-2017

