; صفحات من دفتر الذكريات (٧٥).. خيضر.. وحركة «فتح» | مجلة المجتمع

العنوان صفحات من دفتر الذكريات (٧٥).. خيضر.. وحركة «فتح»

الكاتب الدكتور توفيق الشاوي

تاريخ النشر الثلاثاء 28-نوفمبر-1995

مشاهدات 13

نشر في العدد 1177

نشر في الصفحة 56

الثلاثاء 28-نوفمبر-1995

 في عام 1965م جاءني ياسر عرفات إلى المغرب حتى أساعده في بداية نشأة حركة «فتح».

عندما كنا في مصر في نهاية عام ١٩٦٢م، قال لي محمد خيضر: تعال معي نزور صديقي جمال عرفات الذي تعرف عليه وأصبح صديقًا له أثناء إقامته بمصر قبل الثورة وأثناءها، وأنا أيضًا كنت أعرف جمال عرفات لأنه كان يتردد على دار «الإخوان المسلمون» وكان له نشاط إسلامي من خلال إحدى الجمعيات الإسلامية التي يرأسها الشيخ «عبد اللطيف دراز» صهر الباقوري، وكان مقرها قريبًا من شارع طلعت حرب الذي يوجد به مكتبي، وسارع خيضر فاتصل به تليفونيًا من دار الضيافة التي نزلنا بها -واتفق معه على موعد- وذهبت معه لزيارة جمال عرفات في منزله، وكان يسكن في شقة في منشية البكري في مواجهة المقر الذي كان يسكنه جمال عبد الناصر في ذلك الوقت، وأثناء حديثنا قال لمحمد خيضر إن أخي ياسر عرفات وجماعته الآن في الكويت، ولابد أن تلقاهم، لأن عندهم كلام كثير يريدون أن ينقلوه لك، وأرجو أن تستمع لهم وأن تتفاهم معهم، وأنهم يريدون إنشاء منظمة «فتح» لإحياء القضية الفلسطينية، وأن يعتمدوا على أنفسهم، وأن يقتدوا بالجزائر في أن يدخلوا باب الكفاح المسلح، وأعطانا التليفون وعناوين أخيه ياسر وأصدقائه هناك.

في الكويت جاء وفد من الفلسطينيين، ولا أذكر إذا كان من بينهم ياسر عرفات أم لا، ولكنهم من الجماعة الذين أسسوا منظمة فتح، وقد جلسوا معنا جلسة طويلة، وقالوا لخيضر: نحن جئنا لك لأننا نريد أن نأتي إلى الجزائر نتعلم من إخواننا الجزائريين فنون العمل الفدائي والمقاومة لكي نبدأ هذا العمل في فلسطين، وأن نقتدي بكم، وإن كانت فرنسا قد خرجت بعد مائة سنة، علينا أن نستعد للكفاح ضد إسرائيل حتى ولو استمر مثل هذه المدة.

قال لهم محمد خيضر: أنا مسؤول عن الحزب، وإنني أقر لكم بأني سأضع كل إمكانيات الحزب تحت تصرفكم، وما عليكم إلا أن ترسلوا وفدًا منكم إلى الجزائر، وأنا سأعمل لكم ما تريدون، وأنا شخصيًا أثق في جمال عرفات، وأقترح أن ترسلوه هو، وأستطيع أن أتفاهم معه، وأُعد لكم ما تريدون لإقامة معسكر تدريب، وأنا أنفق عليه من جميع النواحي من صندوق جبهة التحرير الجزائرية - وهذه هي البداية.

بعد ذلك لما ذهبنا إلى الأردن أيضًا، كانت تأتينا وفود من قِبَل جماعة «فتح» وأصدقاء ياسر عرفات وكانوا يتحدثون معنا، وكان محمد خيضر مخلصًا وصادقًا في أنه يريد أن يتبنى قضية فتح والكفاح الفلسطيني، وأسرّ إلي عدة مرات بأنه إذا كان ولابد من توجيه أموال جبهة التحرير خارج الجزائر لقضايا التحرير الوطني، فستكون قضية فلسطين هي الأولى، وهذا كان بداية اتجاه لابد من أن أسجله للتاريخ، لأنني أعتقد على خلاف ما يظنه الكثيرون الذي يتبادر إلى ذهنهم أن اغتيال محمد خيضر كان من تدبير بعض الجزائريين بسبب المال، في حين إنني أول ما تبادر إلى ذهني هو أن هناك جهات خارجية ساهمت في هذا ودبرته واستفادت منه، وأن الجهات التي تآمرت عليه كانت لها علاقة بالمنظمات الصهيونية أو الماسونية بسبب اتجاهه لدعم الجهاد الفلسطيني بأموال جبهة التحرير، كما سأوضحه فيما بعد.

كان محمد خيضر يلتقي بي كثيرًا كلما جاء للمغرب بعد خروجه من الجزائر، وكنت لا أسأله عن قضية الخلافات والأموال، وكان يذكر بين الحين والآخر على سبيل الشكوى من بن بيلا أو بومدين أو من غيرهما أنهم بعد أن أخذوا الدولة والحكم والجيش وكل شيء، ولم يبق له إلا الحزب، والآن يريدون أن يخرجوه من الحزب ويسيطروا عليه بحجة أنهم يريدون أموال الحزب، وقال لي عدة مرات إنه يفكر في أن هذا المال الذي تبرع به العرب والمسلمون للثورة الجزائرية لابد أن يوجه إلى كل الثورات والحركات التحريرية، إذ إن ثورة الجزائر قد انتهت بالنجاح واستقلال الجزائر، فما يفي من هذا المال يجب أن يُخصص للعمل والجهاد في فلسطين وفي غيرها من البلاد العربية أو الإفريقية، وكثيرًا ما ردد لي هذا وسألني عن رأيي، وكنت أوافقه بشرط أن يكون التصرف بقرار من الحزب - وسأذكر القصة فيما بعد.

دور خيضر في دعم فلسطين

واستكمالًا لعلاقة خيضر بحركة «فتح» أذكر مرحلتين:

المرحلة الأولى: في الجزائر بعد عودتنا من رحلة المشرق،

والمرحلة الثانية: بعد خروجه من الجزائر، فعندما عدنا للجزائر بعد زيارة البلاد العربية جاء إلى هناك جمال عرفات ومعه عدد من الفلسطينيين، وقال لهم محمد خيضر إنني سأرتب لكم معسكرًا تجرون فيه ما تريدون من تدريبات، وأتولى باعتباري أمينًا عامًا للحزب تمويل كل طلباتكم، وأعطاهم مكتبًا ومعسكرًا. وأوصى بهم عددًا من ضباط الجيش والمجاهدين الذين كانوا يتولون تدريبهم، وكانوا يترددون علينا في المكتب السياسي، وكنت أنا شاهد على ذلك، وطبعًا لم أشعر بأن بن بيلا أو غيره له رأي آخر في هذا الموضوع، ولم تتح لي فرصة لكي أتحدث معهم فيه، لأنه كان شيئًا طبيعيًا أن تكون هناك علاقة بين حزب جبهة التحرير وحركة فتح، ولكن مما لا شك فيه أنه كان هناك استخبارات مصرية، وفرنسية وجزائرية كلها كانت تتابع هذا الموضوع بوسائل مختلفة، ولكلٍ منها أهدافه.

النقطة الثانية هو أنه بعد خروجي من الجزائر، وأظنه كان العام التالي ١٩٦٤م

فوجئت بمحمد خيضر أيضًا خرج من الجزائر وجاء إلى المغرب وسألته لماذا خرج، وقال: إنني خرجت ولن أعود إلى الجزائر طالما هم يريدون الإستيلاء على هذا المال، ويهددوني بوسيلة أو بأخرى، ولما سألته عما فعل مع الفلسطينيين قال لي: إنني قبل خروجي من الجزائر آخر شيء عملته هو أنني استدعيت مندوب فتح «الفلسطينيين» وأعطيتهم نفقاتهم للمعسكر والمكتب لمدة سنتين، وقلت لهم: هذا لمدة سنتين، فإذا أراد الله أن أعود فسأستأنف، وإذا لم أعد فأنا سوف أقوم بالواجب بالخارج كما هو بالداخل - وهذه هي النقطة الثانية.

بداية الكفاح المسلح

النقطة الثالثة أنه في عام ١٩٦٥م عندما بدأت فتح العمل الفدائي عن طريق منظمة العاصفة التي كانت بدأت العمل في ١٩٦٥م وكنت في المغرب في ذلك الوقت، فوجئت باتصال تليفوني من صديقي الدكتور عز الدين إبراهيم الذي كان في قطر، وكان يكلمني على ما أظن من بيروت أو لندن، وقال لي: إن صديقًا لنا من الفلسطينيين سيحضر لك بخطاب مني، فأرجو أن تهتم به، وإنني أعطيته تليفونك وعنوانك، وكان هذا الصديق الذي جاني هو ياسر عرفات، ولم أكن أتذكر أنني التقيت به من قبل، وجاءني إلى منزلي وحكى لي قصة إنشاء «فتح»، وإنشاء «العاصفة» قال: إنه كان طالبًا في كلية الهندسة بجامعة القاهرة وتدرب في معسكرات الإخوان للعمل في القنال، وكان يرى أن استقلال الجزائر وانتصارها فرصة للفلسطينيين لكي يسيروا في هذا الطريق، وأن العاصفة بدأت فعلًا العمل في فلسطين، وقدم لي ملفًا كاملًا يحتوي على جميع أعداد مجلة «فتح» وجميع منشورات العاصفة، وقال لي: إنني جئت لكي تساعدني في اتصالات مع مسؤولين من المغاربة، وغيرهم الذين لديهم استعداد لمساعدة الثورة الفلسطينية، وفعلًا قمت بتقديمه إلى أصدقائي المغاربة، ومنهم الدكتور عبد الكريم الخطيب الذي قام باللازم نحو الاتصال بالملِك وغيره من أعضاء الحكومة.

وكان ياسر عرفات مسرورًا جدًا من النتائج التي وصل إليها مع هؤلاء حيث إنه وجد تشجيعًا لم يكن يتوقعه، وأنا شخصيًا لم أكن أتوقعه، وحتى هذه اللحظة لا أعرف كيف وقع هذا، ولكن ربما كان شيئًا إلهيًا، وعرفت منه أنه كان له طلبات معينة لا أريد أن أذكرها الآن، لأني لست في حِل من ذلك، ولأن الذين قاموا بهذا الدور ما زالوا أحياء وهذا شأنهم إذا أرادوا أن يتكلموا عنه، إنما المهم أن ياسر عرفات أنبأني أنه حصل على أكثر مما كان يتوقع، بل أكثر مما كان يطلب من الحكومة المغربية ومن الملِك الحسن الثاني بصفة خاصة، وللآن لم أعرف السر في ذلك، وكان دوري فقط هو إنني قدمته لعبد الكريم الخطيب، أما الباقي فقد قام به الدكتور عبد الكريم الخطيب وإخوانه، وهو كان متحمسًا لقضية فلسطين وقضية الجزائر أكثر مني، لأن أصله جزائري، وقد ذكرتُ من قبل أنه عندما جاء إلى مصر عقب استقلال المغرب مباشرة أوصيته على قضية الجزائر والآن أوصيه بقضية فلسطين، وكنت واثقًا أن العاطفة الإسلامية عنده عميقة وقوية، وهي أساس حماسه للكفاح الفلسطيني، وهذا فيما يتعلق بتقديم ياسر عرفات المغاربة، أما فيما يتعلق بالجزائريين فإن خيضر لم يكن هناك، ولكني قلت لياسر عرفات إنني سوف أعمل اللازم عندما التقي به وأبلغه رسالتك، ولست في حاجة إلى أن تلقاه، لأنني أعرف شعوره نحو قضية فلسطين وما قدم لها، وما ينوي تقديمه وفعلًا عاد ياسر عرفات إلى الشرق، وانتظرت حتى جاء خيضر من رحلة في الخارج، وزارتي في المغرب، وحكيتُ له عن زيارة ياسر عرفات وما طلبه وقال: هذا ما كنت أنتظره، وسوف أستعد وأسلمك ما يمكن أن تقدمه الآن، وعليك أن توصله، واتفقنا على موعد وكان في صيف ١٩٦٥م.

التقيت بمحمد خيضر في مدريد وذهبنا معًا إلى جنيف، وأحضر مبلغًا من المال وقال: عليك أن توصله إلى جماعة فتح، وفعلًا ذهبت بهذا المبلغ إلى بيروت وسلمته إلى الدكتور عز الدين ليوصله إلى أمين صندوق فتح، وأذكر أن اسمه كان توفيق أو عز الدين، وأحضر لي الدكتور عز الدين إيصالًا بتوقيع ياسر عرفات شخصيًا حملته وذهبتُ به إلى خيضر، واطّلع عليه وطلب مني أن أحفظه عندي، ومازال هذا الإيصال عندي حتى اليوم، ومستعد أن أقدمه عند اللزوم، ولم يكن هذا إلا الدفعة الأولى، وأنا كان في اعتقادي أن محمد خيضر كان مصممًا على أن يوالي تمويل الثورة الفلسطينية ولو اقتضى الأمر أن ينفق جميع هذا المبلغ المتنازع عليه الخاص بجبهة التحرير على الثورة الفلسطينية أو غيرها من الحركات التحررية إذا لم يجد حلًا آخر يتفق عليه الجزائريون دون أن يستغل لدعم أحد مراكز القوة المتصارعة على السُلطة في الجزائر.

لابد أن أقول أن الشيء الوحيد الذي طلبته منه عندما أخبرني بأنه لن يعود إلى الجزائر لأنه لا يريد تسليم المال إلى بن بيلا أو بومدين بحجة الجيش أو الحكومة، لأنه مال الحزب وليس مال الحكومة، ولا مال الجيش قلت له: إنني أشترط عليك إذًا أن تكون منطقيًا، وألا تستغل هذا المال في تكوين جبهة معارضة للحكومة، تكوّنها أنت وحدك أو مع غيرك من أفراد المعارضة، فإذا كنت لا تعطيه للحكومة لأنه قد يستغل لغرض شخصي لــ «بن بيلا أو بومدين»، فلا يجوز أن تستعمله أنت لغرض شخصي للمعارضة لمقاومة حكومة بن بيلا وجماعته أو غيرهم، هذا هو الشرط الوحيد الذي أطلبه منك، وقد عاهدني على ذلك وألتزم به فترة، ولكن بكل أسف بعد مدة التف حوله عدد من المعارضين واستعملوا وسائل التهديد والابتزاز، وأخبرني أنه أعطى «فُلانًا» كذا، و «فُلانًا» كذا. وذكر لي أسماء الجهات المعارضة التي حصلت منه على جزء من هذه الأموال، منهم حسين آية أحمد، وأبوضياف، ولم يقف الأمر عند هذا، بل إن بعض الأفراد أيضًا انتهزوا هذه الفرصة، وصاروا يتقدمون له بوسائل التهديد والابتزاز، وأعتقد أن الذي قتله هو أحد هؤلاء الأفراد الذي كان يطالبه بمال له شخصيًا ويبتزه، وربما كانت هناك جهة هي التي حَرّضته وسَخّرته لهذا، ودفعته للاغتيال فيما بعد، وقد تكون عدة جهات وأنا في اعتقادي أن إحدى هذه الجهات كانت تقصد بالذات منع الخطة التي سار فيها وهي تمويل الثورة الفلسطينية وتأييدها.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

المدرس الذي حول القلم إلى بندقية

نشر في العدد 28

21

الثلاثاء 22-سبتمبر-1970

محليات (190)

نشر في العدد 190

24

الثلاثاء 05-مارس-1974

العالم الإسلامي (186)

نشر في العدد 186

10

الثلاثاء 05-فبراير-1974