; دعاوى تحرير المرأة.. بين الحرية المنشودة والنصوص المعصومة | مجلة المجتمع

العنوان دعاوى تحرير المرأة.. بين الحرية المنشودة والنصوص المعصومة

الكاتب أحمد سليمان

تاريخ النشر السبت 01-سبتمبر-2018

مشاهدات 21

نشر في العدد 2123

نشر في الصفحة 14

السبت 01-سبتمبر-2018

دعاوى تحرير المرأة.. بين الحرية المنشودة والنصوص المعصومة

البعض يلوي أعناق النصوص لتتوافق مع بعض الأغراض السياسة أو الاجتماعية الخاصة

يجب عدم التستر وراء خصائص الشريعة من المرونة وتغير الفتوى للطعن في عدل الله تعالى

الإسلام جعل المرأة قسيم الرجل في الفضل على البشرية ومعه على قدم المساواة في انتساب البشر إليهما

علماء المسيحية قرروا أن تكون قسمة الميراث بين الجنسين بالحب فآلت إلى الكراهية والطمع

وجدت المرأة أخيراً خطاباً من الله جل جلاله إليها مباشرة يحدثها ويكرمها ويكلفها

 

أحمد سليمان

باحث في الشريعة الإسلامية

 

لم تكن في يوم من الأيام الممارسات الخاطئة ضد المرأة وليدة الفهم الصحيح لنصوص القرآن الكريم ولا السُّنة النبوية المطهرة، بل ولا أي نص إلهي سابق عليهما لم يطله التحريف، وإنما وليدة الانحراف عنهما انحرافاً ناتجاً عن الفهم الخاطئ أو الهوى المتبع الذي يعمد إلى النصوص فيلوي أعناقها لتتوافق مع أغراض السياسة أو أغراض المجتمعات.

المسلم الذي ينطلق من الإيمان بعدالة الله، وأن كل خلقه عنده سواسية يسوسهم جل شأنه بالرحمة والعدالة، لا يرد على ذهنه مجرد الظن أن الله قد خلق الناس جميعاً من أصل واحد ثم فضل نوعاً على نوع أو خص فصيلاً بمكارم وعطايا حرم منها النوع الآخر.

الذي لا يعتقد بأحقية الله وحده بالتشريع ولا يؤمن بأن شريعة الله صالحة لكل زمان ومكان؛ ينبغي أن يتحلى بالشجاعة الكافية ليناقش الأحكام منطلقاً من هذه القناعة، ولا يتستر حول تأويل النصوص ولا مراعاة الإسلام لواقع الحال، أو يتستر وراء خصائص الشريعة من المرونة وتغير الفتوى.

فلا بد إذن من التفريق بين منطلقين عند الحديث مع من ينادون بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل، الأول: حديث المؤمنين بعدالة الوحي وكمال التشريع، فهؤلاء لهم أدلة ونصوص ومرجعيات، ومن حقهم أن تناقش معهم كل الشبهات وترد عنهم كل المغالطات التي أثيرت حول هذا، منطلقين من الفهم والتسليم، فإذا اتضح مراد الله قلنا جميعاً: آمنا وسلمنا.

أما المشككون والمنكرون، فإن تحلوا بالشجاعة الكافية لإظهار هذا فالأدلة المنطقية والواقعية وتجارب الحاليين والسابقين فيها من الكفاية ما يقنعهم بالحق الأبلج، إن كانوا حقاً من طالبي مصلحة البشرية أو الساعين وراء الهداية والحقيقة.

فالخطاب الإلهي العام (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 13) أصل في المساواة في أصل الخلقة، كما هو أصل في المساواة في التكليف؛ إذ جعل المرأة قسيم الرجل في الفضل على البشرية، وهي معه على قدم المساواة، إليها ينسب البشر جميعاً كما ينسبون إليه، وقد بلغ هذا النص من السمو والرقي ما لم تبلغه نصوص المواثيق الدولية في العصر الحديث، فضلاً على أنه ربى أمة بذلت دماءها من أجل نصرة المظلوم من أي ملة وفي أي مكان، أما النصوص الدولية فلا تعدو في معظمها أن تكون حبراً على ورق يفرضه من يملك القوة والسلطة على الضعيف المظلوم دون القوي الظالم.

ثم القرار الإلهي الحكيم الخبير (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13) لا يترك مجالاً للمزايدة حول التمييز ضد المرأة أو الرجل، فهو يقرر وبجلاء لا ريب فيه ميزان الله في التفضيل بين البشر عموماً ذكرهم وأنثاهم.

بين المسيحية واليهودية

الذين يحاربون الممارسات الخاطئة ضد المرأة إن كانوا ينطلقون من واقع يهضم حقها ويزدري بها، أو من فتاوى ذات غرض وهوى، فالإسلام وحراس الإسلام من العلماء الصادقين معهم بل وقد سبقوهم إلى هذا.

أما إن انطلقوا من واقع نصوص دينية إما أنها كانت صالحة لزمانها إن صحت نسبتها إلى الوحي، أو أنها حرفت عن أصلها لتوافق هوى الحكام والكهنة، فهذا شأنهم، وهو يتماشى مع روح الإسلام الذي جاء بشرع ينسخ هذه الأحكام.

فالمسيحية التي لم تجد في الإنجيل ما يحدد نصيب الرجل والمرأة من الميراث ثم قرر علماؤها أن تكون القسمة بالحب؛ فآلت إلى الكراهية والطمع، فلا عجب إن التمست لها في قوانين البشر ما يسد حاجتها ويعالج خللها.

واليهودية التي قرر كتابها المقدس أن يكون الميراث فقط للذكور دون الإناث، وللذكر البكر نصيب اثنين، ثم رأت أن تضرب بالنصوص المقدسة عرض الحائط من أجل مصلحة مواطنيها ومن أجل المال وإرضاء الجماهير فهذا شأنها.

إن الذين تحللوا من شرائعهم إنما فعلوا ذلك تخلصاً من الإصر الذي لحقهم حين لم يقبلوا هداية الله الذي خفف الإصر عنهم برسالة جديدة مهيمنة وناسخة فردوها ثم لم يقدروا على تكاليف ما تمسكوا به فخالفوه حيناً وحرفوه حيناً بحسب الحاجة والمصلحة.

نفهم أن يختلط على بعض الأعاجم الذين لم يستشعروا روح النص الإلهي المقدس في القرآن وتفسيره في السُّنة فيتوهمون تمييزاً ضد المرأة أو انحيازاً للمجتمع الذكوري، ولكن ما بال هؤلاء من العرب! ألم يقرؤوا كتاب الله مرة؟ ألم تتشبع نفوسهم بنور الوحي ساعة من زمان؟

المرأة في الإسلام

إن المرأة التي عاشت آلاف السنين على هامش الحياة ينظر إليها كالسلعة أو الشر الذي لا بد منه، أو أنها عقوبة الله على الخطيئة كما ورد في نص التوراة: «بل بخطيئته مات ولم يكن له بنون» (العدد: 27)، قد وجدت أخيراً خطاباً من العلي الأعلى جل جلاله إليها مباشرة يحدثها ويكرمها ويكلفها وينصفها ويعتبرها ويناقشها ويسمع شكواها ويخلد ذكرها بقرآن يتعبد الناس بتلاوته إلى قيام الساعة وفناء الناس.

المجتمع العربي قبل البعثة كان يعتبر من لا ولد له أبتر كأنه لم ينجب، وحكمة الخبير تجعل النموذج الأول في تغيير المفهوم الخاطئ هو قائد الملة وسيد البشر نفسه، فيكون نسله كله -الذي لم يمت صغيراً- من البنات حتى لا يكون في نفس أحد من بعده حرج إذا لم يكن ثم إلا البنات، بل يرتب على رعاية الأنثى وتربيتها والقيام عليها ما لا يرتب على رعاية الولد، ففي حديث البخاري في الأدب المفرد من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة»، فقال رجل من القوم: وثنتين يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: «وثنتين».

من تلك التي لها وزن ذرة من عقل تريد أن تتحرر من نص كتاب الله في صدر سورة «المجادلة»: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) (المجادلة: 1)؟! إنه الشرف الكامل الذي لو اختص الله به المرأة لكان حقاً على الرجال أن يغبطوها عليه ويتمنوا مكانها.

بل من تلك التي تملك روحاً تستشعر نور الوحي ثم ترغب أن تتحرر من خطاب سبق كل المواثيق بألف عام يقرر (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 228)؟ وتفصيله في حديث معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله، ما حق الزوجة على زوجها؟! قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت أو إذا اكتسبت» (أخرجه أبو داود كتاب النكاح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم 1859).

من تلك التي تعميها دعايات المغرضين وكذب الأفاكين عن سورة من السبع الطوال سميت باسم «النساء»، وسورة من المفصل باسم «مريم» عليها السلام، وقَصص يملأ القرآن عن أم موسى وامرأة فرعون وآيات مفصلات عن أم المؤمنين عائشة؟!

هل تنخدع ذات عقل إذا قيل لها: أنت في الميراث على النصف من الرجل ثم تنسى أنها ذات النصوص التي جعلتها مصونة مضمونة الحقوق عند أب وأخ وزوج لا يسكن أحدهم حتى تسكن ولا يشبع حتى تشبع وأنها عندهم بمنزلة الحرم الذي لا يمس؟!

من ترغب أن تتحرر من نص نبوي كريم مما رواه الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها» مساواة في الحقوق ومساواة أيضاً في التكاليف؟!

من ترغب في أن تتحرر من حجاب يستر جمالها ويصون عفتها ويمنع عنها المتحرشين، ويصون المجتمع من حالات التحرش المتزايدة؟! في تجربة اجتماعية شهيرة على موقع «يوتيوب» تمت في شوارع مانهاتن لقياس الفرق بين المتبرجة والمنتقبة في عدد مرات التحرش، عن طريق المشي لمدة خمس ساعات بنفس الشوارع في ساعات الذروة، خلصت التجربة إلى عشرات من حالات التحرش بالفتاة الأولى، في مقابل صفر من حالات التحرش بالفتاة الثانية.

إنها فقط الهزيمة النفسية أمام حضارة تفسخت عن الدين المحرف، ثم بنت نفسها بالعلم والعمل والكفاح، ثم جاء السطحيون ليتبعوا فعلتهم حذو القذة بالقذة لا يبالون إن كان جحر ضب، حسبوا أنه ديننا الذي أخرنا عنهم، وما علموا أنها تعاليم ديننا في العلم والعمل أخذوا بها وتخلفنا عنها؛ فصاروا حيث صاروا، وبقينا نحن نتلمس طريقنا نحو الصعود، ولكن وعي المؤمنين والحمد لله في تنام، والعاقبة لنا في العاجلة والآجلة.

الرابط المختصر :