; دور التاريخ في إدارة الصراع.. لماذا يخشى الغرب من الإسلام؟ | مجلة المجتمع

العنوان دور التاريخ في إدارة الصراع.. لماذا يخشى الغرب من الإسلام؟

الكاتب د. سليمان صالح

تاريخ النشر الجمعة 01-أبريل-2022

مشاهدات 95

نشر في العدد 2166

نشر في الصفحة 60

الجمعة 01-أبريل-2022

العالم أصبح يتلقى الرواية الغربية للتاريخ وهي انتقائية عنصرية تثير العداء للإسلام

التاريخ أصبح يكتبه صناع الصور باختيار الأحداث التي تثير الجماهير وتشكل صورة العدو

تزييف التاريخ وانتقاء بعض الأحداث يعوق الاتصال بين الثقافات ويزيد الخوف من الآخر

نظرية صدام الحضارات تدفع باتجاه تقديم تاريخ زائف للعالم يبرر السيطرة الأمريكية

لماذا تتزايد حدة عداء الغرب للإسلام؟ ولماذا تعمل وسائل الإعلام الغربية على تخويف الغربيين من الإسلام؟ ولماذا تزايدت فرص اليمين المتطرف في أوروبا للوصول إلى الحكم نتيجة هجومه المستمر على الإسلام، ووعوده بتقييد هجرة المسلمين إلى أوروبا؟

تلك التساؤلات تحتاج إلى دراسات متعمقة للإجابة عنها، ومن أهم المجالات التي يجب أن نركز عليها دور التاريخ في بناء المستقبل وإدارة الصراع، وكيف يقرأ الغرب التاريخ ويستخدمه في صراعه مع الإسلام؟

الغرب خائف، لكن لماذا؟ هل في واقع المسلمين اليوم ما يمكن أن يخيف الغرب؟ 

دراسة الواقع توضح أن الدول الإسلامية تمر بحالة تفتت وتشرذم وفرقة، والعداء بينها أدى إلى زيادة تبعيتها للغرب، وهي كلها في حالة ضعف جعلت الدول الأوروبية تتجرأ على توجيه الإهانات لعقيدة المسلمين ورسولهم؛ فلماذا يخاف الغرب من الإسلام؟

لقد ظهر مفهوم مهم في بداية القرن العشرين هو مفهوم «قوة القصص»، حيث تتقاسم الجماعة رموزها الثقافية، وتجاربها التاريخية لتشكل بها أهدافها، وتبني تصورها للعالم ولموقعها ودورها فيه، ولقد أصبح للقصص دور مهم في إدراك الجماعة للتحديات والمخاطر، وفي زيارة قدرتها على التوصل لحلول لمشكلاتها.

والتاريخ يوفر للجماعة ثروة من القصص التي تستخدمها في إدارة الصراع، وتحديد خيارات الجماعة لزيادة قوتها وتحقيق مصالحها، وتحديد أهدافها المشتركة.

في ضوء ذلك، يمكن أن نفهم دور التاريخ في إدارة الصراع، وكيف استخدمت وسائل الإعلام الغربية القصص لتأطير وعي الشعوب الغربية، ودفعها لفهم الواقع في ضوء هذه القصص. 

ولقد كان دور القصص خلال القرن العشرين حاسماً، حيث قامت عليها صناعة السينما والدراما التلفزيونية والروايات الأدبية.

ولقد ساهمت السيطرة الأمريكية على النظام الإعلامي العالمي في فرض القصص التي تم تصنيعها في الغرب لاستخدامها في إدارة الصراع، فأصبح العالم يتلقى الرواية الغربية للتاريخ، وهي رواية انتقائية عنصرية متحيزة تشكل صوراً نمطية مشوهة تثير العداء للإسلام والمسلمين.

إثارة العواطف

والقصص التي يقدمها الغرب عن تاريخ العالم تستهدف إثارة عواطف الشعوب الغربية، وتأكيد تميزها عن الشعوب الأخرى، وهكذا تساهم هذه القصص في زيادة حدة الانقسام والعداء الثقافي. 

وتؤدي الذاكرة التاريخية دورها في توجيه عواطف الجمهور، وإثارة عدائها للمسلمين، وبذلك أصبح للذاكرة التاريخية دور مهم في إدارة الصراع. 

كما أن القصص تؤدي دوراً مهماً في بناء الصور النمطية، وهي وسيلة لدفع الجمهور الغربي إلى إصدار أحكام مسبقة لا علاقة لها بالتجربة الإنسانية مع المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية.

دراسة القصص التاريخية التي يقدمها الغرب توضح أن هناك هدفاً رئيساً هو نسبة الحضارة والتقدم والإنسانية إلى الغربيين البيض، ونسبة التخلف والهمجية والتوحش إلى الشعوب الأخرى، ونفي صفة الإنسانية عنها.

وقد استخدم الغرب التاريخ في إنتاج آلاف القصص التي شكلت الخيال الجمعي الغربي، وصورة الأنا الغربية المتفوقة في مقابل الصورة النمطية المتخلفة للآخر، وبذلك يتم تبرير أي عدوان غربي على أي دولة عربية أو إسلامية، وتبرير المذابح التي ارتكبها الغرب ضد المسلمين في البوسنة، وهكذا تم استخدام التاريخ لبناء الصورة الذاتية للغرب، والصورة النمطية للمسلمين، واستخدام الصورتين في إدارة الصراع.

وأنتجت صناعة الدراما الغربية آلاف القصص التي تؤدي إلى رسوخ الصورتين في أذهان الجمهور الغربي، ورسم الحدود الثقافية الفاصلة بين الأنا والآخر، وتقديم الإسلام باعتباره العدو.

هذا يعني أن التاريخ أصبح يكتبه صناع الصور، الذين يقومون باختيار الأحداث التي تثير الجماهير، وتشكل صورة العدو، وتزيد الشعور بالقوة والتفوق والتميز عند الغربيين.

وهكذا لم يعد التاريخ يكتبه الباحثون في الجامعات باستخدام مناهجهم العلمية، ولكن يكتبه رواة القصص التي تتحول إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية تحقق أهدافاً سياسية، وتساهم في إدارة الصراع.

هذا يعني أنه يتم التلاعب بالتاريخ، وتصنيع أحداثه، والتركيز على بعض الجوانب التي تخدم أهداف صناع الصور الذين أصبحوا يرتبطون بشركات عابرة للقارات تسيطر على صناعة الدراما والتسلية.

أين التاريخ الحقيقي؟

هكذا أصبح العالم يعيش في عصر الزيف، وتشتد حاجته إلى معرفة التاريخ الحقيقي الذي يمكن أن يعيد الوعي للبشرية، الذي يمكن أن يشكل علاقات تعاون وتفاعل بين الشعوب، وأساساً للاتفاق على قيم مشتركة، وعلى أهداف عامة من أهمها حق الشعوب في رواية قصتها.

وأول عقبة أمام كتابة التاريخ الحقيقي للعالم تلك الصور النمطية التي شكلها الغرب، التي أصبحت تؤثر حتى على الباحثين في الجامعات، كذلك تشكل الصورة التي بناها الغرب لنفسه عقبة أخرى؛ فقد قام بإخفاء الحقائق التي تشكل له عاراً مثل المذابح التي ارتكبها الغربيون في الكثير من البلاد.

إن الصور النمطية التي تم تشكيلها عبر عملية طويلة ومعقدة من تزييف التاريخ ستزيد الأزمات، وتغذي مشاعر الكراهية والخوف التي يستغلها اليمينيون المتطرفون في أوروبا للوصول إلى الحكم.

لكن، لماذا تزايدت عملية تزييف التاريخ بهدف تقديم الإسلام كعدو بعد نهاية الحرب الباردة؟

لقد كان الغرب يحتاج إلى عدو يوجه نحوه مشاعر كراهية الجماهير وغضبها حتى لا تركز على المشكلات الداخلية، ولذلك قامت صناعة التسلية الغربية بدورها في تقديم القصص التي تبرر العدوان الغربي على الدول الإسلامية، وجاءت نظرية «صدام الحضارات» لتدفع في اتجاه تقديم تاريخ زائف للعالم يبرر السيطرة الأمريكية على العالم باعتبارها القوة العظمى.

والسؤال هنا: هل يتمكن المسلمون من رواية قصتهم؟!

وكذلك، هل يخاف الغرب من قوة المسلمين المادية؟ 

من المؤكد أن الأمة الإسلامية تمر بمرحلة ضعف لا يتوقع أحد أن تتمكن من الخروج منها، لكن القراءة الحقيقية للتاريخ توضح أن الأمة الإسلامية تستطيع أن تتغلب على ضعفها، وأن تقدم للعالم مفاجأة فتعود إلى قوتها خلال سنوات قليلة، وهناك الكثير من الحالات في التاريخ توضح ذلك، والقوة المادية يمكن أن يتم بناؤها، وعقول المسلمين عندما تنتفض وتبدع وتقدم إنجازات حضارية، كما أن الإسلام يمتلك قوة ذاتية تجذب الكثير من الشعوب التي عانت من الظلم الغربي والغطرسة الأمريكية ووحشية الرأسمالية وقسوة الاستعمار ونهب بريطانيا وفرنسا لثرواتها خلال القرنين الماضيين، وهذه الشعوب تتطلع إلى الإسلام ليقود كفاحها للتحرر والثورة الشاملة على خرافات الغرب العنصرية والغطرسة الأمريكية.

لكن، هل هناك شيء آخر يخاف منه الغرب؟

إن المعركة الثقافية والحضارية أكثر أهمية من الحروب المادية، ولذلك فإنه إذا امتلك المسلمون الفرصة ليقدموا للبشرية قصتهم التي يمكن أن تعيد الوعي للناس، فإنهم يمكن أن يشكلوا تحدياً مهماً لتزييف الغرب للتاريخ، وللصور النمطية التي شكلت تبريراً لعدوانه على الشعوب؛ لذلك فإن التاريخ مهم جداً في إدارة الصراع، وفي بناء المستقبل، ومن حق البشرية على المسلمين أن يستخدموا ثورة الاتصال لرواية قصتهم لها.

(*) أستاذ الإعلام - جامعة القاهرة.

الرابط المختصر :