العنوان دور المؤسسات الدعوية في إرساء قواعد الحكم الرشيد
الكاتب مجاهد الصوابي
تاريخ النشر الاثنين 01-أبريل-2024
مشاهدات 7
نشر في العدد 2190
نشر في الصفحة 18
الاثنين 01-أبريل-2024
أبو الحسن: الخطوة الأولى تتطلب تمتع المؤسسات الدعوية بالاستقلالية التامة
ضوينا: من أهداف المؤسسات الدعوية صناعة الداعية المدرك لمتطلبات الحكم الرشيد
الشريف: الشفافية والمسؤولية والمساءلة والمشاركة خصائص أساسية للحكم الرشيد
اللافي: ضرورة التغلب على مشكلات الانقطاع عن المحيط وانعدام الرؤية الشاملة
تحقيق- مجاهد الصوابي:
تغطي المؤسسات الدعوية في عالمنا العربي والإسلامي مساحة كبيرة من مكونات المجتمع المدني في مختلف أقطاره، ويمكن لقطاع من هذه المؤسسات الدعوية أن يعمل على إعادة صياغة العقل الجمعي الإسلامي، من خلال التركيز على مفاهيم الحرية والعدالة وقيم الشورى الإسلامية، والشفافية والنزاهة والأمانة والصدق والكرامة والمروءة، وغيرها من الصفات التي تعمل على تشكيل ما يسمى بمتطلبات الحكم الرشيد على مستويات متعددة.
ويقول د. أحمد بكار أبو الحسن، عضو المجلس الإسلامي السوري، مدير أكاديمية القرآن الكريم بإسطنبول، لـ«المجتمع»: إن المؤسسات الدعوية كل مؤسسة تعتني بنشر الدعوة الإسلامية، وتقوم على أساس الدعوة والإرشاد والنصح، ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لإخراج جيل صالح ومصلح، وأن مفهوم الحكم الرشيد تحقيق التوازن بين السلطة التشريعية والتنفيذية، واستقلال القضاء، وتفعيل المراقبة الشعبية، وعدم فصل الدين عن الدولة.
ويضيف أنه بناء على ما تقدم، فلا بد من إيجاد مؤسسات دعوية مستقلة عن الأجسام والكيانات الأخرى، حتى لا تكون حبيسة جهة ضد جهة أخرى، وتتمتع باستقلالية المؤسسات الدعوية، تخدم مصالح الأمة، وتجمع الناس على حفظ ما يضمن تماسكها؛ كالحفاظ على الدين والهوية، ونشر الدعوة، وهذا يحتاج إلى دعاة مؤثرين، يلتزمون نهجاً عاماً، يجمعون الأمة على المتفق عليه.
كما يمكنهم إرجاع الدعوة على ما كان عليه الدعاة أيام الخلافة الراشدة، بحيث تتولى تقويم ولاة الأمور من قبل جميع الأمة الذين يسعون للإصلاح، على تحكيم شرع الله وتقديمه على كل رأي، وتقويم الخطأ وإن كان من رأس الحكم والدولة، واستقلال القضاء وتحريره من التبعية، وضمان تنفيذ ما شرعه ضماناً لمصالح العباد والبلاد.
ويؤكد د. أبو الحسن أنه لا بد أن تأخذ المؤسسات الدعوية دورها في تثقيف الجمهور بخطاب راشد يسهم في صناعة قيادات ورموز دعوية مبدعة، وهذا يساهم في خلق وعي عميق يجسّد القيم التي كانت في الحكم الراشد بين المحكومين والحاكمين، وهؤلاء هم الذين يقودون المؤسسات الدعوية، التي تستطيع إرساء معالم الحكم الرشيد، عبر تبني خطاب راشد على حسب ترتيب الأولويات وفقه الواقع، وتثقيف جمهورها بهذا الخطاب بشكل ممنهج، لترسيخ القيم والمرتكزات الأساسية التي يقوم عليها الحكم الراشد.
ويشدد د. أبو الحسن على أن الحكم الرشيد مرتكزاته واضحة، منذ بداية الدعوة الإسلامية، ولذلك جاءت نتائجه إيجابية في مراحل الخلافة الراشدة، بسبب وضوح المعالم في أذهان الصحابة، فلا بد من تقديم النموذج والقدوة في تبني قيم الحكم كالعدالة والكرامة الإنسانية.
ويقول د. محمد أحمد ضوينا، أستاذ اللغة العربية والعلوم الشرعية بالجامعات السودانية، لـ«المجتمع»: إن من أهم أهداف المؤسسات الدعوية صناعة الداعية المدرك لمتطلبات الحكم الرشيد، وكما تنتج الداعية المهندس والداعية الطبيب كذلك نجد الداعية الإستراتيجي الذي يؤسس لتأصيل الحكم الذي يعتمد في مرجعيته للقرآن الكريم والسُّنة النبوية.
ويضيف د. ضوينا، الشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الداعية الأعظم الذي بنى دولة العدالة والحرية والمساواة والقانون والأخوة، وكل هذه معانٍ وأركان يقوم عليها الحكم الرشيد الذي يبني الإنسان على أسس علمية سليمة وبه يتشكل المجتمع الفاضل المكون للدولة الواعية، والمتكاملة في القيم والسلوك والمنهج.
ويؤكد الباحث الإسلامي الليبي خالد الشريف لـ«المجتمع» أنه لا بد من تعريف الحكم؛ بداية حيث يُقصد بالحكم كل عمليات الحكم والمؤسسات والعمليات والممارسات التي يتم من خلالها اتخاذ القرارات بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك وتنظيمها، فالحكم الرشيد صفة معيارية وتقييمية لعملية الحكم تلك.
ويضيف أن الخصائص الأساسية للحكم الرشيد، هي: الشفافية، والمسؤولية، والمساءلة، والمشاركة والاستجابة لاحتياجات الناس، وتعتبر المؤسسات الدعوية ركيزة من ركائز الحكم الرشيد، فهي تؤدي دوراً كبيراً ومهماً في توعية المجتمع ونشر ثقافة الحكم الرشيد بين أفراده التي تعتمد على التوعية بمبادئه التي من أهمها:
- المؤسسات الديمقراطية (أو الشورية): وهي طرق تسمح للرأي العام بالمشاركة في وضع السياسات سواء من خلال المؤسسات الرسمية أو المشاورات غير الرسمية، كما تنشئ آليات لإدماج فئات اجتماعية متعددة في عمليات اتخاذ القرارات، لا سيما على الصعيد المحلي، وقد تشجع كلاً من المجتمع المدني والمجتمعات المحلية على صياغة مواقفه بشأن قضايا تهمّه والتعبير عنها.
- تقديم الخدمات العامة: تؤدي الإصلاحات التي يفرضها الحكم الرشيد، في مجال توفير الخدمات الحكومية للناس، بحسب قدرات الدولة على الوفاء بمسؤوليتها في توفير المنافع العامة الأساسية؛ مثل الحق في التعليم والصحة والغذاء، وقد تتضمن مبادرات الإصلاح آليات متعلقة بالمساءلة والشفافية وأدوات السياسة العامة التي تراعي الاعتبارات الثقافية من أجل ضمان توفر الخدمات للجميع وقبولهم لها، علاوة على سبل مشاركة الرأي العام في اتخاذ القرارات.
- سيادة القانون: حيث تساهم المؤسسات الدعوية في إصلاح التشريعات، بهدف تحسين تنفيذ هذه التشريعات ورفع مستوى التوعية العامة بشأن الإطار القانوني الوطني والدولي وبناء القدرات وإصلاح المؤسسات.
- مكافحة الفساد: فيما يتعلق بمكافحة الفساد، تعتمد جهود الحكم الرشيد على مبادئ مثل المساءلة والشفافية والمشاركة لإعداد تدابير مكافحة الفساد، وقد تتضمن المبادرات إنشاء مؤسسات مثل لجان مكافحة الفساد، وإيجاد آليات لتبادل المعلومات، ورصد استخدام الحكومات للأموال العامة وتنفيذها للسياسات.
وللمؤسسات الدعوية دور مهم في مكافحة الفساد عبر تقديم النماذج الجيدة في تولي المناصب وأداء المهام، وكذلك نشر الوعي المستند إلى ثقافة المجتمع الإسلامي في محاربة الفساد؛ لذلك نجد أن المؤسسات الدعوية عليها دور كبير في إرساء معالم الحكم الرشيد من خلال نشاطها الدعوي في المجتمع وذلك عبر الآتي:
1- نشر الوعي المجتمعي من خلال المحاضرات والدروس عن أهمية الحكم الرشيد ومتطلباته.
2- المساهمة في إعداد القوانين واللوائح المنظمة للحكم الرشيد عبر مؤسسات الدولة.
3- إعداد قيادات في كل المستويات لكي تتولى المناصب في الدولة وتستطيع تنفيذ مبادئ الحكم الرشيد.
4- المساهمة في تقديم الخدمات العامة للمجتمع سواء عبر المؤسسات الدعوية أو مؤسسات الدولة، بحيث تتميز هذه الخدمات بتحقق شروط الشفافية والأمانة والحرص على استفادة المواطن بأكبر صورة ممكنة.
من جانبه، يقول د. سعيد محمود اللافي، رئيس رابطة أئمة وخطباء ودعاة العراق، لـ«المجتمع»: إنه لكي تضطلع المؤسسات الدعوية والشرعية والعلمية بدورها الريادي في البناء المعرفي والفكري والعلمي، لا بد لها من أمرين أساسيين لنجاحها؛ أولاً: الرؤية الواضحة في كل شيء إجمالاً وتفصيلاً، وثانياً: القيادة الواعية المتناغمة المنسجمة مع بعضها، ثم تأتي بعد ذلك الخطة المرسومة للوصول إلى الهدف المنشود، والأفراد المقتنعين وما يستلزم معرفته في العمل البنائي.
ويضيف أن ذلك يتمثل في تحديد الأهداف القريبة والبعيدة، مشيراً إلى أن الواقع الذي تعيشه المؤسسات الدعوية، وانغلاقها أو انقطاعها عن محيطها، وانعدام الرؤية الشاملة، وتصدر النفعيين والمصلحيين أو المأزومين نفسياً وفكرياً على رقاب تلك المؤسسات.
وهذه الإشكاليات بمثابة عراقيل تمنعها من أخذ دورها الريادي والقيادي في إرساء معالم الحكم الرشيد المنشودة في أمتنا، ولذلك لا بد من مراجعة تلك المؤسسات لأهدافها وطريقة عملها للبحث عن القواسم المشتركة بينها لصالح المجتمع الذي يُحتم تشارك الجميع أو على الأقل الشعور بذلك بأن كل صغير جهد أو كبيره هو يصب في الحوض الكبير لهذه الأمة وإرساء معالم الحكم الرشيد فيها.
ويؤكد اللافي أن تجارب كثيرة نجحت كلياً أو جزئياً حسب ظروفها حينما وُجدت فيها قيادة ورؤية وخطة ورجال وكانت مشاركة في قرارات مصيرية تخص بلدانها وأمتها.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل