العنوان «ديمقراطية» المغرب إلى أين؟!
الكاتب عبدالغني بلوط
تاريخ النشر السبت 01-يوليو-2017
مشاهدات 27
نشر في العدد 2109
نشر في الصفحة 38

السبت 01-يوليو-2017
حالة العالم الإسلامي
«ديمقراطية» المغرب إلى أين؟!
موجات المطالبة بالديمقراطية لا يمكن إيقافها أو الالتفاف عليها
برلمانيو العدالة والتنمية في الريف يؤيدون الحراك الشعبي دون أن تتدخل الأمانة العامة للحكومة
الهوية السياسية للعدالة والتنمية قائمة على الاستقلالية والإصلاح والوقوف إلى جانب الشعب
العزوف السياسي تكرَّس بسبب السياسات اللاشعبية والاختلال في العمليات الانتخابية
الوعي الحقيقي في غياب بدائل ديمقراطية ممكنة هو المراهنة على تقوية الأحزاب السياسية الديمقراطية
الرباط: عبدالغني بلوط
وضع تقرير «مؤشر الديمقراطية في العالم العربي» المملكة المغربية في المقدمة بعدما حصلت على 735 من أصل ألف نقطة، ويرى التقرير أن الممارسات الديمقراطية في المغرب تحسنت مقارنة مع السنوات الماضية، لكن عدداً من المحللين السياسيين في المغرب رأوا أن هذه المرتبة ارتبطت بفترة إعداد التقرير حين ولاية ابن كيران لرئاسة الحكومة، وقبل «الانقلاب الديمقراطي»
في هذا السياق؛ يرى د. عبدالرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، في تصريح لـ«المجتمع»؛ أن المغرب عرف ردة ديمقراطية بعد 7 أكتوبر، وعودة الدولة إلى التحكم في مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية أيضاً.
وأشار إلى أنه لا يعقل أن يتم إقصاء ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، من رئاسة الحكومة، وهو الذي دخل الانتخابات على هذا الأساس، فيما تم تعيين الملياردير عزيز أخنوش على رأس حزب التجمع الوطني للأحرار (حزب إداري)، وهو الذي لم يخض الانتخابات، من أجل فرملة تشكيل الحكومة برئاسة ابن كيران، فيما تم جلب محمد حصاد، وزير الداخلية السابق، لشغل منصب وزير التعليم باسم الحركة الشعبية، وهو الذي لم ينخرط قط في العمل الحزبي.
من جهته، يقول القيادي في حزب العدالة والتنمية عبدالصمد السكال: إنه بعد 7 أكتوبر هناك محاولات حثيثة للنكوص عن المسار الديمقراطي الذي بدأ المغرب يتلمسه منذ عام 2011م.
وأضاف أن موجات المطالبة بالديمقراطية وبطبيعتها لا يمكن إيقافها أو الالتفاف عليها، ومحاولات القيام بذلك تكون تكاليفها باهظة وآثارها مدمرة.
وأكد أننا اليوم نجد أنفسنا في وضع يصدق هذا الكلام، ويجعل الحاجة ماسة للقيام وبشكل مستعجل بعملية تقييم شاملة من طرف مختلف الفاعلين المنخرطين في هذا المسار النكوصي بهدف الرجوع باستعجال إلى المسار الصحيح، مسار تعزيز التحول الديمقراطي والحد من الفساد حفاظاً على المصالح العليا للوطن وللاستقرار وتحقيقاً لآمال وطموحات المغاربة.
ومن مظاهر الردة الديمقراطية، يقول العلام، هو التعامل الأمني مع الحراك الشعبي في الريف، ففي الوقت الذي كان من المنتظر من الدولة أن تتعامل بحكمة مع المطالب الاجتماعية لهذه المنطقة من شمال المغرب، استعملت القمع والاعتقال، متناسية أن المقاربة الأمنية لا تزيد الوضع إلا تأججاً.
نتائج عكسية
ويقول الأستاذ عبدالعالي حامي الدين، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المغربية: إن سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية والاحتجاجية هو علم مستقل بذاته له قواعده ومناهجه التي تساعد على فهم هذه الحركات وخلفياتها السياسية والاجتماعية والنفسية وتوقع مآلاتها وانعكاساتها وفرص نجاحها وإخفاقها أيضاً.
وأضاف أن من الفرضيات الأساسية التي تحتاج إلى اختبار صدقيتها أن المزاج الشعبي العام تعمق لديه الإحساس بضعف الثقة في العملية الانتخابية والسياسية، وفي المؤسسات، وفي النخب السياسية، وفي المؤسسات الوسيطة، خصوصاً بعد إجهاض رسالة 7 أكتوبر.
ويخشى العلام من منهج الدولة في قتل المؤسسات الوسيطة، خاصة الأحزاب والنقابات، أن يعود بنتائج عكسية، وينهي حالة التعايش التي كانت تسود بينهم في المغرب.
ولاحظ العلام أن حزب العدالة والتنمية مثلاً، وبالرغم من ترؤسه للحكومة، فإنه لم يعد يبادر للتحذير من الاحتجاج ضد الدولة، فبرلمانيوه في الريف يؤيدون الحراك الشعبي، دون أن تتدخل الأمانة العامة للحكومة، في حين كانت هذه الأخيرة نبهت أكثر من مرة البرلماني السابق عبدالعزيز أفتاتي المعروف بمواقفه الصلبة.
وحتى حزب الأصالة والمعاصرة، والذي خرج من رحم الدولة، حسب العلام، لم تعد رؤيته متطابقة لأصحاب القرار في وزارة الداخلية المغربية، إذ يقف موقفاً وسطاً من الحراك في الريف.
انتقادات من الداخل
ولم يفلت حزب العدالة والتنمية من انتقادات من الداخل، وفي هذا الصدد تقول البرلمانية أمينة ماء العينين عن الحزب ذاته: إن التحولات السياسية المتلاحقة حولنا التي تنذر بالمزيد من التفاعل، تفرض على حزب العدالة والتنمية أن يتحمل المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه، وأن يسارع بإجراء قراءة فاحصة واعية لهذه التحولات، وأن يحسم موقعه فيها، إما فاعلاً أساسياً (كما كان)، وإما منفعلاً سلبياً.
وأضافت: يجب أن يعي حزب العدالة والتنمية أن طريق الإصلاح الذي اختاره ليس طريقاً ناعماً توزع فيه ورود «التوافقات» وابتسامات «منطق الإمكان».
وتشير إلى أن الهوية السياسية للحزب القائمة على النضال والاستقلالية والإصلاح والوقوف إلى جانب الشعب بعيداً عن الصفقات والمؤامرات هي التي منحت الحزب مشروعيته، مشروعية بناها بثقة المواطنين وصمودهم وبتضحيات المناضلات والمناضلين، لا شيء يبرر الخطوات المتلاحقة التي تعمل على تغيير هذه الهوية دون العودة إلى المواطنين والمناضلين أصحاب القرار الحقيقيين، أما التذرع بالمواقع التي تمكن من امتلاك «المعطيات» فيجب أن نعلم أنها مواقع وصل إليها أصحابها باسم الحزب، وأنه إلى حدود 8 أكتوبر كان مخطط الحلفاء الحاليين هو إقصاء الحزب بعدما فعلوا كل شيء قبل محطة 7 أكتوبر لدحره وهزمه.
وتؤكد أن من أنقذ الحزب وجعله ينتصر انتصاراً مبهراً هو صمود البسطاء وتضحياتهم، لا يجب أن ننسى ذلك، إنها لحظة الحقيقة، الجواب عن سؤال جوهري: ماذا نريد؟ وإلى أين نسير؟
إذا كنا نريد حزب العدالة والتنمية حزباً باهتاً ضمن الجوقة الباهتة، فيجب أن نعود للمواطنين والمناضلين لنصارحهم، لنخبرهم أننا لسنا قادرين على الوفاء بعهودنا وتعاقداتنا القائمة على الإصلاح ومحاربة الفساد والاستبداد والتحكم والعمل على ترسيخ البناء الديمقراطي الذي سيفتح المجال للتنمية الحقيقية القائمة على العدل والكرامة، أما إذا كنا سنظل أوفياء لخطنا وهو ما يلح عليه المناضلون المسمون أقلية؛ فيجب أن نقوم بمراجعة وتقييم سريعين للمسار، وهي مسؤولية الأمين العام أولاً، الذي نال ثقة المواطنين والمناضلين ومسؤولية هيئات الحزب وكافة مناضليه.
العزوف السياسي
في المقابل، يسود شعور آخر بعدم جدوى العملية الانتخابية، مما سيؤدي مستقبلاً إلى عزوف كبير عنها، ويقول الإعلامي المخضرم حسن يويخف لـ«المجتمع»: في هذا الصدد، إن العزوف السياسي ظاهرة سياسية وثقافية معقدة تتشكل عبر تراكمات وتساهم فيها العديد من العوامل والقضايا.
وأضاف أن العزوف السياسي تكرس في المغرب بسبب السياسات اللاشعبية الكثيرة، وبسبب ما كانت تعرفه، وما تزال، العمليات الانتخابية من اختلالات وتزوير وتدخل، سواء على مستوى التشريع أو التقسيم الإداري أو خلال الحملات الانتخابية وغير ذلك.
وأبرز أن العزوف السياسي في المغرب بلغ مستوى أصبح معه بنيوياً، ولم تستطع العملية الانتخابية مثلاً استقطاب الناخبين في محطات فاصلة، مثل محطة حكومة التناوب أو في الانتخابات التي عرفها المغرب سنة 2011م، وهي سنة طالت في هذا الشأن؛ لما كان فيها من حراك شعبي بنفس ديمقراطي وحقوقي كبير، توج بدستور جد متقدم، ورغم ذلك لم تحقق نسب المشاركة في الانتخابات مكاسب مناسبة.
ويؤكد أن الذي لا يعرفه كثيرون هو أن العزوف السياسي أمر تستثمر فيه السلطوية كآلية إضافية لضبط المشهد السياسي والمشهد الحزبي، فمع وجود أحزاب قوية مثل الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في السابق والعدالة والتنمية حالياً، يكون العزوف عن الانتخابات آلية فعالة لضبط حجم تلك الأحزاب، فكما هو معلوم بالذي يعزف عن الانتخابات ليس الناخب الذي يسهل شراء ذمته، أو الناخب الذي سيصوت لصالح الأحزاب الإدارية، بل العزوف يكون بالأساس في أوساط المواطنين الذين لهم موقف نقدي بحيث إن صوتوا سيصوتون لصالح الأحزاب الديمقراطية، وبضعف المشاركة الانتخابية تضمن السلطوية أن تكون للأصوات المتحكم فيها بالمال أو بالوسائل الأخرى المختلفة، حظوظ أكبر وتأثير في الترجيح أقوى.
ويؤكد يويخف أن كل تدبير خادش للوجه الديمقراطي للانتخابات يساهم في أن يفقد الناس ثقتهم في العملية الانتخابية، وما شهدته العملية السياسية مؤخراً لا شك سوف يساهم في تكريس العزوف السياسي، وقد كشف البلوكاج الذي ووجه به الأستاذ ابن كيران ومنعه من تشكيل الحكومة أن المشهد الحزبي ضعيف جداً ومتحكم فيه، وأن ظاهرة التحكم في الأحزاب تجاوزت الأحزاب الإدارية لتطال حزب الاتحاد الاشتراكي، كما أن تشكيلة الحكومة التي ظهرت فيها الأحزاب الإدارية مهيمنة، والحزب الأول للحكومة ضعيف، يكرس في عقل المواطنين عدم جدية العملية الانتخابية؛ مما يفقد هذه الأخيرة المزيد من المصداقية، وهذا العزوف الإضافي يكون مقصوداً من طرف السلطوية للرفع من درجة ضبط حزب العدالة والتنمية مستقبلاً.
وختاماً يمكن أن نقول: إن الوعي الحقيقي في غياب بدائل ديمقراطية ممكنة، يشدد بويخف، هو المراهنة على تقوية الأحزاب السياسية الديمقراطية، وأن مقاطعة الانتخابات يصب في خدمة أهداف السلطوية في نهاية المطاف، وفي خانة إضعاف الأحزاب الوطنية بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في 7 أكتوبر 2016م.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

بعد الزلزال.. المعارضة التركية تحاول الاصطياد في الماء العكر
نشر في العدد 2177
20
الأربعاء 01-مارس-2023
