; ذراع العدو الطويلة لا تقطعها الخيانات | مجلة المجتمع

العنوان ذراع العدو الطويلة لا تقطعها الخيانات

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1997

مشاهدات 717

نشر في العدد 1270

نشر في الصفحة 51

الثلاثاء 07-أكتوبر-1997

مرات عدة أقول: آه، لو خُلّي بين الرجال وبين العدو ولكن الشرطة العرب لا يريدون ذلك ولا يرغبون في اندحار العدو الصهيوني لأمر قد يعلمه الله، ثم الراسخون في العلم!!

إن إسرائيل دولة جبانة كما يقول عنها القرآن الكريم: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ (الحشر: 14) ودولة غبية، لأنها تتعامل بالحقد والطمع والاستغلال، وهذا هو الأسلوب الحقير في التعامل الذي يورث الكراهية، والاحتقار، وذلك ما دعا رجلًا مثل «مارك آرثر» من جامعة ليدز أن يقول: «إن إسرائيل دولة غبية، ولن يسكت العالم عنها إلى الأبد، لأنها تتصرف كأنها رب العالم وإلهه، وهي بعوضة».

إن إسرائيل تريد أن تثبت أن لها ذراعًا طويلة تحركها حيث تشاء، وتلوح بها عندما تريد، ويساعدها على ذلك الفراغ العربي، والعجز والوهن الفعلي للأمة، والاغتراب والجبن الفاضح للسلطة، قد تعجب إذ ترى أن إسرائيل قد تدخل أي قطر عربي تقتل من تريد وتفعل ما تشاء، ولا تدري سلطات هذا البلد شيئًا، وقد تحلم أحلامًا سعيدة أو تدري ولكنها تغمض العين وتطأطئ الرأس، وهذه داهية أكبر وأعمق، ولله در القائل:

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة   ***  أو كنت لا تدري فالمصيبة أعظم

لقد بدأت إسرائيل سلسلة الاغتيالات في صفوف الحركات الفلسطينية بدخولها بيروت لقتل «أبو يوسف» ورفاقه وهم في غفلة ساهون يظنون أنهم في قلب بلد عربي له سلطة ورياسة وجيش وبوليس، وكان أبو يوسف من القادة البارزين في حركة «فتح» الفلسطينية، وجاءت عملية تونس لتثبت أن أمن المواطن العربي في بلده مهدر تمامًا، وأنه يعيش في العراء، وأن أوهام المخابرات والشرطة لم تدرب على شيء إلا قمع الجماهير وحفظ الكراسي الموسيقية، إذ كيف تدخل فرقة كوماندوز إلى قلب العاصمة وتسير في أزقتها وحواريها، وتقتحم وتقتل «أبو جهاد» وغيره، وتفعل ما تريد، ثم تخرج وهي تغني أهازيج الفرح، ولا يشعر بها أحد من الشرطة أو الأمن أو أي نفر من السلطة، وقد يتساءل الإنسان عن الحرس الفلسطيني للقيادة الفاعلة عندهم، وكيف رصد العدو المنزل ومن بداخله، وعدد حجراته ومواعيد الحضور والانصراف إلخ، ولا يدري أحد من الأمر شيئًا أو كان هناك تعاون ما، وخيانة ما، أو إهمال وتسيب؟! وكل ذلك أخطاء لا تغتفر لأنها بحجم مهول.

واستمرت إسرائيل في تنفيذ هذا المخطط القذر وغدرت بالكثير من زعماء وكوادر الحركة الوطنية الفلسطينية لتُبقي على قيادات مهترئة مفرغة يسهل قيادها كما فعلت بقتل «أبو إياد» وغيره، أو تقصد بذلك تعطيل الحركات الفاعلة وذوي القيادات النشطة مثل حماس، فقتلت بذلك «عماد عقل» الذي مات في مواجهة حامية مع جنود الأعداء ولم يستسلم لهم، وصدر بيان حماس ليوضح هذه الحقيقة قائلًا: «إن استشهاد القائد عقل لم يكن بجدارة الأعداء ولا بقوة استخباراتهم وإنما كان ذلك بسبب جرأة مجاهدنا الذي لم يجبن أمام الجيش اللجب من الأعداء»، وأكد البيان مخاطبًا الكيان الصهيوني قائلًا:«إن استشهاد القائد عماد أبو حسين لم يكن بجدارة جنودكم، ولا بقوة استخباراتكم، وليس كما قلتم.. إنها ضربة قاصمة لكتائب القسام، فإن ذهب عماد، فكل أبناء حماس عماد، وما تدخره الحركة أعظم مما عرفتم».

وبعد ذلك صعّدت حركة حماس المواجهة حتى أعلن جيش إسرائيل حالة الطوارئ والاستنفار في صفوفه تحسبًا لعمليات انتقامية مفاجئة، ولم تنجُ إسرائيل من العقاب الرادع.

ثم بعد ذلك تحين العدو فرصة لقتل الدكتور فتحي الشقاقي في مالطة 26/ 10/ 1995م حتى يجري عملية تصفية شاملة للعناصر المجاهدة، يجهز فيها على كل المقاتلين ضد الاستسلام، والعاملين من أجل التحرير وعلى رأسهم حملة السلاح، وكان فتحي الشقاقي يمثل رجلًا واعيًا عاقلًا مسلمًا.. يمثل مدرسة نضالية جديدة ملتزمة بالتحرير المسلح ضد العدو، وان اغتياله يمثل للعدو جزءًا من استراتيجيته للوصول إلى القادة وإجهاض الكفاح المسلح والتعامل مع المنهزمين من الفصائل اليائسة، وفي 5/ 1/ 1996م قتل المهندس يحيى «عياش»، مهندس التفجيرات في حماس، والذي دوخ العدو الإسرائيلي زمنًا، والذي وقف خلف عمليات التفجير العديدة التي أدت إلى قتل وإصابة المئات من الإسرائيليين في حادث انفجار تليفون عن بُعد وقع في أحد المنازل في مخيم جباليا بقطاع غزة، وكان ذلك نتيجة لخيانة معينة، واتهمت الحركة السلطة الفلسطينية بأنها الثغرة التي نفذ منها العدو مستغلًا عجز السلطة الفلسطينية أو تواطؤها لقتل المجاهدين، وقد انتقمت حركة حماس لقتل عياش من الإسرائيليين انتقامًا موجعًا، وقد أنجبت حماس «عياشًا» آخر يفوق الأول، وهو المهندس «محيي الدين الشريف» الذي يقول عنه رجال المخابرات الإسرائيلية إنه فاق عياشًا في تخصصه، وهو الذي وراء العمليات الاستشهادية المتطورة التي تجري هنا وهناك في إسرائيل، وتدع نتنياهو في حيرة من أمره.

وأعتقد أن أفراد حماس كلهم أصبحوا على مستوى عياش والشريف، ثم جاءت العملية الصهيونية الأخيرة الفاشلة، وهي محاولة اغتيال المهندس «خالد مشعل» رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الأردن، ولعلها تندرج ضمن العمليات الفاشلة التي تدل على عد تنازلي أكيد لمقدرة الصهاينة على تنفيذ المؤامرات، فبعد عملية ليلة القدر التي راح ضحيتها حوالي 70 من الصهاينة جاءت عملية الكوماندوز الذين تفجروا عن آخرهم في لبنان، إلى فشل اغتيال خالد مشعل، والإمساك بالصهاينة ومن وراءهم بشجاعة واحد فقط من حرس خالد مشعل.

ولكن السؤال المحير: كيف تم هذا في وسط الأردن؟ وأين مخابراته؟ ولمَ أنكرت السلطة الأردنية عملية محاولة الاغتيال؟ ولمَ التستر على الموساد الإسرائيلي ثم إقرارها فيما بعد عند شيوع الخبر وانتشاره واعتراف الفاعلين؟! وهل لتزامن هذا مع ما تقوم به سلطة عرفات اليوم من تصفيات لحماس دلالة معينة؟ وهل شعر نتنياهو بأن حماس لن تفلته وقد يتسبب ذلك في سقوطه، فأراد أن يبرهن على تراجعه بإطلاق سراح شيخ حماس الأستاذ أحمد ياسين؟ وهل تأخذ الأنظمة درسًا من ذلك كله، بدلًا من المتاجرة بدماء المجاهدين، مع عدو لا يقطع ذراعه الطويلة إلا البطولات والمواقف الشجاعة؟

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل