العنوان رأي المجتمع (1346)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1999
مشاهدات 36
نشر في العدد 1346
نشر في الصفحة 9
الثلاثاء 20-أبريل-1999
إعلان الدولة.. هل هو أعلي مراحل قضية فلسطين؟!
تراجعت السلطة الفلسطينية - على لسان مسؤوليها - عن وعدها الَّذي قطعته على نفسها بإعلان قيام الدولة الفلسطينية، في الرابع من مايو ۱۹۹۹م استنادًا إلى بنود اتفاقات أوسلو، وبخاصة تلك البنود المتعلقة بمفاوضات الوضع النهائي الَّتي كان من المقرر إتمامها في تاريخ أقصاه ذلك اليوم الموعود.
تبخرت وعود السلطة ولم تصمد أمام تهديدات نتنياهو بإعادة احتلال مناطق الحكم الذاتي إن فعلها عرفات وأعلن «الدولة الفلسطينية»، من جانب واحد.. والحقيقة أن عرفات كان يغالط نفسه... إذ كان يعلم أن اتفاق واي بلانتيشن الَّذي وقع في أكتوبر من العام الماضي قد قضى على أي إمكان الإعلان الدولة في الموعد المحدد، ولم يتضمن – بهذا الخصوص- سوی إشارة عامة في عبارة مطاطة وغير قاطعة.
أيًا ما كان الأمر، فإن الكلام المكتوب في لاتفاقات شيء، وما يجري عليه العمل في الواقع شيء مختلف تمامًا، فمع كل التنازلات الَّتي قدمتها السلطة ووقعت عليها في تلك الاتفاقات لم تحد سياسة الكيان الصهيوني عن منهجية إعادة التفاوض على ما سبق الاتفاق عليه، والمماطلة، وإثارة المشكلات الفرعية والإكثار منها وتقزيم القضية الكبيرة في مسائل جزئية صغيرة فضلًا عن نقض التعهدات وعدم الالتزام بأي شيء يتم الاتفاق عليه، يتم تنفيذ هذا في الوقت الَّذي تبادر فيه السلطة الفلسطينية إلى: كل تعهداتها بهمة عالية -رغبة أو رهبة أو هما معًا- دون القدرة على تحقيق ما يحفظ لها ماء الوجه أمام الشعب الفلسطيني على الأقل، ولعل أبرز مثال على ذلك التراجع عن إعلان الدولة الفلسطينية، في الموعد الَّذي سبق تحديده في الرابع من مايو وجرى التأكيد عليه أكثر من مرة.
واللافت للنظر أن القوى الدَوْلِية الرئيسة في كل مرة. تقف مؤيدة للسلطة الفلسطينية عندما يتعلق الأمر بالدخول في "مفاوضات" جديدة، أو بالتوقيع على نصوص اتفاقات وتعهدات تقدم فيها مزيدًا من التنازلات، أما عندما يتعلق الأمر باستحقاقات السلطة وحلول أجل تنفيذها فإن تلك القوى تقف موقف "المتخاذل"، بل وتمارس دور "المثبط"، وهذا ما درجت عليه منذ عقد مؤتمر مدريد وحتى الآن.
لقد تواطأت مواقف القوى الدَوْلِية الرئيسة على تأجيل إعلان الدولة إلى أجل غير مسمى، وبخاصة بعد أن أعلنت إسرائيل أنها سترد بحسم وشدة على الإعلان وهددت بضم الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني وبإعادة احتلال مناطق الحكم الذاتي نفسها، فعلى إثر ذلك أعلنت الخارجية الأمريكية أن موعد الرابع من مايو يمكن تأجيله، وأنه ليس موعدًا نهائيًا، وأعلنت فرنسا أنها مستعدة لتأييد الإعلان إذا تم في الوقت المناسب، واقترح الرئيس شيراك التأجيل لمدة عام على الأقل، وأخذت دول الاتحاد الأوروبي موقفًا مماثلًا في قمة برلين الأخيرة.
في ظل تلك الأجواء، وبالنظر إلى حالة السلطة الفلسطينية لمْ يكنْ مفاجئًا أن تقبل التأجيل متذرعة بحجج هزيلة كانتظار الحصول على ضمان أمريكي أوروبي بالاعتراف بالدولة حال إعلانها، أو بالقول: «إن قرار إعلان الدولة سيكون فلسطينيًا مستقلًا، ولن يصدر قبل الأسبوع الأخير من مايو» على حدِّ قول نبيل شعث مسؤول التخطيط والتعاون الدَوْلِي في السلطة الفلسطينية.
ليس صحيحًا أن قرار إعلان الدولة سيكون فلسطينيًا مستقلًا، وإنما هو في حال حدوثه - سيكون مرهونًا بجملة التغيرات الَّتي تستهدف إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة برمتها، بما يتفق -أولًا وقبل كل شيء- مع المصالح الأمريكية، وفي المقام الثاني مع المصالح الأوروبية الغربية وبالتبعية مع مصالح الكيان الصهيوني، ومثل هذه التغيرات تتضمن كثيرًا من العمليات الَّتي تستغرق وقتاً لزوم غياب بعض الشخصيات عن المسرح السياسي، وضبط التوازنات بين القوى الإقليمية والدَوْلِية، أما نصوص الاتفاقيات المتعلقة بالموضوع، ورغبة السلطة الفلسطينية فهي آخر – وأضعف - العوامل الَّتي يمكن أن تؤثر في اتخاذ قرار إعلان «دولة فلسطينية».
ولكن لنفترض أن الظروف الموضوعية المؤثرة فعلياً في إعلان قيام الدولة قدْ توافرت، فما معنى مثل هذا الإعلان آنذاك؟
من الناحية الواقعية لن يختلف الأمر كثيرًا عمَّا هو عليه الآن في ظل سلطة الحكم الذاتي المفرغة من كافَّة صلاحياتها عدا الصلاحيات الأمنية وبعض الاختصاصات الإدارية الَّتي تمارسها بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي ولمصلحته أساسًا، ومن الناحية الواقعية أيضًا، ومن منظور السلوك السياسي المتوقع من السلطة الفلسطينية فسوف تنخرط تلك السلطة في معالجة سلسلة طويلة من القضايا الفرعية على المستويين الداخلي والخارجي، بما يعني في حقيقة الأمر طيِّ ملف القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى شأن داخلي، تحتكر التحدث باسمه سلطة عرفات أو من يحل محله، وتسعى لإقصاء كافة القوى الفلسطينية - ناهيك عن العربية - الأخرى إعمالاً لمبدأ ، أو بالأدق لوهم. «سيادة الدولة الفلسطينية».
إن قراءة متأنية في خريطة الواقع الفلسطيني الَّذي تسعى السلطة التامين إعلان دولة عليه، توضح لنا غياب الحد الأدنى من مقومات ممارسة سلطة «الدولة»، حتى وإن كانت لا تمتد لأكثر من ١٣% من إجمالي مساحة الأراضي المحتلة بعد سنة ١٩٤٨م. فالمستوطنات تنتشر داخل مناطق الحكم الذاتي بشكل سرطاني، وشق ما يسمونه "الطرق الالتفافية"، داخل تلك المناطق قائم على أشده، وخطوط المواصلات منها وإليها مربوطة بنقاط التفتيش السلطات الاحتلال، والعملة المتداولة هي الشيكل الإسرائيلي، وإن كان الأهالي يفضلون الاحتفاظ بمدخراتهم بالدولار الأمريكي. والقوانين المعمول بها خليط من القوانين المصرية والأردنية والإسرائيلية، وليس من حق السلطة الفلسطينية ولا دولتها - في حال إعلان قيامها - أن تؤسس لها قوة عسكرية أو تجند أبناءها للخدمة في القوات المسلحة الوطنية، كما تفعل بقية الدول.
ولكنْ إذا كانت «الدولة الفلسطينية» المتوقعة واهنة إلى هذا الحدِّ الَّذي تشير إليه معطيات الواقع الراهن، فلماذا ترفضها إسرائيل، ولماذا يتخاذل المجتمع الدَوْلِي وقواه الرئيسة المنحازة للكيان الصهيوني عن تأييد إعلان الدولة؟
إن مغزى التخاذل الدَوْلِي ومعه الرفض الصهيوني هو محاولة تضخيم الهدف الَّذي تسعى إليه السلطة الفلسطينية وتصويره على غير حقيقته، وجعله أمرًا بعيد المنال، ولو إلى حين، حتى إذا ما حصلت عليه تكون قد استهلكت ذاتها في مسألة هي من ابجديات قضية فلسطين الكبرى، ويتم إخراج إعلان الدولة باعتباره خاتمة المطاف وأعلى مراحل القضية، وذلك هو السيناريو الأمريكي - الصهيوني في أفضل احتمالاته بالنسبة لمسألة إعلان الدولة الفلسطينية..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل