; رؤية إسلامية جديدة لواقع الحال في تركيا العائدة إلى الله | مجلة المجتمع

العنوان رؤية إسلامية جديدة لواقع الحال في تركيا العائدة إلى الله

الكاتب الأستاذ يوسف العظم

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1978

مشاهدات 4

نشر في العدد 416

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 17-أكتوبر-1978

الحلقة الأولى. أتاتورك الخائن كما يجب أن يسمى

•الأتراك العثمانيون بين الإنصاف والإجحاف

    لكثرة ما كذب دعاة الباطل، وزوت أبواق الضلال، وافترت أقلام العبيد في سوق النخاسة الفكرية؛ اختلط الأمر على الجيل المسلم المعاصر في كثير من أحواله الحاضرة، وأوضاعه القائمة، فما بالك بالتاريخ الذي انطوت صفحاته، ومضت أيامه؟ 

     وفي مراجعة سريعة هادفة هادئة تقوم أمامنا حقائق أقوى من الزيف، وأغرب من الخيال لا بد من عرضها، وسردها، وتثبيتها؛ ليعود للعقل المسلم صفاؤه ونقاؤه.

*الأتراك العثمانيون بين الإجحاف والإنصاف: 

  كأي شعب من شعوب الأرض لها سلبياتها، ولها إيجابياتها، كان للعثمانيين سلبيات، وكان لهم إيجابيات، ولكن مزوري تاريخنا من المعاصرين، وعلى رأسهم جورجي زيدان، وفيليب حتى اللذين تربيان في محاضن الكنيسة، وعلى أيدي الرهبان في لبنان طمسا إشراقة الإيجابيات في حياة العثمانيين، أو حاولا ذلك، وأبرزا سلبيات القوم، وسلطا عليها الضواء، فما عرف الجيل المسلم إلا تعبير الاستعمار التركي بجانب تعابير الاستعمار الإنجليزي، والاستعمار الفرنسي، والاستعمار الإيطالي، والاستعمار الهولندي؛ لأنه عز على كتاب تاريخنا من الصليبيين أن تكون استعمارية، فسموا الوجود التركي الإسلامي بإيجابياته وسلبياته في البلاد العربية استعماراً؛ ليستوي الخبيث والطيب، والباطل والحق، والظلمات والنور، ويتيه الجيل المسلم المعاصر في دوامة الضياع التي لا يميز معها بين العدو والصديق، والقتلة والمجاهدين، والفجار والأبرار، وحقيقة الموقف التي لا بد أن تنجلي في نقاط: 

أولاً- إن العثمانيين كانوا مؤمنين صادقين، يقبلون على الله في وجل، ويخضعون له في طاعة، وإنهم كانوا قلوباً تفيض بالإيمان، وأيدياً متوضئة، تحمل سيوفاً ما جردوها لعدوان، ولا أغمدوها لهوان.

• أليسوا هم الذين حموا الإسلام في الشمال الأفريقي، ودحروا الوجود الأسباني، وحاربوا الوجود الفرنسي فيه إلى أن حرر الله تلك الديار على أيدي الصالحين من أبنائها؟

• أليسوا هم الذين حملوا راية الإسلام إلى دول أوروبا فدخلوا النمسا، ونشروا الإسلام في شبه جزيرة البلقان؟

• أليسوا هم الذين فتحوا القسطنطينية بعد أن عز فتحها على أيدي الجيوش الإسلامية في مختلف العصور، وكان فتحها أشبه بمعجزة سيرت السفن البحرية على جذوع الشجر براً لتطويق الجيوش الرومانية البيزنطية من حيث لا تتوقع، وصارت بعد ذلك إسلامبول، ثم إستانبول؟ 

• أليس منهم محمد الفاتح الذي لم يعش في إستانبول التي فتحها أكثر من خمسة وعشرين يوماً، وما بقي من عمره كان موزعاً بين صهوات الجياد وميادين الجهاد؟

• أليس منهم السلطان عبد الحميد الذي ظلمته الماسونية، وحاربته اليهودية، وتأمرت عليه الصليبية؛ لأنه كان رجلاً مؤمناً، أبى أن يوقع على سطرين يبيح بموجبهما أن يكون لليهود في فلسطين دولة ووجود، وبعض حكام العرب اليوم جفت منهم الكرامة والأقلام لكثرة ما وقعوا على صكوك الاستسلام؟

ثانياً- ومع ذلك فنحن لا نبرئ العثمانيين من بعض مظاهر الاستبداد التي أقامها من كانوا حولهم من يهود الدونما، أو الماسون، أو النفعيين، أو الوصوليين، أو الخونة الذين طالما أساعوا للشرفاء في كل العهود، وشوهوا سمعة المخلصين في كثير من الأحيان.

*أليس العثمانيون بشراً يخطئون ويصيبون؟ فلماذا ننسى جهادهم، وإحسانهم، وإيمانهم لنبرز في جحود أسود، ونكران بشع ظلم المستبد، وإساءة المسيء؟

  • أتاتورك الخائن: 

     ونحن هنا نسمي المسميات بأسمائها فما عاد يجوز للمسلمين القادرين على قولة الحق أن يداروا، أو أن يجاملوا في قضية من أخطر قضايا تاريخنا الإسلامي المعاصر، وتلك هي خيانة مصطفى كمال، وتآمره على الأتراك، والعرب، والإسلام على حد سواء، وإليكم الدليل:

• كانت تركيا في عهد الخلافة حتى بعد أن سموها الرجل المريض تخيف الغرب، وتدفعه للتفكير ألف مرة قبل أن يقدم على أن ينال من الإسلام والمسلمين، أو أن يسيء إلى تركيا والأتراك؛ فصارت تركيا بلا إسلام، أو تركيا الحديثة كما يسمونها، أو تركيا مصطفى کمال، دولة هزيلة، لا يحسب لها حساب؛ لأنها إحدى الدمى التي تحركها الماسونية العالمية لخدمة الأغراض الصهيونية، ومن العجيب أن يقف أدعياء القومية، والوطنية، والتقدمية مؤيدين لتركيا مصطفى كمال، التي حاربت لغتهم، وطاردت وطنيتهم، وقطعت كل صلة بينها وبين العروبة والإسلام، وأقامت علاقات ودية مع إسرائيل، وأن يحاربوا تركيا العثمانية، التي رفضت الصهيونية، ونشرت العربية حتى في اللغة التركية نفسها، وهذه حقيقة لا بد من التركيز عليها، وهي أن أكثر من ثلث الكلمات في اللغة التركية كلمات عربية فصحى، ما زالت هي النواة الأولى والأقوى في اللغة التركية المعاصرة رغم أنف العلمانية والعلمانيين، وأتاتورك والأتاتوركيين.

• لقد نفذ مصطفى كمال كل ما طلب إليه الغرب تنفيذه، ولم يكن الأمر إبداعاً ذاتياً من الرجل الدعي الملطخ بأصباغ الوطنية الزائفة: 

١- فلغى الأحرف العربية، يا أدعياء العروبة.

٢- وقطع الصلة بين العرب والأتراك، يا أدعياء العلاقات الإنسانية بين الشعوب.

٣- وساق دليلاً على خيانته لتحقيق ما أرادته منه أوروبا حين درب فريقاً من الفتيات التركيات على السباحة، وألبسهن القبعة والثياب القصيرة، وفي يد كل فتاة من الفريق كأس خمر، تحملهن باخرة تركية إلى العواصم الأوروبية، دليلاً على إيمان تركيا بالحضارة الغربية، وهجرها للإسلام.

٤- حرم تركيا من سر قوتها، وعنوان عظمتها، وهو الإسلام ليمسخها دولة علمانية كما ادعى، هزيلة كما هو واقع الحال؛ فحقق بذلك أمنيات للذين ساءهم أن يروا راية التوحيد، ونداء الله أكبر يدوي في الآفاق الأوروبية على أيدي المؤمنين من المجاهدين من بني عثمان. 

٥- وأخيراً وليس آخراً ما نشر من وثائق وزارة الخارجية البريطانية، التي تنشرها عادة بعد مضي نصف قرن من الزمان عليها، حين استدعى السفير البريطاني في أنقره، وهو -أي أتاتورك الخائن- على فراش الموت ليعرض عليه أن يتولى الحكم من بعده في تركيا الحديثة، لولا خبث السفير البريطاني الذي أدرك أن الرجل سيكشف اللعبة دون قصد، وسيضيع الخطة دون وعي من شدة حرصه على إبعاد تركيا عن الإسلام، والقوة، والكرامة؛ فاقترح عليه أن يرجئ الأمر حتى يشاور السفير حكومة صاحبة الجلالة.

    ويجيء الأمر بطبيعة الحال بالرفض؛ لأن عملاء الإنجليز أقدر على الوقوف أمام الجماهير في ثياب الوطنية الزائفة من الإنجليز أنفسهم! 

وإذا أردنا تلخيص الموقف بإنصاف وموضوعية نقول:

• السلاطين من آل عثمان لم يكونوا عملاء قط. 

• السلاطين من آل عثمان كان بعضهم مجاهداً بحق، مؤمناً بصدق، وبعضهم أساء، وظلم. 

• الأتراك شعب له حسناته وسيئاته، وله إيجابياته وسلبياته.

• السلاطين من آل عثمان ما خضعوا لليهودية العالمية، والصليبية الدولية، بل حملوا راية التوحيد، ونشروا العربية حتى في لغتهم وبين بني قومهم.

• كمال أتاتورك نفذ المؤامرة الغربية بالحيلولة بين تركيا وبين الإسلام، وقطع ما بين تركيا والعرب من وشائج، ومد رفاق الخيانة من بعده يد الغدر يصافحون بها إسرائيل.

• كمال أتاتورك أورث تركيا الضعف بعد أن حرمها من القوة، وأورثها الإلحاد بعد أن حرمها من الإيمان، وأورثها الانحلال والتفسخ بعد أن حرمها من التماسك واحترام الذات.

الرابط المختصر :