العنوان رافسنجاني يدعو إلى محكمة دولية لكنه يملي عليها الحكم
الكاتب عبد الرحمن الناصر
تاريخ النشر الثلاثاء 02-يوليو-1985
مشاهدات 13
نشر في العدد 723
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 02-يوليو-1985
دوافع الاقتراح الإيراني لا تشجع على التفاؤل.
•لماذا تطلب إيران تشكيل محكمة دولية بعد خمس سنوات من الحرب؟
أعلن هاشمي رافسنجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني في اجتماع له مع الدبلوماسيين الأجانب في طهران في نهاية الأسبوع الماضي، عن اقتراح إيراني يتضمن تشكيل محكمة دولية لتمهيد الطريق لإيجاد حل للحرب العراقية- الإيرانية، التي مضى عليها قرابة ٥٨ شهرًا، وقال رافسنجاني إنه يعلن هذا الاقتراح نيابة عن الخميني.
وقد أحدث هذا الاقتراح الإيراني ردود فعل دبلوماسية اتسمت بالتفاؤل في أن يؤدي هذا الاقتراح إلى وضع حد لمأساة الحرب، ويرجع هذا التفاؤل إلى كون الإعلان الإيراني هو الأول من نوعه الذي تطالب به طهران منذ اندلاع الحرب قبل خمس سنوات.
تفاؤل حذر:
ورغم جو التفاؤل الذي ساد الأوساط الدبلوماسية إلا أننا ومع كوننا ندعو وبشدة إلى تحقيق الرغبة الملحة في إنهاء هذه الحرب، نقرن هذا التفاؤل بالحذر الشديد حتى لا نصاب في حال فشل التوجه الجديد بالإحباط، وترك الأمور بعد ذلك لتتجه نحو ما هو مقدر لها، وحذرنا هذا يعود للأسباب التالية:
أولًا- إن إصرار الجانب الإيراني على رفض أي وقف لإطلاق النار رغم النداءات المتكررة من جانب الدول والهيئات والمنظمات المختلفة الإقليمية منها والإسلامية والعالمية، أوجد نوعًا من اليأس تجاه إمكانية حدوث أي تغيير في الموقف الإيراني، وبالتالي فإننا نعتقد أن حصول موافقة دولية على الاقتراح الإيراني بتشكيل محكمة دولية قبل أن توافق على وقف إطلاق النار هو أمر مشكوك في حدوثه، لهذا فإن جدية الاقتراح الإيراني يجب أن تؤكد من خلال إعلان إيران عن موافقتها على وقف إطلاق النار على جميع جهات القتال برًّا وبحرًا وجوًّا ودون أدني قيد أو شرط، ومن ثم فإن تشكيل مثل تلك المحكمة الدولية أو أي إجراء دولي آخر لحل المشكلة يصبح أمرًا مقبولًا لدى الجميع.
ثانيًا- يلاحظ من صيغة الاقتراح الإيراني الذي أعلنه رافسنجاني أنه تضمن حكمًا حتى من قبل أن تشكل المحكمة أو ما يسمي قضائيًّا بتحريض المحكمة أو توجيهها إلى إصدار حكم بعينه، وهذا ما لا نتصور إمكانية قبوله من قبل الأطراف الأخرى التي ستعمل على تشكيل تلك الحكمة.
فرافسنجاني يقول: «إن على المحكمة الدولية المقترحة أن تحدد العقوبة التي ينبغي أن توقع على المعتدي، والجميع يعرف أن العراق هو المعتدي». وما دام الأمر كذلك فلماذا يكلف السيد رافسنجاني نفسه بتقديم مثل هذا الاقتراح؟ إن لإيران أن تعتقد أن العراق هو المعتدي، وللعراق أيضًا أن يعتقد عكس ذلك تمامًا وهذه أمور قد كفلها القضاء لطرفي القضية في أية مخاصمة كانت، وما دام عُرض الأمر على المحكمة فإن تحديد الطرف المعتدي يصبح حقًّا من حقوق المحكمة فقط.
ثالثًا- يلاحظ من صيغة الاقتراح الذي ورد على لسان السيد هاشمي رافسنجاني أنه جاء مشحونًا بروح التهديد، حيث يقول السيد رافسنجاني: «إننا ننتظر الرد على اقتراحنا، ولكننا نعرف ماذا نفعل إذا لم يلاقِ اقتراحنا قبولًا». وهذه الصيغة التهديدية لا تتفق بحال من الأحوال مع ما يُعرف بالحوار الدبلوماسي، ورافسنجاني حين قدم اقتراحه للدبلوماسيين الأجانب كان يعلم تمامًا أن هذه الدول غير ملزمة بقبول اقتراحه، فرفْض الاقتراح أو قبوله مسألة تتعلق بسياسة هذه الدولة أو تلك وما تراه هذه الدول مناسبًا تجاه هذه القضية، وبالتالي فإن صيغة التهديد والوعيد لا تؤدي إلى قبول الاقتراح، بل إلى رفضه نظرًا لكون المسألة بالنسبة إلى تلك الدول إنما هي مساهمة اختيارية لحل مشكلة الحرب القائمة بين إيران والعراق، وهذا التهديد يعني أن إيران لا تهدف إلى قبول هذا الاقتراح.
الاقتراح الإيراني.. لماذا؟
جملة الأسباب التي جعلتنا نقرن التفاؤل بالحذر تدفعنا إلى الإجابة عن السؤال الذي لا بد أن يتبادر إلى الذهن: لماذا تعلن إيران عن هذا الاقتراح؟
يمكننا القول إن هناك أسبابًا عديدة نعتقد أنها تقف وراء الإعلان الإيراني، وسنحاول استعراض ثلاثة منها نرى أنها تشكل الجانب الأقوى في تلك الأسباب التي دفعت إيران إلى تقديم الاقتراح المشار إليه.
- العزلة الدولية:
من المؤكد أن القيادة الإيرانية لاحظت أن هذه الحرب التي ما زالت رحاها تدور منذ خمس سنوات أدت إلى ضرب طوق من العزلة الدولية حولها، ولا نعني هنا بالعزلة الرسمية فهذه قضية قلَّ أن تلجأ إليها الدول، إنما نقصد بالعزلة الدولية العزلة المعنوية التي ستغير اتجاهات الشعوب سواء في المنطقة العربية أو في العالم الإسلامي، وهما على المستوى العالمي يلاحظ نظرة الإدانة الموجهة لإيران، وهذه النظرة تستند إلى حقيقة أن إيران كانت وما زالت الطرف الرافض لأي حوار ولأي وساطة أو دعوة لإنهاء القتال أو وقف إطلاق النار واللجوء إلى المفاوضات و... هذا الرفض المستمر «حتى ولو كان لإيران أن تعتقد أنه بالنسبة لها هو حق من حقوقها» إلا أن هذه الشعوب وخاصة «الإسلامية منها» ترى أن استمرار الرفض لا يتفق بحال من الأحوال مع الاتجاهات العقدية والإنسانية و... وخاصة أن العراق دعا وما زال يدعو بمناسبة وبغير مناسبة إلى وقف القتال والدخول في مفاوضات لبحث المشكلات المعلقة بين البلدين. ومن هنا فإن الرفض الإيراني المستمر أدى إلى حدوث هذه العزلة. وبالإضافة إلى ذلك فإن استمرار القتال على كافة الجهات أدى إلى تعطيل حركة التنمية لشعوب المنطقة وحدوث خسائر اقتصادية كبيرة انعكست آثارها على الحياة المعيشية للمواطن العربي المسلم، ليس في المنطقة الخليجية فقط بل على مستوى العالم الإسلامي بكامله، وأسباب العزلة كثيرة جدًّا لا نجد لها مجالًا في هذه العجالة، ومن هنا كان لا بد للقيادة الإيرانية من أن تصنع ما من شأنه أن يكسر هذا الطوق أو حتى تخفيف آثاره، فكان هذا الاقتراح بتشكيل محكمة دولية لإنهاء الحرب بمنزلة حوار دبلوماسي تفتح إيران من خلاله نافذتها على العالم.
- حسم الحرب:
من الواضح أنه ورغم مرور قرابة ٥٨ شهرًا على الحرب لم تنته إلى ما كانت تهدف إليه من وراء تأكيدها على استمرار القتال، فإيران ومنذ البدايات الأولى للحرب تصر على ألا تضع لها نهاية إلا بشروط معقدة جدًّا، وعلى رأس هذه الشروط إقصاء النظام العراقي الحالي واستبداله بنظام موالٍ لإيران، ولتحقيق هذا الهدف فقد جعلت لهجماتها العسكرية هالة من القدسية شحنت بها نفوس مئات الألوف من الجنود والمتطوعين وحراس الثورة... إلخ.
وكانت تشن الهجمة تلو الهجمة، وفي كل مرة يصرح قادة إيران أن هذه الهجمة هي الأخيرة وهي الحاسمة. ودائمًا كانت أمنياتهم تذهب إدراج الرياح فلا الهجمات انتهت ولا الحرب حُسمت ولا الدماء حقنت، واستمر الأمر على ما هو عليه وكأن الحرب ما زالت في بدايتها، ومن هنا فإن القيادة الإيرانية وجدت نفسها محرجة أمام الجميع سواء في الداخل أو في الخارج، فما كانت تدعيه من اقتراب يوم الحسم لم يكن إلا سرابًا جعلت شعوبها تلهث وراءه، ونعتقد أن شعور تلك القيادة باستحالة الحسم جعلها تفكر فيما يمكن من خلاله أن يمكنها من تغطية عجزها على حسم الحرب «أمام شعوبها على الأقل».
- انعكاسات الحرب:
لم تشهد المنطقة ومنذ عقود طويلة مثل هذه الحرب التي كادت أن تدخل عامها السادس، وبالتالي فإن انعكاسات هذه الحرب على الأوضاع الداخلية الإيرانية باتت أمرًا لا يمكن تجاهله، ونحن هنا لا نقول إن الانعكاسات السلبية محصورة في الجانب الإيراني فهذا أيضًا هو حال الجانب العراقي، وهذا أمر يُعد طبيعيًّا بالنسبة لحرب ضروس مضى عليها خمس سنوات، إنما ما نقصده هنا هو أن نزوع العراق إلى إنهاء هذه الحرب والرغبة في وقف إطلاق النار واللجوء إلى المفاوضات يجعل انعكاسات الحرب على الأوضاع الداخلية يختلف كثيرًا عن انعكاساتها على الأوضاع الداخلية للجانب الإيراني، فإيران تعتبر حربها مع العراق حربًا مقدسة وتصر على استمرار القتال حتى تحقق أهدافها في إقصاء النظام العراقي واستبداله بنظام آخر موالٍ لها. ومن هنا فإن فشلها في تحقيق هذه الأهداف يؤدي إلى انعكاسات سلبية داخل إيران، وخاصة أن أهداف هذه الحرب دفعت الجماهير الإيرانية إلى التضحية بالكثير الكثير من مستلزمات حياتها «حتى الضرورية منها»، وبالتالي فإن إحساس هذه الجماهير بأن وعود قيادتها وخططها انتهت إلى لا شيء، سيؤدي إلى تمكن شعور الإحباط في نفوس هذه الجماهير التي تحملت الكثير من أجل تنفيذ تلك الخطط التي رسمها أولئك القادة، وبالتالي فإن شعور الجماهير بالإحباط واليأس والخذلان من شأنه أن يؤدي إلى سحب ثقة الجماهير بقيادتها التي ستجد نفسها منعزلة عن جماهيرها. ومن هنا فإنه لا بد لهذه القيادة من أن تبحث عن منافذ تستطيع من خلالها أن تعيد التماسك للجبهة الداخلية وتعيد بعض الثقة المفقودة وتخفف من حجم معاناة الجماهير. ولهذا كله فإن إعلان القيادة الإيرانية عن اقتراحها الجديد من شأنه أن يخدم هذا الجانب، لا سيما وأن الكثير من قادة الجيش الإيراني باتوا يطالبون بإيقاف هذه الحرب التي لم تعد ذات جدوى بالنسبة لخطط القيادة الإيرانية.
وبعد:
فإننا ورغم عوامل الحذر التي أوردناها ما زلنا نمني النفس بصدق التوجه الإيراني الجديد، وكنا نتمنى على إيران لو أنها سارت في هذا الاتجاه قبل أكثر من ٥٠ شهرًا لكانت حقنت دماء عشرات الآلاف من المسلمين الذين سقطوا صرعى هذه الحرب، ولكانت وفرت مئات المليارات من أموال المسلمين التي ذهبت إلى دول الكفر الشرقية منها والغربية و... ورغم كل هذا وذاك يبقى السؤال: هل تجنح إیران للسلم؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل