العنوان رجال حماس
الكاتب محمود الخطيب
تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1997
مشاهدات 758
نشر في العدد 1270
نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 07-أكتوبر-1997
ورطة نتنياهو في الأردن
عمان: محمود الخطيب
- أراد توجيه ضربة موجعة لحماس.. فارتدت إليه.
- عرفات يقوم بالواجب ويغلق مؤسسات حماس في غزة.
بدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في ذروة نشاطها المحموم قبيل وبعد الإعلان عن هوية منفذي عمليتي القدس اللتين ثبت لديها قيام خمسة من مقاتلي كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس بتنفيذهما، وتزامنت الحملة الأمنية الواسعة في الأراضي المحتلة مع محاولة غريبة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس المهندس خالد مشعل «أبو الوليد» في العاصمة الأردنية عمان صبيحة يوم الخميس ٢٥ سبتمبر الماضي.
وإضافة للحملة الصهيونية المستمرة أذعنت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني للضغوط الأمريكية والإسرائيلية فقامت وبحركات تلفزيونية بإغلاق ١٥ مؤسسة اجتماعية وثقافية ترعاها حماس في قطاع غزة وتقدم خدماتها للآلاف من أيتام وأرامل وفقراء الفلسطينيين، وشنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف قيادات وأعضاء حماس في الضفة وغزة.
كان أخطر ردات الفعل الإسرائيلي على عمليات القدس الأخيرة هو تغير منحى العمل الأمني الإسرائيلي ضد حركة حماس ليشمل تصفية أعضاء المكتب السياسي لحماس حيث يتواجد الرئيسيون منهم في الأردن.
ويبدو أن طبيعة العلاقة الخاصة التي تربط بينالحكومتين الأردنية والإسرائيلية فرضت على جهاز الموساد الصهيوني استخدام تقنية مختلفة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة الأردنية منعًا لإحراج الأردن، حيث يعتبر السيد مشعل وبعض إخوانه في المكتب السياسي لحماس مواطنين أردنيين، إضافة إلى أن الأردن ومنذ سنوات طويلة يتمتع باستقرار أمني، ولذلك جاءت المحاولة باستخدام طريقة جديدة بدون رصاص أو تفجير لتبدو كأنها مجرد حادث عرضي.
تفاصيل محاولة الاغتيال تتمثل في أن خالد مشعل كان يهم بدخول البناية التي يتواجد فيها مكتبه في إحدى مناطق عمان الغربية صباح يوم الخميس ٢٥ سبتمبر، وكان برفقته ثلاثة من أطفالهومرافقه وقد لاحظ أبو الوليد وجود شخصين بملامح أوروبية يقفان عند مدخل البناية، وكان أحدهما يلف يده اليمنى بشيء بدا وكأنه ضمادة وتبين فيما بعد أنه الجهاز الذي نفذت به الجريمة وقد حاول زعيم حماس تحاشيهما خاصة أن المنطقة التي بها مكتبه تجارية ويرتادها السواح لكن المجرم اقترب منه ورفع يده باتجاه الأذن اليسرى للسيد مشعل الذي سمع صوتًا حادًا وكأن جهازًا كهربائيًا صعقه، وقد شاءت إرادة الله أن يتدخل مرافقه بسرعة ويبعد المهاجم قبل أن تصل يده إلى رأس السيد مشعل، ودار عراك بالأيدي اضطر فيه المهاجم ورفيقه إلى الهرب في سيارة سياحية كانت تقل ثلاثة آخرين لكن مرافق السيد مشعل لحق بالسيارة التي توقفت على بعد كيلو مترين من مكتب أبو الوليد ونزل منها المجرمان دون أن يعرفا أن أحدًا يتبعهما، وعندما هم بالإمساك بهما دار بينهما عراك آخر وضربه أحدهما بآلة حادة صغيرة أصابته إصابة بليغة في أعلى رأسه استدعت خياطة الجرح بحوالي ١٨ غرزة لكن الإصابة لم تمنعه من إحكام قبضته عليهما إلى أن جاء رجل أمن أردني وألقى القبض عليهما، وفي وقت لاحق تم اعتقال الإرهابيين الثلاثة الآخرين، ووفقًا لمصادر أردنية فإن الإرهابيين الخمسة يحملون جوازات سفر كندية وأنهم يقيمون في أحد الفنادق الكبيرة القريبة من مكتب السيد مشعل منذ ١٤ أغسطس الماضي، لكن حركة حماس أكدت أن المجرمين عملاء موساد دخلوا الأردن خصيصًا لتنفيذ عمليات اغتيال ضد قيادات حماس في الأردن.
والغريب أن وزير الإعلام الأردني لم يعترف بوقوع اعتداء على حياة زعيم حماس السياسي مكتفيًا بأن ما حدث كان مجرد «هوشة» بين مرافق السيد مشعل وبعض السواح الكنديين ونفى تواجد السيد مشعل في مكان الحادث، إلا أنه تدارك في بيان لاحق أعلنه بعد ٤٨ ساعة من الحادث بأن السيد مشعل كان قبل تلك «الهوشة» قد تعرض لحادث اعتداء في مكان آخر، وأن قوات الأمن تحقق في الأمر، وأضاف أن السيد مشعل يتلقى العلاج على أحسن مستوى في مدينة الحسين الطبية بإيعاز من الملك حسين.
ووفقًا لرواية السيد مشعل بعد نقله إلىالمستشفى فقد أحس عند تسليط الجهاز عليه بفقدان توازنه لبضع دقائق لكنه استعاد توازنه وغادر موقع الحادث على الفور، وبعد حوالي ساعتين بدت عليه عوارض فقدان التوازن والغثيان حيث نقل إلى المستشفى الإسلامي الذي شخص حالته الأولية بأنها ارتجاج في الدماغ وصدمة عصبية قوية.
وبتوجيهات من العاهل الأردني نقل السيد مشعل إلى المدينة الطبية، وتم استدعاء طبيب خاص من مستشفى مايو كلينيك الأمريكي للوقوف على حالته، كما أرسلت الفحوصات إلى الولايات المتحدة، وتقول المصادر الطبية: إن الهدف المرتب للعملية هو أن يموت مشعل أثناء نومه بسبب الاختناق، وقد عانى أبو الوليد من مشاكل حرجة في جهازه التنفسي نتيجة التعرض للأشعة التي أطلقت عليه، وقد تعافى منها مؤقتًا- والحمد لله- وذكرت المصادر أن الأردن طلب من إسرائيل تحديد المادة التي وجهت إلى مشعل وطرق علاجها، ووفقًا للطبيب الأمريكي فإن بعض الأجهزة الشبيهة بأداة الجريمة- حسب الوصف الذي قدم له- تصدر مواد مشعة توقف التنفس أثناء النوم وتؤدي إلى وفاة المصاب وهو نائم.
وقد اتهمت حركة المقاومة الإسلامية حماس على لسان عدد من قيادييها الموساد الإسرائيلي بالوقوف وراء محاولة الاغتيال وأشاروا إلى أن فتح المعركة خارج إطار الوطن المحتل له معانٍ جديدة وأن ذلك تطور خطير.
كما توعد بيان لكتائب القسام الجناحالعسكري لحماس العدو الصهيوني بأنه سيدفع نهرًا من الدماء مقابل كل قطرة من دم أحدنا وتعهد البيان بضرب أهداف إسرائيلية داخل وخارج الدولة اليهودية انتقامًا لحادث الاعتداء علىزعيم حماس السياسي.
جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أدانت محاولة الاغتيال التي تعرض لها أبو الوليد وطالبت الحكومة بتحمل مسؤوليتها في تأمين سلامة المواطنين والكشف عن حقيقة المعتدين وإيقاع أشد العقوبة بهم والحيلولة دون وقوع مثل هذه الاعتداءات الأثيمة لاحقًا.
وقال الناطق باسم الإخوان في الأردن جميل أبو بكر إن الموساد الصهيوني لا بد وأن يكون وراء هذا الاعتداء لأنه العدو الأول لحماس والأمة العربية، مؤكدًا أنه تدبير انتقامي تظهر فيه البصمات الصهيونية بشكل واضح، وأضاف أن الكيان الصهيوني يريد من خلال هذه المحاولة الآثمة تصدير أزمته إلى الدول العربية المجاورة وإحداث فتنة داخلية فيها بغرض إثبات قدراته الأمنية أمام شعبه والتي اهتزت بعد الأحداث الأخيرة داخل فلسطين.
واستنكرت الأحزاب الأردنية على اختلاف توجهاتها حادث الاعتداء وأدان السيد حكم خير- الناطق باسم الحزب الوطني الدستوري «المقرب من الحكومة»- الاعتداء على هذه الشخصية المناضلة واعتبر الحادث خرقًا لكافة الاتفاقات التي انبثقت عن معاهدة السلام مع إسرائيل.
الكشف عن هوية الاستشهاديين:
أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلية في ٢٣ سبتمبر الماضي عن اكتشافها لهوية أربعة من أصل خمسة نفذوا عمليتي القدس الغربية في ٣٠ يوليو و٤ سبتمبر الماضيين اللتين نتج عنهما مقتل عشرين إسرائيليًا وإصابة ٢٥٠ آخرين بجروح وأعلن المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية أن الأربعة: بشار صوالحة، وتوفيق ياسين ويوسف الشولي، ومعاوية جرارحة ينتمون إلى حركة حماس وأنهم جميعًا من بلدة عصيرة الشمالية قرب نابلس في الضفة الغربية وهي منطقة تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، ووفقًا لمصادر فلسطينية فإن منفذي العمليتين كانوا من المطاردين المطلوبين لسلطات الاحتلال، وتقول حماس إن الأربعة ليسوا هم منفذي العمليتين.
وقد أثار الإعلان عن هوية المنفذين صدمة في أوساط سلطة الحكم الذاتي المحدود التي كانت تصر على لسان رئيسها ومعاونيه على أنهم قادمون من الخارج ومن لبنان بالتحديد، وفي حركة مسرحية جديدة قدم أمين عام السلطة الطيب عبد الرحيم استقالته من منصبه معتبرًا نفسه أنه الذي زود رئيسه عرفات بمعلومات تؤكد أن منفذي العمليتين جاءوا من خارج المناطق المحتلة، لكن عرفات رفض قبول استقالة «الطيب» الذي هو أحد أركان سلطته الرئيسية، وكان عرفات قد تحدى في وقت سابق رئيس وزراء العدو الصهيوني أن يثبت صحة ادعاءاته بأن الاستشهاديين الذين نفذوا عمليتي القدس جاءوا من مناطق فلسطينية في الضفة الغربية.
وقامت قوات الاحتلال بعد تأكدها من هوية المنفذين بحملة اعتقالات واسعة في قرية عصيرة الشمالية التي تخضع منذ فترة لحصار عسكري مشدد، وقد طالت تلك الاعتقالات خلال الأيام الأخيرة أكثر من ۱۰۰ فلسطيني من أعضاء ومؤيدي حماس ليرتفع عدد الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال منذ وقوع عملية القدس الأولى إلى أكثر من ۷۰۰، ووفقًا لمصادر عسكرية إسرائيلية فقد حُوِّل حوالي ٣٠٠ من هؤلاء إلى الاعتقال الإداري دون توجيه اتهامات محددة بحقهم.
ومازال مسؤولو الأمن الإسرائيليون متخوفين من استئناف كتائب القسام لعملياتها الاستشهادية التي تلقى قبولًا وترحابًا في أوساط الشعب الفلسطيني وخصوصًا مع إصرار الحكومة الإسرائيلية على سياسات مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية كبناء ۳۰۰ وحدة استيطانية جديدة في مستعمرة أفرات قرب بيت لحم واحتلال منزلين عربيين في وسط القدس العربية وتحويل أحدهما إلى مدرسة دينية، هذا إضافة إلى تراجعها عن تطبيق بنود اتفاق أوسلو المشؤوم.
وقال مسؤول أمني في جهاز الشين بيت إن كشف خلية عصيرة الشمالية المسلحة لم يؤدِّ إلى زوال خطر وقوع هجمات محتلة أخرى قريبًا معتبرًا أن كتائب القسام ما زالت تمتلك بنية تحتية عسكرية قوية ومتماسكة في الضفة الغربية وقطاع غزة تمكنها من تنفيذ هجمات وعمليات أخرى في أي وقت تختاره قيادة حماس العسكرية، وترجع مصادر الاستخبارات الإسرائيلية قوة البنية التحتية العسكرية لحركة حماس إلى حقيقة أن العقول المدبرة التي تخطط وتحضر للهجمات الاستشهادية ما زالت طليقة وتتمركز غالبيتها في مناطق السلطة الفلسطينية وما زالت السلطات الإسرائيلية تبحث عن المهندس رقم ۲ محيي الدين الشريف الذي تعتبره خليفة الشهيد يحيى عياش وعن القائد العسكري محمد ضيف كما أنها تطارد محمود أبو هنود من عصيرة الشمالية الذي تعتقد بأنه الذي قام بتجنيد منفذي عمليتي القدس الأخيرتين، وتقول الحكومة الإسرائيلية إن عددًا منهم مسؤول مباشرة عن التخطيط والتحضير للعمليات الاستشهادية الأخيرة التي نفذها جناح حماس العسكري.
الحملة الأمنية الإسرائيلية تتوسع كلما ازداد إحساس الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالخطر وبوقوع هجمات استشهادية جديدة، وفي مثل هذه الأجواء من غير المحتمل تحريك ما يسمى بعملية السلام وخصوصًا في ظل تدهور السلطة الفلسطينية وخضوعها الكامل لابتزازات الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية.
حملة على مؤسسات حماس:
ومن ناحية أخرى وفي إشارة واضحة إلى إذعان سلطة الحكم الذاتي للضغوط والمطالب الأمنية الأمريكية والإسرائيلية بخصوص تدمير البنية التحتية لحركة حماس أغلقت أجهزة أمن السلطة ١٦ مؤسسة اجتماعية وثقافية تديرها حماس في قطاع غزة واعتقلت العشرات من کوادر ومؤيدي الحركة في القطاع وفي بعض مدن الضفة الغربية.
الحملة التي قامت بها السلطة في غزة لن تؤدي إلا إلى زيادة حالة الاحتقان والغضب في أوساط الشعب الفلسطيني الذي يستفيد من مثل هذه المؤسسات منذ سنوات. سلطة الرئيس الفلسطيني تتآكل يومًا بعد يوم ومثل هذه الأعمال مؤشر خطير على طبيعة مرحلة ما بعد عرفات والتي باتت قريبة جدًا في ظل تدهور صحة عرفات.
في خطوة مفاجئة ووسط حديث عن صفقة: إسرائيل تفرج عن الشيخ أحمد ياسين:
في خطوة مفاجئة أفرجت سلطات الاحتلال الصهيوني عن الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس وزعيمها الروحي بعد اعتقال دام نحو تسعة أعوام تدهورت خلالها صحته بصورة خطيرة.
وجاء الإفراج عن الشيخ ياسين بعد نداء وجهه الملك حسين للحكومة الإسرائيلية بالإفراج عن المعتقلين وفي مقدمتهم الشيخ ياسين، وفور الإفراج عنه نقل الشيخ ياسين إلى الأردن لتلقي العلاج.
وفي أول تصريح له عقب الإفراج عنه حيَّا الشيخ ياسين الشعب الفلسطيني على صموده وجهاده وتضحياته، وقال في كلمة وجهها عبر الهاتف إلى الشعب الفلسطيني في الداخل إن وجوده في الأردن لتلقي العلاج لن يطول، مؤكدًا أنه سيعود قريبًا جدًا بإذن الله إلى فلسطين.
وتقدم شيخ فلسطين للعاهل الأردني بالشكر، مؤكدًاأنه وصل الأردن لتلقي العلاج بدعوة من الملك حسين، وأنه رفض صعود الطائرة الأردنية العسكرية التي أقلته من سجن الرملة إلى الأردن إلا بعد أن حصل على تعهد خطي مكتوب من سلطات الاحتلال يسمح له بالعودة متى شاء إلى قطاع غزة، وقال الشيخ المجاهد إن الشعب الفلسطيني لن ينسى شهداءه الذين رووا بدمائهم أرض فلسطين، كما أنه لن ينسى أبناءه المعتقلين في سجون الاحتلال وسجون السلطة، وستظل قضيتهم حاضرة لا تغيب حتى إخراج آخر معتقل.
وكانت الساعات الأولى للإفراج عن الشيخ قد شهدت بلبلة في الساحة الفلسطينية حيث عبر بعض أفراد عائلته عن خشيتهم من أن يكون ذلك بمثابة إبعاد، وهو ما نفاه الملك حسين والسلطات الإسرائيلية، والشيخ ياسين نفسه الذي أكد أنه تلقى تعهدًا مكتوبًا من السلطات الإسرائيلية يضمن حقه في العودة إلى غزة في اللحظة التي يريدها.
وفي الأردن حظي ياسين باهتمام واضح ورعاية متميزة واستقبله الملك حسين في المطار قبل نقله إلى المدينة الطبية التي يعالج فيها خالد مشعل وفور وصول الشيخ ياسين إلى المستشفى قام مشعل بزيارته في غرفته.
وأشارت بعض الأوساط الصحفية إلى أن الإفراج عن الشيخ ياسين يأتي بهدف إرضاء الأردن الذي شعر بحرج شديد جراء الاعتداء الإسرائيلي على مشعل في عمان، وكذلك بهدف تهدئة غضب حركة حماس بعد محاولة الاغتيال الفاشلة، حيث هدد جناحها العسكري بالرد العنيف على جريمة الموساد.
وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن ما شجع نتنياهو على اتخاذ مثل هذه الخطوة خشية من وفاة الشيخ ياسين في السجن بعد تدهور صحته بصورة ملحوظة وهو ما أشارت هذه المصادر إلى أنه سيؤدي إلى موجة عمليات قوية ضد الأهداف الإسرائيلية.
السلطة الفلسطينية من جانبها لم تظهر ارتياحًا للصورة التي أفرج بها عن الشيخ ياسين، حيث حاول ياسر عرفات مرارًا فيما مضى إقناع الإسرائيليين بالإفراج عن الشيخ ياسين عن طريقه على أمل أن يؤدي ذلك إلى تحسين وضعه الشعبي المتدهور دون جدوى.
ويأتي استقبال ياسين في الأردن وقبل ذلك الخطاب الدافئ من الملك حسين تجاه خالد مشعل بعد أسبوعين عاصفين عن العلاقة بين حماس والحكومة الأردنية على خلفية اعتقال الناطق الرسمي باسم حركة حماس إبراهيم غوشة، وتتوقع مصادر سياسية أن تشهد الفترة القادمة تحسنًا في العلاقة بين حماس والأردن ربما يشجع الملك حسين على السعي للعب دور أكبر من أجل إقناع نتنياهو بالإفراج عن عدد معقول من المعتقلين الفلسطينيين الذين تعهدت كتائب القسام بمواصلة توجيه الضربات العنيفة ضد الأهداف الإسرائيلية ما لم يفرج عنهم.
وقد رحبت حركة «حماس» بالإفراج عن الشيخ ياسين- وأعلنت في بيان رسمي أصدرته عقب الإفراج عنه تثمينها للجهود الأردنية التي بذلت لإطلاق سراحه، مؤكدة على أن قدومه إلى الأردن هو لتلقي العلاج مع احتفاظه بحقه في العودة إلى وطنه وأهله بعد انتهاء العلاج.
وفي هذا الصدد وفي اتصال هاتفي أجراه الدكتور موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي للحركة مع الملك حسين صباح الأربعاء الماضي أكد العاهل الأردني أن الشيخ ياسين وصل الأردن لتلقي الرعاية الصحية اللازمة على أن يعود إلى وطنه فلسطين متى شاء ودون أي اعتراض من أي جهة، وقد نفى العاهل الأردني أن يكون قدوم الشيخ ياسين إلى الأردن إبعادًا له عن وطنه أو إسقاطًا لحقه في العيش فوق أرضه وبين أبناء شعبه في فلسطين المحتلة.
وقد أكدت حماس من جهتها على حق الشيخ المجاهد أحمد ياسين في العودة إلى وطنه متى شاء ذلك رافضة كافة محاولات التشويش على خطوة الإفراج عنه من زنازين الأسر الصهيوني، وترى فيها محاولات من شأنها الإساءة للعلاقة الفلسطينية الأردنية المتميزة، أو المحاولات البائسة للنيل من الصمود البطولي لشيخ فلسطين.
محاولة اغتيال مشعل.. والحسابات الإسرائيلية الفاشلة:
فشل جديد للموساد الإسرائيلي يضاف لإخفاقات نتنياهو السابقة:
عمان: المجتمع
المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» خالد مشعل، والتي دبرها «الموساد» الإسرائيلي المسؤول عن عمليات التصفية خارج حدود فلسطين أثارت الكثير من التساؤلات حول دوافع العملية وانعكاساتها.
بعض المحللين ذهبوا إلى القول بأن نتنياهو وجد نفسه في وضع حرج للغاية بعد العمليات الاستشهادية الأخيرة في القدس التي أظهرت حكومته عاجزة عن تحقيق الأمن الذي وعد به الإسرائيليين، وكذلك بعد الفشل العسكري الذريع الذي منيت به وحدة إسرائيلية مختارة من الجيش الإسرائيلي حاولت اختراق مواقع المقاومة اللبنانية في الجنوب من أجل تنفيذ مهمة عسكرية في الأنصارية، وأنه- نتنياهو- أراد الخروج من الأجواء السلبية التي سادت الشارع الإسرائيلي بعد هذين الإخفاقين اللذين أسهما في تراجع أسهمه الشعبية في الشارع الإسرائيلي، وذلك من خلال تحقيق نصر إعلامي عبر تصفية مشعل.
وذهب محللون آخرون إلى القول إن نتنياهو بات يشعر بكثير من الخوف والقلق من احتمالات أن تؤدي العمليات الاستشهادية الموجعة التي ينفذها الجناح العسكري لحركة حماس، إلى سقوطه سياسيًا كما حدث مع سلفه شيمون بيريز والذي أكد أكثر من مرة أن عمليات الاستشهاديين هي المسؤولة عن سقوطه وخسارته للانتخابات وأن نتنياهو الذي عجز حتى الآن عبر ملاحقة مجموعات الكتائب المسؤولة عن تنفيذ أعمال التفجير، أراد توجيه رسالة قوية إلى القيادة السياسية لحركة حماس بأنها لن تكون بمنأى عن الملاحقة والاستهداف إذا استمرت عمليات جناحها العسكري.
ومع أن هذين الهدفين أو أحدهما يمكن من الناحية النظرية أن يشكل دافعًا قويًا وراء محاولة الاغتيال، إلا أن المعطيات القائمة لا ترجح أيًّا من الدافعين، فالشبكة التي نفذت محاولة الاغتيال حرصت بشدة على ألّا تظهر وفاة مشعل كعملية اغتيال وإنما كوفاة طبيعية، وهو ما دفع المجموعة إلى استخدام جهاز متطور للغاية في محاولة الاغتيال بحيث لا تظهر أي مؤشرات على وجود أمر غير طبيعي في الوفاة حال حصولها كما حرصت المجموعة التي أشرفت على تنفيذ العملية على ألّا تترك أي أدلة أو خيوط تقود إليها، ولو أن الموساد الإسرائيلي كان يسعى من خلال محاولة الاغتيال إلى تحقيق نصر إعلامي وإلى إعادة ثقة الشارع الإسرائيلي بقدرة الحكومة الإسرائيلية والأمن الإسرائيلي، لكان المهاجمون استخدموا أسلحة نارية تظهر قدرة الموساد على تصفية رموز الحركات الفلسطينية أينما كانوا كما حصل في المرات السابقة، والتي كان آخرها اغتيال الشهيد فتحي الشقاقي في إحدى العواصم الأوروبية.
الدلائل الموجودة حتى الآن لا تشير إلى أن نتنياهو والموساد سعوا إلى تحقيق نصر إعلامي أو إلى توجيه رسالة إلى قيادة حماس السياسية، مع الرغبة بذلك والسبب في ذلك يعود إلى أمرين أساسيين:
الأول: أن الإسرائيليين يدركون أن تصفية شخصية بمكانة وموقع خالد مشعل الزعيم السياسي لحركة حماس لن تمرره الحركة بسهولة ودون عقاب رادع وهو آخر ما يرغب به نتنياهو خاصة وأنه لا يزال يذكر عمليات الثأر الموجعةللشهيد يحيى عياش العام الماضي.
والثاني: أن «إسرائيل» لا ترغب بالإساءة إلى علاقتها القوية مع الأردن الذي سيشعر بكثير من الحرج وعدم الرضا لتحويل أراضيه إلى مسرح لعمليات التصفية والاغتيال، خاصة أن هناك ما يشبه اتفاق «الجنتلمان» بين الطرفين بتجنب تنفيذ أي أعمال من هذا القبيل.
ويبقى السؤال مطروحًا: لماذا أقدمت «إسرائيل» على محاولة اغتيال مشعل؟ ولماذا اختارته هو بالذات؟
يبدو أن الإسرائيليين الذين يهتمون بدرجة كبيرة بتجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخبارية عن رموز الحركات الفلسطينية وبخاصة حركات المقاومة، قد شعروا بأن مشعل الذي تولى رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس بعد اعتقال الدكتور موسى أبو مرزوق لهو شخصية هامة ومؤثرة قد يؤدي تغيبها إلى إضعاف حركة حماس وإحداث هزة داخلها، وهو ما شجعهم للتفكير جديًا بمحاولة تصفيته بهدوء ودون ضجيج، ولكن الأمور سارت على غير ما يريدون، فمشعل نجا من محاولة الاغتيال بل وتحول إلى رمز سياسي استحوذ على اهتمام وكالات الأنباء لفترة غير قصيرة، وقد استفادت حركته «حماس» بالتأكيد من هذا الاهتمام الإعلامي المتميز.
وأضيف فشل وإخفاق أمني جديد لنتنياهو وأجهزة أمنه إلى الإخفاقات السابقة، فهي المرة الأولى في تاريخ أعمال التصفية للرموز الفلسطينية التي يتم فيها إلقاء القبض على عناصر الموساد وعملائه، وتم ذلك من شخص واحد هو مرافق مشعل الذي طاردهم بصورة بوليسية شبيهة بما يحدث في الأفلام السينمائية.
والحرج الذي كانت «إسرائيل» تتجنب حدوثه في العلاقة مع الأردن قد حدث وبأقسى صورة ممكنة، وهو ما دفع مختلف القوى السياسية والحزبية في الأردن إلى شن هجوم إعلامي حاد ضد «إسرائيل» وإلى مطالبة المسؤولين الأردنيين بالرد على اختراق الموساد الإسرائيلي للسيادة الأردنية، ومما ضاعف شعور الحكومة الأردنية بالحرج إزاء محاولة الاغتيال أنها وقعت بعد أيام قليلة من حادث إطلاق النار الذي تعرض له دبلوماسيان إسرائيليان في عمان وهو ما أظهر وكأن الوضع غير آمن في الأردن، وقد أشارت مصادر أردنية غير رسمية إلى أن زيارة ولي العهد الأردني الأمير حسن إلى واشنطن الأسبوع قبل الماضي ربما تكون قد جاءت على خلفية محاولة اغتيال مشعل التي تسببت في أزمة ثقة ومصداقية للحكومة ولوزير الإعلام الأردني الذي حاول في البداية أن يظهر الأمر وكأنه مجرد شجار عادي قبل أن يضطر إلى التراجع بعد ذلك.
على أن أسوأ ما كان يتوقعه نتنياهو والموساد هو أن تنكشف حقيقة محاولة الاغتيال وأن تتهم حماس «إسرائيل» بصورة قطعية بالمسؤولية. وبالفعل فقد أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس بأنها لن تسكت على جريمة الموساد الجديدة التي عملت «إسرائيل» من خلالها على توسيع ساحة الصراع خارج حدود فلسطين، وقد توعدت الكتائب بالرد العنيف على محاولة الاغتيال الفاشلة وقالت إن العدو الصهيوني سيدفع مقابلها أنهارًا من الدم، وقالت إن الحادث الإجرامي هو مواجهة خارج حدود الوطن وبداية حقيقية لحرب لا هوادة فيها على المصالح الإسرائيلية في مختلف أنحاء العالم مؤكدة أن الأيام القادمة ستظهر طبيعة رد كتائب القسام المدوي على محاولة الاغتيال.
فهل تشهد الأيام والأسابيع القادمة ضربات ثأرية موجعة ردًا على محاولة الاغتيال الفاشلة، أم يتأخر الرد قليلًا؟ لا شك أن نتنياهو سيترقب ذلك بكثير من الخوف والهلع.
الأردن يلزم إسرائيل بمعالجة مشعل والكشف عن المادة السامة:
ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية في نبأ لها من العاصمة الأردنية عمان أن الجهة التي تورطت في محاولة اغتيال خالد مشعل قد تم إجبارها على معالجته، وقد أسندت الوكالة ذلك إلى مصادر علمية في عمان كما عزت إلى مصادر غربية أن الأردن حذر إسرائيل من انتهاج مثل هذه التصرفات الإرهابية وطلب منها تحديد المادة السامة التي هوجم بها مشعل.
وتفيد مصادر دبلوماسية غربية أن الأردن يملك أدلة دامغة على تورط الموساد الإسرائيلي في محاولة الاغتيال لكن المصادر نفسها قالت إن الأردن قَبِلَ ألّا يثير ضجة حول هذه القضية وأن يتعامل بكتمان مع إسرائيل.
من ناحية أخرى كشفت جريدة «الرأي» الأردنية أن مادة الاغتيال السامة هي مادة الرسين السام شديدة الخطورة المأخوذ من حبوب الخردل، فبعد عصرها واستخلاص الزيت يبقى الرسين السام في القشور، وقد طورته دول كثيرة مع غاز مذيب وضاغط حتى يدخل جسم الإنسان عن طريق جهاز قاذف يؤثر في الدماغ والبصلة السيسنانية التي تنظم التنفس.
وخالد مشعل هو من مواليد سلواد قضاء رام الله «فلسطين» عام ١٩٥٦م، هاجر في عام ١٩٦٧م إلى الكويت، وبقي هناك حتى اندلاع أزمة الخليج عام ۱۹۹۰م، درس الابتدائية في سلواد، وأكمل الإعدادية والثانوية والجامعية في الكويت قاد التيار الإسلامي الفلسطيني في جامعة الكويت. وشارك في تأسيس كتلة الحق الإسلامية والتي نافست قوائم حركة «فتح» على قيادة الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الكويت ثم حصل على البكالوريوس في الفيزياء من جامعة الكويت.
تزوج في عام ۱۹۸۱م، ولديه سبعة أبناء ثلاث إناث وأربعة ذكور، عمل مدرسًا للفيزياء في الكويت، ثم تفرغ للعمل السياسي بعد استقراره في الأردن، ويعد من مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وهو عضو في المكتب السياسي لحماس منذ تأسيسه وانتخب رئيسًا في عام ١٩٩٦م أثناء وجود رئيس المكتب السابق موسى أبو مرزوق في السجن بالولايات المتحدة الأمريكية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

