; رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه | مجلة المجتمع

العنوان رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر السبت 24-يناير-2009

مشاهدات 11

نشر في العدد 1836

نشر في الصفحة 43

السبت 24-يناير-2009

إيمان ورجولة، جهاد وثبات إقدام وتضحية نصر وشهادة عزة وإباء كرامة وفخار، مجد

وشرف فروسية وعزائم، إخلاص وسلامة طوية. معان وكلمات.. صفات ونعوت كنا نسمع عنها ولا نرى لها رسما ، ونقرأ صحائفها ولا نحس لها جسداً، بل نرى العكس تماماً، ونشعر بالوهن والضياع، ونحس النذالة والسقوط.

وإني لفي دهر تسافل بعدما               أقيم مقام الرأس فيه ذناب

فوا عجباً مما نراه بجيله                    وأكثر أحوال الزمان عجاب

يذاد عن الماء النمير ابن حرة              وللنذل فيه مورد وشراب

وتعلو على أعلى الرجال أراذل              وتسطو على ليث العرين كلاب

أما اليوم؛ فبعد شجاعة «حماس» وبطولة غزة، وثبات أهلها وتضحياتهم، ورجولة شبابها

وصمودهم.. أما اليوم وبعد أن رفرفت أمجاد غزة على عزائم الأمة فأيقظتها، وعلى خورها في عملقتها » فإنك ترى البعث الجديد الذي يحلق في سماء البطولة، والزرع الناضر الذي يبهج الأرواح، ويعطر بشذاه أجواء الأمة، ويسطر ببطولته آيات المجد والفخار على أرضها وساحتها.

أما اليوم ؛ وأنت ترى الآلة العسكرية اليهودية التي كان يقال عنها : إنها لا تهزم تقف عاجزة أمام هذا الصمود الأسطوري، والثبات البطولي، أمام شباب حماس الناضر، وفتوتهم الخارقة فإنك تجد أن الزمان قد استعاد بطولة الأولين، وأحيا رموز المجاهدين الأولين، وبعث همم الرجال الصادقين، واستعاد بطولة الصحب الأمين وفحولة الفاتحين، وعزائم كاشفي الكروب الذين حيروا أعداء الحق المبين.

عزائم كاشفات الكروب                 تكاد الجبال بها أن تزولا

فلو رمت قلع الرواسي بها           أعدت الرواسي كثيباً مهيلا

وبطولة الصحابة والأجداد بطولة قاهرة مثالية ترفع أعلام الجهاد، وتأتي ببيان النصر، وما هذا إلا لحبهم للشهادة في سبيل الله، ولدفاعهم عن الديار.

عن ابن مسعود أن امرأة من الأنصار أنت النبي بعشرة أولاد لها، وقالت: هؤلاء أولادي معك، اغز بهم في سبيل الله، فكان النبي ﷺ يغزو بهم، وكانت تسأل عنهم حتى استشهد منهم سبعة، فكانت بمن مضى منهم أشد فرحا منها بمن بقي، واستشهد ثامنهم، وتاسعهم فاشتد فرحها وبقي الولد الأصغر، وكان فيه التواء، فكانت أمه عند رأسه تبكي، فقال: يا أمه مالك ؟! لم تبكين؟ واخوتي كانوا خيرا لك مني، وما بكيت عليهم (أي كانوا أعطف عليك مني)، قالت: لذلك أبكي لأنك لا تحصل ما حصلوا ، قال : يا أمه، أرأيت لو أن النار بين يديك أكنت تلقيني فيها ؟ قالت: لا ، قال: فإن ربي عز وجل أرحم بي منك.

وجهاد الكفار المعتدين واجب على كل مسلم لأنه ارتضى الإسلام دينا، والإسلام يحارب الظلم والطغيان في شياطين الإنس الذين رفعوا عقيرتهم بالبغي والاعتداء على الناس، ورغب أعظم الترغيب في جهادهم، وأجزل ثواب المجاهدين والشهداء، وأخبرنا بأنهم أحياء وإن ظن الناس أنهم موتى فقال تعالى: ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٦) فرحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ويَسْتَبْشِرُونَ بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون (۱۷۰) يَسْتَبشرون بنعمة مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١)﴾(آل عمران).

- ﴿فليقاتل في اللَّهُ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدنيا بالآخرة ومَن يُقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74) ﴾ (النساء).

كما أن للشهيد كرامة عند ربه لا تدانيها كرامة، يتمنى كل مسلم أن ينالها ويتطاول إليها عن المقداد بن معد يكرب قال: قال رسول الله ﷺ: «للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج سبعا من الحور العين، ويشفع في سبعين من أهله» (رواه الترمذي).

هذه الكرامات، وغيرها دفعت المؤمنين المجاهدين إلى السباق نحو نيلها والتمتع بكرم الله ولقائه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله ﷺ حتى سبقوا المشركين إلى «بدر»، وجاء المشركون فقال رسول الله ﷺ: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، قال عمير بن الحمام بخ بخ فقال رسول الله ﷺ : «ما يحملك على قول بخ بخ » قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لا حييت حتى أكل تمراتي، إنها لحياة طويلة، فرمى ما كان معه من تمر، ثم قاتل حتى قتل.» (رواه مسلم).

والإسلام يعرف الواقع البشري، ويعرف طبيعة العداوة الشريرة، ولذلك أمر المسلمين بالاستعداد لهذه الطبائع المنحرفة فقال:﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾ (الأنفال : ٦١) إذن فلابد للإسلام من نظام حياة، ولابد له من قوة تردع المنحرفين، ولابد له من جهاد، هذه طبيعة الإسلام التي لا يقوم ولا يعيش إلا بها.

أما الذين يعيشون عيشة العبيد الذين يضربون على أم رأسهم، ويركعون لأعدائهم ويرتضون أن يكونوا كالأنعام التي تسرح وتروح وتدجن، فهؤلاء بينهم وبين الإسلام بون شاسع قال ﷺ: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم».

ومن أجل أن يكون الإنسان جاهزاً دائماً وفي وضع استعداد يجعله الإسلام دائما في رحاب الجهاد وحول أريجه .. عن رسول الله ﷺ: « من جهز غازيا في سبيل الله تعالى فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا » (البخاري).

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ : «ألا أخبركم بخير الناس، وشر الناس؟ إن خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو ظهر بعيره أو على قدمه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجل يقرأ كتاب الله تعالى لا يرعوي بشيء منه» ( رواه النسائي).

بعد هذه السياحة الصغيرة حول هذه المعاني يتضح لنا أن المسلم ومجتمعاته التي يعيش فيها في واد.. والإسلام في واد آخر وأن كثيرين ممن يزعمون نصرة الإسلام أو التربية عليه بعيدون كثيراً عن رحابه، وضالون عن فهم حقيقته أو عاجزون عن القيام بفرائضه وواجباته، أو مدعون متصنعون للانتساب إليه.

ولهذا ينبغي مراجعة التربية التي درج الناس عليها وتلقنوها حتى تستطيع الأمة النهوض بأعبائها، وواجباتها ويكون هناك نصر ووئام، وعزة وسلام، ويهتف الجميع:

تألق النصر فاهتزت عوالينا                   واستقبلت موكب البشرى قوافينا

غنى لنا السيف في الأعناق أغنية            عزت على الأيك إيقاعا وتليحنا

والله نسأل أن يعز الإسلام والمسلمين آمين.

الرابط المختصر :