العنوان الحرية العلمية
الكاتب الشيخ نادر النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 12-يناير-1993
مشاهدات 13
نشر في العدد 1033
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 12-يناير-1993
رسائل الإخاء:
«اقرأ» أول كلمة أنزلت من رب العالمين على قلب رسولنا الأمين تدعوه وأمته من بعده إلى العلم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق: 1- 5).
وأقسم جل وعلا بأعظم مخلوقاته تنويهًا بشأنها ولفتًا للأنظار لأهم أدوات العلم
﴿ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ (القلم: 1- 2) ﴿وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ﴾ (الطور: ١ - ٣). قلم يكتب، ومداد يوضح ويبين، ومادة يكتب عليها.
وقد أقسم الله تعالى بهذه الأدوات الثلاثة: أقسم بالنون، وهي الدواة على ما ذهب إليه جمهور المفسرين، وأقسم بالقلم، وأقسم بالرق المنشور.
﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ (البقرة: ٣١). حتى يعمر الأرض ويتعرف على أسرارها وليس لحقائق الوجود مدى يمكن أن يحيط به العلماء وليس للعلم في الإسلام حد ينتهي إليه العالِم فليست هذه الصفة إلا لله وحده ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (المجادلة: ٧).
وما يبذله المتعلم من جهد في تعلمه فهو كما قال تعالى ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (الإسراء: ٨٥) وإنما يطلب الاستزادة من الله ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه: ١١٤)، وكلما ترقى في مدارج العلم علم أنه ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (يوسف: ٧٨)،
وقد ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ (آل عمران: ١٨) تنويهًا بفضلهم على سائر جنسهم ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ﴾ (المجادلة: ١١)، وضرب الأمثال للناس ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ (العنكبوت: ٤٣)، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: ٢٨)، فهم ورثة الأنبياء أخذوا من ميراثهم بحظ وافر، فضلهم ربهم على عُبّاد بجمعهم، وأدبهم بالعلم فظهرت حليته عليهم، نضارة في الوجه وطيبًا في الذكر سلكوا طريقًا سهل الله لهم طريقًا إلي الجنة، وطلب العلم والفقه إذا صحت النية أفضل من جميع أعمال البر وتعلم الفروض منه أولى من تعلم أي القرآن، وللابن أن يخرج لطلب العلم المفروض ولو من غير إذن والديه كما يخرج للجهاد المتعين بشرط ألّا يتعرض للفاقة والضياع بخروجه، وكذلك الزوجة لها أن تخرج بغير إذن زوجها إذا أبى أن يعلمها ما افترض عليها الشارع من علم، ونفقة طالب العلم واجبة على أبيه الموسر ولو كان الطالب قادرًا على الكسب، وكتب العلم لأصحابها تعد من الحوائج الضرورية فلا تدخل قيمتها في نصاب الزكاة الواجبة ولو بلغت قيمتها الملايين بحيث يعتبر صاحبها ممن يجوز له أخذ الزكاة ولا يلزمه بيعها لأداء فريضة الحج إذا كان لا يملك غيرها وإذا لزمه الدين وحكم بإفلاسه تترك للعالم كتب العلم ولا يحجز عليها. «انظر الأشباه والنظائر للسيوطي ٢٧٥».
ولذا صار العلم في الصدر الأول مشاعًا ليشمل جميع الفئات، ميسرًا لكل إنسان في المسجد والمدرسة وفي الحلقات العلمية، وفي المكتبات العامة، فلم يعرف المجتمع الإسلامي طبقية العلم أو انحصاره في فئة معينة، وبهذا الجو العلمي الحر ينطلق طالب العلم في ميادينه يجتهد ويستنبط من نصوص الشريعة، يؤهله وسائل الاجتهاد والاستنباط، وأن يناقش الآراء ويفاضل بينها، ويختار منها ما يراه أقرب إلى الصواب وفقًا للنقل والعقل مهتديًا في ذلك كله بقوله تعالى ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾) الزمر: ١٧).
ولذا نشأت المذاهب وتعددت الآراء وكثرت المدارس الفقهية وتنوعت الحلقات العلمية، وكان لكل ذي رأي باعه، ولكل إمام مؤيدوه، فكانت حلقات العلم قوة في حماية الإسلام في كل نواحي العلوم وفروعها.
وأول ما بدأت به المساجد، ثم أنشئت بجانبها المدارس وأجريت عليها الأوقاف فانقطع طلبة العلم لذلك فظهر التفوق في جميع ميادين العلم.
ففي تفسير القرآن الكريم وعلومه المختلفة قامت الآراء ذات الأساليب المتنوعة في التفسير، وفي الحديث نشأت بعد جمعه علوم جمة ذات فائدة عظيمة كالمصطلح وغيره، وفي تشريع الأحكام فقد تعددت المذاهب الاجتهادية تعددًا جعل من الفقه الإسلامي ثروة تشريعية لا مثيل لها في أمة من الأمم، وفي العقائد تنوعت مقالات الإسلاميين كان منها ما يخالف الحقائق المأثورة والمناهج المتبعة. وفي التاريخ اتبع كل مؤرخ ما صح عنده من الأخبار وثبت لديه من تفسيرها.
وفي الأدب من نحو وصرف وشعر ونثر ولغة وعروض فقد تعددت الآراء في كثير من أبحاثها وتعددت المدارس في الكوفة والبصرة وظهرت الآراء في نقد الشعراء وتفضيل بعضهم على بعض. والفلسفة والمنطق بين مهاجم لها معرض عنها، وبين معني بها للرد على تهافت الفلاسفة ومنطق المناطقة ومنهم من تتبع مسار الأجرام السماوية والفلك ليضبط مواقيتهم ومناسكهم. وفي التزكية والأخلاق وعلم النفس قامت الدراسات التي تدور حول طبائع النفس الإنسانية وخصائصها وفي التصوف نشأت المذاهب المتعددة في السلوك والعبادة ودونت المجلدات الضخمة في ذلك. ونحن نعرض هذه النهضة العلمية في مختلف الميادين وتعدد مدارسها الفكرية لا نتعرض لما كان للخلاف في بعضها من آثار في الحياة السياسية والاجتماعية للمسلمين، وكان منها ما يمس العقيدة الإسلامية ولكن لم تكن هناك سلطة دينية أو سياسية تحظر هذه الآراء أو تحكم على أصحابها بالانحراف أو السجن أو الإعدام بل كان علماء الشريعة يتصدون للرد عليها وبيان زيفها وبطلانها بالحجة والبرهان، وكان ميدان النقاش هو الكتب والمصنفات والحلقات والمجالس العلمية فحسب لا السيف ولا السجن ولم يحدث ذلك إلا مرة في تاريخنا حينما امتحن المأمون والمعتصم والواثق العلماء بخلق القرآن فرضًا لمذهب المعتزلة وعذب المئات من العلماء المخالفين لذلك الرأي، ولم يقع أن تدخلت الدولة- وخاصة في القرون الثلاثة للهجرة- ضد الآراء المخالفة لتعاليم الإسلام إلا حين ترى الدولة أنها تعرض كيان الدولة للخطر كفتنة عبد الله بن سبأ في عهد علي رضي الله عنه وفتنة الخوارج، وليس من غرض في هاتين الدعوتين إلا تهديم الكيان الإسلامي وإفساد العقيدة بما تبعث بين الغوغاء من تفرقة وفساد. وكذا الزنادقة في عهد المهدي العباسي الذين تستروا بالإسلام من الفرس. ولم يقع اضطهاد للعلماء إلا في حالات نادرة في العصور المتأخرة كما وقع لابن حزم في الأندلس لما أحرقت كتبه ولابن تيمية في دمشق لما سجن بسجن القلعة ولم يكن ليقع ذلك لو أن المجتمع الإسلامي بدأ يبتعد عن الحرية العلمية التي أرسى أساسها الإسلام.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلبرقية جمعية الإصلاح الاجتماعي إلى مؤتمر وزراء التربية العرب في ليبيا
نشر في العدد 3
113
الثلاثاء 31-مارس-1970
معالم الإصلاح والتجديد في تجربة نور الدين زنكي (3) العـدل أسـاس المـلك
نشر في العدد 2181
49
السبت 01-يوليو-2023
كلمــــات إنصــــاف بحــق المفتـــرَى عليــــه.. ماذا فعل السلطان عبدالحميد الثاني لحمايـــــة وتوحيــــد الأمـــة؟
نشر في العدد 2176
33
الأربعاء 01-فبراير-2023