; رسالة تايلاند: حول تصحيح ما سبق نشره | مجلة المجتمع

العنوان رسالة تايلاند: حول تصحيح ما سبق نشره

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 22-سبتمبر-1970

مشاهدات 20

نشر في العدد 28

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 22-سبتمبر-1970

رسالة تايلاند: حول تصحيح ما سبق نشره

محاولة مزج البوذية بالإسلام

الحكومة تقبض على علماء المسلمين

السيد المحترم: رئيس تحرير جريدة المجتمع، السلام عليكم ورحمة الله، بعد ما تتابعت مقالة في جريدتكم المجيدة «العدد العاشر ١٤ ربيع الأول ۱۳۹۰» عن زيارة وفد إسلامي من جنوب تايلاند لدولة الكويت الشقيقة، وتصريح ممثل الوفد لمقر الجريدة عن أحوال المسلمين في تلك المنطقة، أخذتني الدهشة بما فيه من تشويش للحقيقة وتكذيب للواقع؛ ولذلك أشعر أنه من واجبي كواحد من أبناء تلك المنطقة أن أفضح حقيقة ما يجري فيها من اضطهادات وظلم لا مثيل لها من قبل الحكومة التايلاندية البوذية نحو المسلمين هناك.

إن هذه المنطقة «جنوب تايلاند» معروفة باسم «فطاني» وهي تمتد من حدود ماليزيا «ملايو» إلى سكنتيغ كرا، ويقدر سكانها بأربعة ملايين نسمة، بينهم ٩٠٪ من المسلمين، والباقون من الصينيين والبوذيين.

والمسلمون هناك ينتمون إلى أصل ملايوي، وهم سكان الأصل لتلك المنطقة، وقد اعتنقوا دين الإسلام من أول يوم وصول الإسلام إلى الشرق الأدنى في القرن الرابع عشر الميلادي عن طريق تجار العرب والفرس.

ومنذ احتلال الحكومة البوذية هذه المنطقة وضمها إلى أرض تايلاند في مطلع هذا القرن ۱۹۰۲ بموافقة بريطانيا، فإن المسلمين هناك يعيشون تحت جميع أنواع الظلم والاستبداد قلما عرفت البشرية مثيلها في العصر الحاضر.

وفي الواقع أنهم محرومون من رائحة الحرية في التعبير عن إرادتهم وآمالهم، فضلًا عن تطبيق الشريعة في حياتهم اليومية، والحكومة التايلاندية لا تكفي لأبناء هذه المنطقة فرص التعليم الملائمة لمطالب الحياة العصرية، ولا يحسن حياتهم الاقتصادية ونحوها مما يجعلهم منعزلين عن بقية الشعوب الحرة.

التقريب ما بين البوذية والإسلام

ومن جهة أخرى، فقد بدأت الحكومة التايلاندية المتعصبة تقرب الإسلام الحنيف إلى البوذية الوثنية، حيث تعتبره دينًا محاصرًا للعبادة حينًا، وتتهمه بأنه مؤخر نمو الاقتصاد مرة أخرى؛ ولذلك وجدنا أنها تسمح للمسلمين إنشاء المساجد، كما أنها تنشئ المعابد للبوذيين على السواء، وللأسف إن معظم المساجد قد تتحول إلى عقار للغنم لا يزورها أحد إلا مرة في الأسبوع وهي: يوم الجمعة؛ والسبب أن الحكومة التايلاندية تمنع الاجتماع لأكثر من خمسة أفراد ما عدا يوم الجمعة، ومع هذا فإن خطبة الجمعة لا بد من الرقابة عليها قبل إلقائها، وإنني لعلى يقين من أن الحالة ستزداد سوءًا مادام المسلمون في تلك المنطقة يواصلون قبول جميع الإجراءات التي تخططها لهم الحكومة؛ طمعًا لمصالحهم الفردية كما هو الشأن في بعض أعضاء وموظفي «مجلس الإسلام» اليوم.

القبض على علماء المسلمين

إن مجلس الإسلام هي المنظمة الوحيدة التي يديرها المسلمون، وهي من أثر جهود الشهيد الحاج: محمد سولوم، الذي استشهد اعتقالًا سنة ١٩٥٠؛ لمطالبته حرية كاملة في الدين، وقد أقيمت هذه المنظمة في أول أمرها لتوحيد المسلمين وتصليح أحوالهم الدينية والدنيوية، ولكن هذه الغاية المنشودة لم يتمكن من تنفيذها بسبب ضغط شديد من جهة الحكومة، بل تحولت فيما بعد إلى جمعية ليس لها نشاط إلا جمع مال زكاة الفطر وتوزيعها بين الموظفين، وكانت على وشك الموت في السنوات الأخيرة حيث احتلها الجهال الذين يعملون كآلات للحكومة في سبيل الدفاع عن ظلمها، بل منهم من يستأجر كجواسيس ضد المدرسين وأئمة المساجد الذين يكافحون لإصلاح المسلمين هناك، ويناضلون لاسترداد حقوقهم المغتصبة كما يناضل إخوانهم العرب في أرض فلسطين الغالية لاسترداد حقوقهم من أيدي اليهود؛ ونتيجة لهذا أُلْقِيَ القبض على العلماء، وحُبِسُوا من غير محاكمة، حيث يلاقون أنواعًا من التعذيب يعجز القلم عن وصفها.

نفوذ الصهيونية

وليست لهم حرية في التفكير، فأفواههم مقفولة عن الكلام، وحتى لو تكلموا مع زملائهم وصرحوا أن للعرب حقًا في قضية فلسطين، لماذا؟ لأن للصهيونية العالمية يدًا في الحكومة التايلاندية، حيث بدأت تنشر نفوذها على كثير من المؤسسات. قد رأينا على سبيل المثال أن الصهيونية قد أقامت كلية في فطاني في سنة ١٩٦٨، ولكن المسلمين كانوا لا يقبلون هذا المشروع، ولا يسمحون لأبنائهم الانضمام إليها؛ لأنهم يعرفون أن هذا المشروع يمثل تخطيطًا من الاستعمار العالمي لأجل تحقيق مطامعه ومصالحه في تلك المنطقة المحتلة، بجانب تحطيم الحركة التحررية الإسلامية التي لا تزال مشتعلة في نفوس المسلمين.

قلت إن الحكومة التايلاندية لا تتيح فرص التعليم لأبناء الفطاني، ولا تبنى لهم المدارس العلوم والمعارف. غير أني لا بد أن أضيف هنا أن بعض المسلمين المخلصين حاولوا إقامة مدارس دينية بجهدهم الفردي أو الجماعي وينظمون مناهج ثقافية، ولكنه من المؤسف أن هذه الجهود تلاقي عدة صعوبات بالغة فرضتها عليها الحكومة البوذية؛ بقصد تحطيم الوعي الإسلامي. فعلى سبيل المثال: إن الحكومة تحدد المواد الدراسية التي يدرسها المسلمون في حدود ضيقة، فالفقه مثلاً لا تسمح بتدريسه إلا فيما يتصل بأمور تعبدية فقط، وكذلك الشأن في التفسير والحديث وغيرها لا يجوز تدريسها إلا في حدود ترسمها الحكومة حسب مصالحها السياسية. وكثير من المدرسين قد اعتقلوا بتهمة تلقين الدروس أكثر مما حددتها الحكومة، وقد حدث شيء فظيع بالنسبة للمسلمين هناك عندما تعرض الحكومة التايلاندية اللغة البوذية في المدارس الإسلامية كمادة إجبارية يجب تدريسها بما لا يقل عن ثلاث ساعات يوميًا فلا يبقى إلا ساعتان من الوقت لتعليم الإسلام والقرآن والقواعد.

فهذه المأساة المفجعة قد تزداد سوءًا في الأيام الأخيرة، وهي أن تتحول تلك المدارس الدينية الأصل إلى مدارس سيامية بوذية خالصة، تسير بصفة منظمة في الصباح، بينما تبقى دينية في المساء بصفة إضافية فقط، ومدرسة «ترقية إسلامية» نفسها من هذا النوع. وقد كانت في بداية تأسيسها تقوم بتدريس الإسلام واللغة العربية بجانب العلوم الأخرى التي تدرس كذلك بواسطة اللغة العربية، غير أنها قد تحولت فيما بعد سنة ١٩٦٨ إلى مدرسة سيامية بوذية لا تدرس فيها العلوم الإسلامية إلا ساعات في الأسبوع، وهذه الحالة المحزنة قد حدث مثلها في المدارس الدينية الأخرى في مقاطعة «جالا» و«فطاني» و«ستول».

تلك هي بعض الأمثلة التي تقوم بها الحكومة التايلاندية البوذية في الاستبداد بالأقلية المسلمة التي تحت احتلالها، فإنها من غير شك تمثل مؤامرة استعمارية تستهدف إبادة المسلمين وقمع ثورتهم في تلك المنطقة الغنية في جنوب شرقي آسيا، ولا يستطيع المسلمون من أبناء تلك المنطقة مواصلة تحمل المشقات والاضطهادات التي تزداد يومًا بعد يوم؛ ولذلك أخذوا يتطلعون إلى عالم حر طليق يستطيعون فيه ممارسة تعاليم الدين الحنيف، ويهيئون لأبنائهم مستقبلًا حرًا باهرًا سعيدًا، وقد ذاقوا طعم الذل والإهانة تحت سيطرة الاستعمار التايلاندي إلى درجة لا تقرها ضمائرهم، ولا ترضاها كرامتهم وإنسانيتهم، وهذا هو الذي يدفع كثيرًا من علماء المسلمين وأبنائهم المخلصين هناك إلى دخول الغابات، حيث أخذوا يتدربون على حمل السلاح تطبيقًا لآية الله: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ (النساء: ٧٥).
 إن هذه الأعمال البطولية قد نجحت في تحريك الوعي الوطني والإسلامي في نفوس المسلمين الفطانيين، فأخذوا يشتركون في حمل السلاح ضد سيطرة الحكومة البوذية، ويلحقون بها خسائر فادحة.

وهذا يعتبر ضررًا جسيمًا للحكومة التايلاندية، ومن ورائها الاستعمار العالمي. ومن جهة أخرى، فإن هذا الوعي الوطني والإسلامي الذي يتدفق في قلوب المسلمين الفطانيين -والشباب منهم خاصة- قد كَذَّبَ أوهام عملاء الحكومة وادعاءاتهم أن المسلمين هناك يعيشون في حرية تامة يستطيعون في ظلها تطبيق شريعة الله حسب ما يريدون. ولا شك أن نضال شعب فطاني قد يلاقي معارضة شديدة من قبل هؤلاء العملاء الذين يعملون جنبًا إلى جنب مع الحكومة البوذية في القضاء على هذه الحركة الفتية طمعًا لمصالحهم الذاتية.

إنني كواحد من أبناء تلك المنطقة نفسها أعرف حقيقة ما يجرى هناك من اضطهادات يذوق المسلمون مرارتها ليلًا ونهارًا. فلا أفهم ماذا يعني أخونا الحاج: شعراني مدا کاکول بتصريحه لجريدة المجتمع «أن أربعة ملايين مسلم يحكمون أنفسهم بأنفسهم ويطبقون شريعة الله في جميع شؤونهم»؟! مع أنه يعلم علم اليقين أن مسلمي هذه المنطقة من يوم احتلتها الحكومة البوذية إلى وقتنا هذا ما زالوا يستميتون في المطالبة بالحرية الكاملة في الدين بكل ما تضمنته الكلمة، وليست الحرية المقصورة على أداء الصلاة والصيام فحسب. وهو يعلم أيضًا أن هناك مئات من المسلمين يعيشون في السجن يتجرعون أنواع التعذيب من قبل الحكومة البوذية الفاشية دون أي سبب سوى أنهم يريدون تنفيذ شريعة الله في حياتهم. فأين الحرية التي ادَّعى بها أخونا الشعراني؟!

إن مثل هذه النكبة المتلاحقة لا يرضاها إلا عملاء الاستعمار وأذنابه. وإني أعتقد أنه ليست هناك جريمة أكبر من إعانة أعداء الله والإسلام على نشر الظلم والطغيان نحو المسلمين مهما تنوعت المصالح والغايات.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

فلسطين

نشر في العدد 2

2490

الثلاثاء 24-مارس-1970