; رمضانيات.. إلى الصائمات | مجلة المجتمع

العنوان رمضانيات.. إلى الصائمات

الكاتب المستشار سالم البهنساوي

تاريخ النشر الثلاثاء 10-أكتوبر-1972

مشاهدات 13

نشر في العدد 121

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 10-أكتوبر-1972

قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورا رَّحِيما﴾ (الأحزاب: ٥٩).

وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله للنساء «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا، لئلا يحركن الرجال بطيبهن».

وإذا كان صحيحًا أن العفة ليست في المظهر وحده، فليس صحيحًا أن التبرج والتعطر خارج المنزل لا أثر له؛ لأنه يجعل هذا المنكر معروفًا لدى النساء والفتيات، كما أنه يجعلهن مطمعًا، إذ أعلن عن تهاونهن في أخلاقهن ودينهن، فكان ذلك سبيلا لمغازلتهن أو تتبعهن، كما يشارك ذلك المظهر فساد الشباب وإثارة الغرائز ؛ فالمظهر العفيف والمخبر والسلوك العفيف أمران لا غنى للمرأة عن أحدهما لتصبح من أهل العفاف فلا يطمع فيها من كان مريض القلب، مختل السلوك، ولا تصبح هدفًا للتعرض والإيذاء بالقول والتتبع من الماجنين والفاسقين ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ (الأحزاب: ٣٢).

فهل آن الأوان أن يدرك الوالد والزوج أن الحفاظ على بيئته يقيه وصاحبته وبنيه من اللعنة في الدارين؟ أم أن اختلال الموازين جعل القيادة للمرأة طوعًا أو كرهًا، ومن ثم لا مجال لمخاطبة الرجال لأن فاقد الشيء لا يعطيه؟

صوم صاحب الوجهين

إن شر الناس، وأضرهم لدين الله، من يرتدي مسوح الرهبان ويتوشح برداء الإسلام ثم يلقى هذا بوجه وذاك بوجه ابتغاء منافع مادية، أو مصالح شخصية، أو حبًّا للظهور والسمعة، أو لأي سبب ولو كان غير معروف.

إلى هؤلاء الذين يتلونون ليظهروا أمام الناس بمظهر يخالف ما هم عليه، وهم يعرفون أنفسهم ودافعهم تمامًا، إلى هؤلاء نذكر أن هذا العمل يحبط الأجر والثواب في العبادات عامة وفي الصوم خاصة.

بالإضافة إلى أن واقع هؤلاء بين الناس يكون خلاف ما يظنون من الفشل والورع؛ فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيما رواه لنا البخاري ومسلم «تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه».

وهؤلاء لا يخفى عليهم ما رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا».

ولقد تعمد الله بكشف كل من تستر في دينه ليحقق مغنمًا، ماديًّا كان أو معنويًّا، وحسبنا أن هؤلاء يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله.

وإذا كان الله قد أحبط عمل من يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فإن رفع الصوت كما يكون بالقول الرنان، يكون بتحقيق المآرب الشخصية باسم الدين والإيمان.

يكون برفع نسبنا ومصالحنا فوق نسب الله ومصلحة المسلمين، كل ذلك رفع للصوت وإعلاء للكلمة على صوت وكلام سيد المرسلين، وكل ذلك تقديم بالقول والأعمال بين يدي الله ورسوله، وصدق الله إذ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ (الحجرات: ١ - ٢).

شواهد إفساد الصوم بالمعاصي

والصيام ليس إمساكًا عن الطعام والشراب فحسب، بل إمساك أيضا عن الفسق والزور والغيبة والنميمة والظلم والإفساد وسائر المعاصي.

وإذا كان الإنسان قد طلب منه وفرض عليه أن يطهر من المعاصي في جميع الأوقات ليلا أو نهارًا، فإنه قد شدد عليه زمن الصوم؛ إذ بالمعصية يبطل الغرض من الصوم وهو العلاج والوقاية؛ ولهذا روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «قال الله عز وجل: كل عمل ابن ادم له إلا الصيام فإنه لي وانا أجزي به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم» جنة، أي وقاية.

ولما كان جوهر الصوم هو الإمساك عن الطعام والشراب وتجنب المعاصي فإن الصوم مع المعاصي استهزاء بهذه الفريضة وعبث يجب أن يتطهر كل عاقل منه، وقد روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله «من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل فليس عليه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». وفي الحديث الشريف أيضا: «رُب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر».

وقد غفل المسلمون اليوم عن هذه الحقيقة وظنوا أن الصوم هو الامتناع عن الأكل والشراب فحسب، ومن ثم فقد صيامهم أخص خصائصه وهو الوقاية، التي أكدها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «الصوم جنة»، وقوله «ليس الصيام عن الأكل والشراب إنما الصيام عن اللغو والرفث».

من أجل ذلك رأى بعض الفقهاء بطلان الصوم مع المعصية، فقال أنس بن مالك: «إذا اغتاب الصائم فقد أفطر»، وروى ابن حزم أن الصحابة رضي الله عنهم عمرَ وعليًّا وأبا ذر وأبا هريرة وأنس وجابرًا يرون بطلان الصوم بالمعصية وقال: لو كان الصوم تامًّا بها ما كان لتخصيص النهي عنها معنى، وانتهى ابن حزم إلى بطلان الصوم لأي معصية.

ویری أكثر الأئمة ببطلان أجر الصائم، فلا ثواب للصوم مع المعصية، ويحكمون بصحة الصوم في الظواهر أي في الأحكام الدنيوية.

لا صوم لمن لا صلاة له

ولقد وقفت كثيرا عند قول النبي صلى الله عليه وسلم «أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله».

وأيقنت أن الله لا يقبل الصوم من تارك الصلاة، كما لا يقبل منه الزكاة أو الحج وسائر الأعمال، كما لا يقبل الله صوم من أصر على ارتكاب الكبائر في رمضان لأنها تدخل في دائرة الرفث والجهل والزور، لكننا نفرق بين عدم القبول وبين البطلان، فعدم القبول يحكم به الله في الناس يوم القيامة؛ لأنه يحاسب على الظاهر والخفي من الأعمال والسلوك والنيات، ولهذا لا يقبل الصلاة ممن تظاهر بها أمام الناس ولم يبتع بها وجه الله، ويرد الله الجهاد إن أريد به السمعة أو الحمية.

أما البطلان فحكم دنيوي بين الناس بعضهم بعضًا أساسه ظاهر العمل؛ فصلاة المرائي قائمة في الدنيا وتعصمه من العقاب الدنيوي، أي من إقامة الحاكم المسلم الحد عليه، وأمره وحسابه عند الله يوم القيامة.

فعلى كل مسلم أن يدرك أن الله شرع الصوم لتطهيره من أرجاس المعاصي؛ فإصرار الصائم على ارتكاب المعاصي استهزاء بالصوم وعداء صريح لله ورسوله، ومن كانت هذه صفته فكيف يقبل الله صومه؟ فإلى صوم سالم من الجهل والرفث والزور والبهتان.

الرابط المختصر :