; رمضان والشراهة الاستهلاكية | مجلة المجتمع

العنوان رمضان والشراهة الاستهلاكية

الكاتب أ. د. زيد بن محمد الرماني

تاريخ النشر الثلاثاء 22-ديسمبر-1998

مشاهدات 13

نشر في العدد 1331

نشر في الصفحة 45

الثلاثاء 22-ديسمبر-1998

الصوم من أقدر العبادات على تهذيب النفوس والسمو بالأرواح؛ إذ فيه إعداد النفوس وتهيئة لها على تقوى الله ومراقبته.

والصوم له فضل عظيم، فهو سر وعمل باطن لا يراه الخلق ولا يدخله الرياء، يربي في المسلمين ملكة الصبر والقدرة على قهر النفوس وتعويدها تحمل الشدائد ومتاعب الحياة ومصاعبها.

ومن الواضح أن هناك علاقة طردية ظهرت بين شهر رمضان المبارك والاستهلاك النهم، والمرء يندهش من هذا النهم الاستهلاكي المستشري بين أوساط الناس في هذا الشهر الفضيل، فالجميع يسعى بجد في سبيل الاستهلاك والاستعداد له مستسلمين لوسائل الدعاية والإعلان.

ومن الأسف أن اعتاد بعض الناس عادات سيئة، ومن ذلك رصد ميزانية مرتفعة للإنفاق الاستهلاكي، فيكون النهار صومًا وكسلًا، والليل طعامًا واستهلاكًا غير عادي، ومن ثم يقع الإنسان أسير دائرة استهلاكية شرهة لا تتركه إلا بعد أن تجرد جيوبه وحساباته من آخر قرش.

إن الإنفاق البذخي في رمضان أمر لا يتسق مع وضعية مجتمعاتنا النامية، وما نضيعه في رمضان هو بكل تأكيد هدر لإمكانات مادية نحن في حاجة إليها.

كما أن شراهة الاستهلاك المتنامية فينا تدل على مدى التخلف السلوكي الذي تعيشه مجتمعاتنا، وتعكس المسافة المتفاوتة بين المبدأ والفعل، والتي تتسع يومًا بعد يوم.

فالإسراف والتبذير في الاستهلاك يعتبر سوء استخدام للموارد الاقتصادية، وهو عمل مذموم؛ حيث وصف الله المسرفين والمبذرين في القرآن الكريم بأنهم إخوان الشياطين.

إن المتأمل لصناديق القمامة ليتأكد من أننا في حاجة إلى إعادة النظر في سلوكنا الاستهلاكي باتجاه تعديله لسلوك استهلاكي رشيد.

والنصيحة التي يمكن أن نتوجه بها إلى أفراد المجتمع هي عدم التفريط أو الإفراط في تناول الطعام في ليالي رمضان، والتزام الاعتدال، قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (سورة الأعراف: ٣١)، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ (سورة الفرقان: ٦٧)، وقد ورد عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- قوله: «كل سرف فبإزائه حق مضيع».

لقد درجت أمانينا على اغتنام فرصة الصيام لتقويم الروح بفوائد روحية، وتقويم الجسد بفوائد جسمية، فهل نتعود على اغتنام الفرصة لتقويم اقتصاد الأمة وهو جسمها وروحها من داء عضال هو داء الاستهلاك الدائم من غير إنتاج كافٍ؟.

وهل يكون شهر رمضان فرصة ومجالًا لامتلاك إرادة التصدي لحالة الاستهلاك الشرهة التي تنتابنا في هذا الشهر الكريم؟.

الرابط المختصر :