العنوان رواد الإصلاح الإسلامي في العصر الحديث.. عز الدين القسام
الكاتب د. هشام الحمامي
تاريخ النشر السبت 07-يوليو-2007
مشاهدات 15
نشر في العدد 1759
نشر في الصفحة 40
السبت 07-يوليو-2007
ولد في سوريا وأكمل تعليمه في مصر واستشهد في فلسطين
كون كتائب للمجاهدين أقضت مضاجع الصهاينة والإنجليز وكان استشهاده سبباً في اشتعال الثورة ضد المحتل عام ١٩٣٦م
اتخذه الناس في حيفا إماماً وقائداً لهم لما لمسوه فيه من صدق وتجرد وبذل
لا تذكر فلسطين المحتلة ولا يذكر الجهاد والنضال الفلسطيني إلا ويذكر اسم عز الدين القسام فارتباط اسمه باسم فلسطين في الوعي العربي والإسلامي شديد العمق.. شديد التأثير.. إلا أننا قد نندهش قليلاً حين نعلم أنه سوري النشأة والتربية.. مصري التعليم والثقافة... ولعل هذا التألف يشير إلى حقيقة من حقائق التاريخ الدالة على عمق الارتباط بين هذه الأوطان الثلاثة ( مصر - فلسطين - سوريا) وبين استقرار وأمن الشرق كله.. وما كان للاستعمار بامتداده المختلفة أن يترك هذا التألف ليتم ويعطي ثماره.
ولد عز الدين عبد القادر مصطفي القسام في إحدى القرى القريبة من مدينة اللاذقية السورية ١٨٨٢م في بيت علم ودين، حيث كان أبوه من المشتغلين بتدريس علوم الشريعة الإسلامية، وكذا أمه السيدة «حليمة، خرجت من بيت كريم هو بيت «القصاب».
تلقى تعليمه الأول في بلدته وظهرت عليه مخايل النبوغ المبكر، فأتم حفظ القرآن وأحاط بعلوم العربية وآدابها، ثم سافر إلى مصر في عام ١٨٩٦م هو وأخوه فخر الدين للدراسة في منارة الشرق الأزهر الشريف، ومكث بها عشر سنوات طالع فيها وجه الحياة في أدق تفاصيلها. على مستوى مشروع النهضة والإصلاح الذي كان في بداياته الأولى، فكانت صحبته للشيخ الإمام محمد عبده والسيد رشيد رضا.. أو على مستوى فهم جوهر الصراع بين الشرق والغرب في تفاعلاته المعقدة، والتي كان أحد أشكالها احتلال مصر سنة ١٨٨٢م، والتوطيد لهذا الاحتلال فكرياً وسياسياً وثقافياً، وتبلور تيار المقاومة الإسلامية الذي بدأ يشق مساره بقوة من خلال علماء الأزهر في إحدى حلقات دورهم التاريخي في مواجهة البغي والعدوان.
في عام ١٩٠٦م عاد إلى بلاده وقد حمل معه شهادة الأهلية وزاداً كثيراً.. ثم ذهب إلى تركيا في رحلة خاطفة للحصول على دورة في طرق التدريس، وعاد مدرساً مثل والده.. وفي الزاوية نفسها التي كان يدرس بها وزاد على ذلك بقيامه خطيباً للجمعة في مسجد المنصوري، فأقبل عليه الناس ووثقوا به وأحبوه، وظهر ذلك واضحاً حين قاد أول مظاهره تندد بالاحتلال الإيطالي لليبيا سنة ۱۹۱۱م، وكون سرية من ٢٥٠ متطوعاً للذهاب إلى ليبيا للدفاع عنها، ومنعته السلطات العثمانية.
سفره إلى فلسطين
ثم تتطور الأمور فيأتي عام ١٩٢٠م وتدخل القوات الفرنسية سورية فتشتعل الثورة في جبل صهيون بقيادة عمر البيطار، فيبيع بيته ويشتري بثمنه ٢٤ بندقية وينتقل مع عائلته إلى قرية جبلية حصينة اسمها الحفة، ولم تكن الأحوال مواتية.. فأخفقت الثورة وحكم على القسام غيابياً بالإعدام.. إلا أنه تهيأت له فرصة للنجاة بالسفر إلى فلسطين، فسافر هو وأقرب أصحابه الشيخ محمد الحنفي والشيخ علي الحاج عبيد . وهي السفرة التي كانت الانطلاقة الأولى للالتحاق بمواكب الشهداء.
كانت فلسطين في هذا الوقت مسرحاً كبيراً لفصول متعددة من المؤامرات السوداء.. ففي سنة ١٩١٧م سجل آرثر بلفور، وزير الخارجية البريطاني مذكرة إلى لويد جورج رئيس الوزراء في ذلك الوقت.قال فيها : ليس في نيتنا مراعاة مشاعر الفلسطينيين، نحن ملتزمون بالصهيونية وسواء كانت الصهيونية على حق أم على باطل.. جيدة أم سيئة .. فهي ذات أهمية تفوق بكثير رغبات وميول العرب الذين يسكنون الآن هذه الأرض القديمة ... كانت بريطانيا في ذلك الوقت قلقة للغاية من هجرة اليهود إليها من روسيا وأوروبا الشرقية الذين كانوا يتعرضون لاضطهاد شديد في بلادهم.. وذهب هرتزل إلى لندن وقابل رئيس الوزراء وقال له : إذا كنتم ترون أن بقاء اليهود في بريطانيا غير مرغوب فيه.. فلابد من إيجاد مكان آخر يهاجرون إليه، دون أن تثير هجرتهم المشكلات التي تواجههم هنا!!
وعلى تلك الخلفية وأخرى أكثر دجلاً - فدائماً خلف كلمات السياسة والتاريخ تقبع وسائط أخرى للخداع - تقول إن المشروع الصهيوني مشروع إلهي يستجيب للتعاليم التوراتية .. وفي الثاني من نوفمبر من تلك السنة صدر وعد بلفور الشهير بمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين.
شعلة نشاط
وكان عز الدين القسام على موعد هناك.. ففي ٥/١٢/١٩21م نزل الرجل وأصحابه بمدينة حيفا وأقاموا هم وعائلاتهم ببيت واحد في أحد الأحياء الفقيرة التي كانت تغص بمئات الفلاحين الفقراء النازحين من قراهم في بدايات التوطين اليهودي تحت رعاية الانتداب البريطاني، واتخذ من أحد مساجد المدينة مقراً له مسجد الاستقلال وبدأ في تعليم الفلاحين ورعايتهم.. فعمل على محو أميتهم بدروس ليلية والتواصل معهم عبر شؤونهم اليومية نصحاً وتوجيهاً وخطيباً للجمعة فيهم.. فاتخذه الناس إماماً وكبيراً لهم.. مع ما المسوه فيه من صدق وتجرد وبذل... والتحق بالمدرسة الإسلامية مدرساً بها وبجمعية الشبان المسلمين عضواً فيها، ثم رئيساً منتخباً لها سنة ١٩٢٦م.. فكان المسجد والمدرسة والجمعية أرضاً خصبة له ينثر فيها بذور أفكاره الإصلاحية والجهادية وهو الغرس الذي أثمر ثماراً يانعات .. مع ما لاقاه من تأييد ودعم من مفتى القدس وزعيم الحركة الوطنية الفلسطينية الحاج أمين الحسيني.. وأخذ يصحب إخوانه في زيارات منتظمة إلى القرى لفتح مقرات للجمعية فيها، ويتخير من أهلها من يتوسم فيه عزيمة الرجال .. حتى تكونت لديه حبات المسبحة التي كان يهدف إلى صفها في تنظيم، ومما ساعده أيضاً على توسيع دائرة انتشاره.. عمله مأذوناً شرعياً لدى محكمة حيفا (۱۹۳۰م) فاتسعت صلاته الاجتماعية بمختلف الفئات والطبقات.
لم يأت عام ١٩٣٢م إلا وكان قد أنشأ تنظيماً قوياً يتكون من مجموعات المجموعة خمس أفراد لهم مسؤول .. ثم يتسع إلى وحدات لكل وحدة مهمة محددة تقوم بها ... من شراء للسلاح.. للاستخبارات... للتدريب.. للدعاية والدعوة.. للاتصال السياسي.. لجمع المال.. كيان تنظيمي متكامل في تكوينه وأدائه .. ٣ سنوات مضت في الإعداد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ... إذا المرء لم ينهض بقائم سيفه.
فليت شعري كيف تحمى الحقائق حتى إذا ما جاء عام ١٩٣٥م، وفي النصف من نوفمبر.. أعلنت الثورة الفلسطينية المسلحة التي انطلقت من (جنين) .. لم تكن ثورة بالمعنى الجماهيري الدارج، ولكنها كانت ثورة في المفاهيم والمواقف .. ثورة على ما كاد أن يتحول إلى حقيقة من حقائق الوجود على أرض فلسطين الحبيبة فأصبح هناك صوت صارخ صاحب الشعب يطرد من وطنه وتغتصب منه بيوته وحقوله .. ثورة على الحكام والملوك الذين بدا تواطؤهم واضحاً في التمهيد لأكبر عملية سطو في التاريخ.. سطو على وطن بأكمله..
أنا لا أكره الناس ولا أسطو على أحد.. ولكني أكل لحم مغتصبي.. فحذار من غضبي.. حذار من غضبي.
كابوس مرعب
تحول اسم القسام إلى كابوس من الرعب الحقيقى للقوات البريطانية والعصابات الصهيونية.. وحار البوليس البريطاني وأتباعه في أمر هذا القسام ومن معه من الرجال الأشداء.. وبدأت خيوط المعلومات تتجمع لديهم.. فتيقنوا أن هناك تنظيماً محكماً وراء هذه الثورة.. وشيئاً فشيئاً تجمعت لديهم كل التفاصيل عن هذا التنظيم.. وعرفوا أين القلب النابض الذي يضخ كل هذه الدماء.
ففي ٩/١١/١٩٣٥م فرض حصاراً كاملاً على القرية الصغيرة التي كانوا بها والتي تتبع قضاء جنين ودارت معركة طاحنة .. استشهد فيها الرجل وعدد من أقرب أصحابه (يوسف الزيباري - وسعيد المصري - ومحمد خلف ..) وجرح عدد آخر.. وتحققت للرجل أسمى أمانيه بأن يكون ممن اتخذهم الله شهداء... وكانت هذه الشهادة الشرارة القادحة للثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت سنة ١٩٣٦م.. والتي مازالت شعلتها تخبو وتتقد حتى يومنا هذا إلى يوم النصر الأكبر إن شاء الله بتحرير كامل التراب الطاهر لتلك البقعة المباركة التي تسكن قلب كل عربي ومسلم.. وما كان لله دام واتصل .. فإلى يومنا هذا وبعد ما يقرب من خمسة وسبعين عاماً لا يزال اسم «القسام» رمزاً للجهاد والفداء والبذل .. وهو ما دفع حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى إطلاق اسمه على جناحها العسكري.. ويبقى الماضي حاضراً طالما أن هناك جراحاً لم تشف بعد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل