العنوان سـبـاق القضــــاء
الكاتب قيس القرطاس
تاريخ النشر الثلاثاء 23-فبراير-1971
مشاهدات 25
نشر في العدد 48
نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 23-فبراير-1971
الأستاذ القرطاس له رأي في غزو الفضاء.. وقد عزز رأيه بأقوال كثير من العلماء الذين يشفقون على البشرية من المغامرات التي تقوم بها الدول الكبرى لغزو القمر والكواكب الأخرى.
والمجتمع تحرص دائمًا على إفساح صدرها للكتاب والقراء على السواء.. آخذة بمبدأ أن الآراء الحرة مهما تضاربت فإنها تعطي في النهاية ثمارًا طيبة.
· سباق الفضاء بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا أمر لا بد منه.
· نفقات غزو الفضاء تدفعها الشعوب من قوتها فهل ستحقق عجلة الغزو زيادة في الدخل تعادل فداحة النفقات.
الصواريخ بين شوق الإنسان إلى الاستزادة من العلم والمعرفة واتخاذها وسيلة لإثبات صحة الباطل.
إن المحاولات المتكررة لاستكشاف المناطق المجهولة من الفضاء قد استولت على اهتمام الكثير من الناس، وإن كانت هذه الجهود لحد الآن لم تتعد ثانية وثلث بالحساب الفلكي الضوئي، إذ إن السنة الضوئية هي البعد المناسب الذي استعان به الفلكيون لقياس أبعاد النجوم في هذا الكون الهائل، وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة، وهي تعادل حوالي تسعة ملايين كيلومترات، وإن أبعاد بعض المجرات تفوق حد الخيال، فإن مرصد جبل ولسن تمكن من رصد بعض المجرات التي تبعد خمسمائة ألف سنة ضوئية، بينما مرصد جبل بالومار الذي يبلغ قطر عدسته ۲۰۰ عقدة، أي ضعف قطر عدسة المرصد ولسن، فقد تمكن من رصد بعض المجرات على بعد بليونين سنة ضوئية.
إن هذه الأبعاد تدير الرؤوس في الوقت الذي يفخر الإنسان بأنه قد تجول على تابع صغير للأرض، وعلى بعد لا يساوي قلامة أضفر بالنسبة لهذه الأبعاد الكونية الهائلة، بالرغم من الإعدادات والإمكانيات والأموال التي أُعدت لهذا الغرض.
جهود تفوق حد الخيال:
يقول خبير الصواريخ فون براون: إن إطلاق الولايات المتحدة رجلًا إلى الفضاء على بعد مائة وخمسين ميلاً فقط في رحلة تستغرق عشر دقائق ثم تعيده حيًا، إن هذه الرحلة تتكلف عشرة ملايين دولار.
وقد بلغت نفقات الفضاء الجوي في أمريكا سنة ١٩٦٣ حوالي 20,5 بلیون دولار، وأما في سنة ١٩٦٤ فقد بلغت حوالي 23,75 بليون دولار، وقِس على ذلك في السنوات التي تلت ذلك، أما روسيا فلا يستطيع أن يتعرف الإنسان بدقة على المصاريف الحقيقية التي اقتطعت من قوت الشعب، إلا أن الأخبار قد ادعت أنها أعدت ٢٦١ ألف عالم لأعمال الفضاء وغزوه على حد تعبيرهم، ذلك التعبير الذي تبرز فيه عقلية الصراع والغزو للطبيعة، فيه ما فيه من رواسب العقلية الوثنية اليونانية التي تصور أن هناك صراعًا بين الآلهة والإنسان في ميدان الطبيعة، وأن هذه الآلهة تمنع الإنسان من المعرفة والعلم والصعود إلى الفضاء وتضع العراقيل التي تحول دون ذلك، إنها تخشى من الإنسان أن ينازعها أو ينتزع منها الإنسان مجدها وسلطانها الزائفين، إنها آلهة من اختراع الإنسان ليسد فراغه الذهني وخواءه الفكري، عندما أنكر خالقه الذي لا يحقد عليه إطلاقًا ولا يرى أي منافسة منه، لأن كل ما يقوم به من خير وعلم إنما هو من فضله وعطاياه ومن تمكينه وهباته، ولولا ذلك لما استطاع الإنسان عمل شيء، ولظل حبيس الأرض أو دفين التراب.
المبررات المفتعلة
لقد حاول أنصار برامج غزو الفضاء إيجاد المبررات اللازمة التي تقيم هذه الجهود الهائلة وصرف هذه الأموال الطائلة وقد ابتكروا من الفوائد التي لا تخطر على بال أحد، يقول الدكتور لي دوبريدج في معهد كاليفورنيا «إن المعرفة الجديدة التي سنحصل عليها من بحوث عصر الفضاء ستعود علينا دون شك بمكاسب لا يمكن تقديرها أو التنبؤ بها، وها قد حدث فعلًا مع مطلع فجر عصر الفضاء، أن اضطر الأمريكيون للبحث عن الوسائل التي تؤدي إلى رفع مستوى مدارسهم، وهذا وحده يعادل ما بذلناه من تكاليف كل الصواريخ التي أطلقناها في الفضاء»، وإذا كان هذا القول يحدد فوائد الصواريخ، فإن جوزيف بايرني رئيس اتحاد المواصلات في أمريكا يوسع فوائدها إلى درجة لا يمكن تحديدها، ويقول في ذلك: «إن عصر الفضاء بأبعاده الجديدة وتكنولوجياته العجيبة، سيكون له أثر عظيم، أثر لا يمكن التكهن بتفاصيله الدقيقة بأكثر مما كان كولمبس يتكهن به عندما وقع بصره لأول مرة على العالم الجديد عن استخدام طائرات مانهاتان في القرن العشرين».
ونسي هؤلاء أنه يمكن رفع مستوى التعليم إلى عشرة أضعاف مستواه الحالي بإنفاق جزء من مليون من المبالغ المصروفة على الصواريخ، وأن اكتشاف أمريكا لم يؤد إلى اختراع طائرات مانهاتان، وأن الذي أدى إلى اختراعها هو طموح الإنسان وتشوقه للابتكار والاختراع.
الدوافع الحقيقية
إلا أن الدوافع الحقيقية لا يمكن إخفاؤها، يقول الدكتور لويد بركنز «الرئيس السابق لمجلس علوم الفضاء»: «إن سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أمر لا مناص منه»، وأضاف قائلًا: «يرى الناس في كل مكان أن غزو الفضاء هو الوسيلة السلمية لإثبات تفوق أحد النظامين الاقتصاديين المتنافسين، الرأسمالية والشيوعية، فقد أصبح غزو الفضاء رمزًا يتحدى به كل من النظامين النظام الآخر لإثبات تفوقه»، وهو تصريح واضح حول الدوافع الحقيقية للبرنامج الفضائي، وبذلك تختفي كافة الصيغ الدعائية.
وأما الدكتور مارتن شوارتز تشايلد في جامعة برنستون، فيفضح كافة المبررات المفتعلة وجميع الدعايات البراقة بقوله: «أعتقد أنني أكون مخادعًا نفسي إذا قلت أن ما نتعلمه على القمر، مهما كان مذهلًا من حيث إدراك أصل مجموعتنا الكوكبية، يستحق في حد ذاته ذلك المجهود الضخم الذي نبذله من أجله».
بلايين عبثًا في الفضاء
وقد اعترض أربعة وعشرون عالمًا من العلماء الحائزين على جائزة نوبل، وانتقدوا بشدة البرنامج القمري، واعترض بعضهم على استثمار بلايين الدولارات في الفضاء في وقت لا نجد ما يسد احتياجاتنا على الأرض.
وقد يعترض معترض بأن هذا البرنامج سيؤدي حتمًا إلى فائدة البشرية في المستقبل، لأنه سيساهم بدفع العلوم إلى الأمام، والعلم لا وطن له فهو ليس لروسيا ولا لأمريكا، وإذا كانت هاتان الدولتان تستغلان هذه المشاريع لمطامعها الأنانية، فإن ذلك لن يطول طويلًا، وهذا كلام فيه وجهة نظر، شريطة ألا تسمح البشرية لهاتين الدولتين بالاستمرار طويلًا في اللعب الصبياني بجهود البشرية، إرضاءً لغرورهما الطاغي.
وتنحية كل من هذين النظامين عن قيادة العالم قبل أن يجرا الوبال على الإنسانية، والاهتمام برفع مستوى الإنسان على الأرض قبل الصعود إلى الفضاء، والقضاء على الجوع والفقر والمرض، قبل الحرص على هيبة دولتين ونظامين لا يتفقان مع فطرة الإنسان.
الإسلام أمل البشرية للاستفادة من العلم
والإسلام دين الله الباقي الذي يحقق السعادة للإنسان في هذه الحياة، دين الإسلام هو الذي يهتم ببناء كيان الإنسان الذي يؤمن بربه، ولا يتطرق إليه الغرور عند تحقيقه أي اختراع من الاختراعات أو اكتشاف من الاكتشافات.
الإنسان المسلم يسجد لخالقه ويخضع لشريعته، وإنه كذلك يعلم أن طيرانه في الفضاء سيزيد اتصاله بخالقه حينذاك، لأنه سيعلم علم اليقين أن ذلك من فضل ربه ولولاه لما استطاع ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
العلاقات الروسية الأفريقية تحت المِجهَر.. ماذا يريد «بوتين» من أفريقيــا؟
نشر في العدد 2176
33
الأربعاء 01-فبراير-2023

