العنوان سقيفة الحاجة فاطمة تتحدى أطول جدار عنصري في العالم
الكاتب مصطفى صبري
تاريخ النشر السبت 23-أكتوبر-2004
مشاهدات 16
نشر في العدد 1624
نشر في الصفحة 28
السبت 23-أكتوبر-2004
سقيفة الحاجة فاطمة الباز بنت العقد السابع من العمر في فلسطين ما زالت قائمة تتحدى أطول جدار في العالم حيث يبلغ طول الجدار العنصري الذي أقامه الكيان الصهيوني ثلاثة أضعاف سور برلين المشهور وضعفي ارتفاعه.
تمارس الحاجة فاطمة الباز مع أولادها الزراعة في أرضها الملاصقة للجدار العنصري في شمال الضفة الغربية، وعندما يحل بها التعب تتراجع بلطف إلى سقيفتها التي لا تبعد سوى عدة أمتار عن الجدار وتأوي إلى الظل تأخذ قسطًا من الراحة، فعذاب الذكريات ما زال يطرق قلبها المكلوم من إجراءات بني يهود الذين يلاحقونها حتى في سقيفتها، فليس التعب هو الذي يداهمها وحده بل يتسلل إلى عيونها الغائرة وتجاعيد وجهها الغاز المسيل للدموع الذي يطلقه حراس الجدار العنصري من الصهاينة عليها وعلى كل المزارعين الذين يفلحون ما تبقى من أرضهم.
قبل أن تتحدث الحاجة فاطمة الباز عن واقع الجدار الشاخص أمامها تفضل التحدث عن ذكرياتها مع العصابات الصهيونية قبل قيام هذا الكيان وتقول: قبل عام ٤٨ كانت هذه العصابات تهددنا بالقتل إذا صممنا على البقاء في أرضنا داخل فلسطين وتضغط علينا بالرحيل عنها.
تتنهد الحاجة فاطمة وهي تتذكر شجر التين والعنب في أرضها المصادرة في منطقة الـ ٤٨ التي لا تبعد عنها سوى عدة مئات من الأمتار وتعود للكلام: لم نكن نصدق أننا سنرحل عن تلك الأرض إلا أن تهديداتهم كانت جدية وفور وقوع الحرب الصورية عام ١٩٤٨م رحلنا من تلك الأرض.
تحاول الحاجة فاطمة العودة إلى العمل بعد أخذ قسط من الراحة قبل أن يرخي الظلام سدوله
وتصبح المنطقة محاطة بالأخطار، فحراس الجدار الصهاينة لا يتورعون عن إطلاق النار على كل جسم يتحرك بالقرب من الجدار حتى لو كان جسم عجوز تسير على الأرض بصعوبة. وتقول الحاجة فاطمة: والله يا بني هؤلاء الصهاينة لا يخيفون أي أحد حتى الصغار يأتون إلى هنا ويرشقونهم بالحجارة، لكن الذي يخيف هي المؤامرات التي تحاك في الظلام -وتقصد المؤامرة التي حيكت في عام ٤٨ عندما احتلوا أكثر من ٨٠% من أرض فلسطين بدون مواجهة وفي عام ٦٧ احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة بدون مواجهة أيضًا.
لم تكن الحاجة فاطمة الباز ذات الظهر المنحني هي التي تسكن هذه السقيفة المقامة في بيارتها وحدها بل يجلس أولادها وأحفادها وأصدقاء العائلة وجيرانهم من المزارعين الذين يتبادلون الحديث وشرب الشاي والقهوة ولعب الشدة، بينما حراس الجدار من فوقهم يراقبونهم والدوريات الصهيونية على الأرض تمر بالقرب منهم إلا أنهم يمارسون حياتهم كالمعتاد والحاجة فاطمة تجلس على باب السقيفة تضع كلتا يديها على رأسها تحاول مراقبة حركة الغروب، فقد حرمها الجدار من مشاهدة غروب الشمس بالكامل.
من مآسي البوابة العنصرية: طبيب يضطر إلى علاج مريض من بين قضبان البوابة:
في منظر لا يتكرر إلا في الأنظمة العنصرية وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، اضطر مريض فلسطيني إلى الجلوس على الأرض والاستدارة بظهره إلى الطبيب الذي يحمل إبرة لحقنها في جسده.
إلا أن المكان الذي جرى فيه العلاج لا يستطيع أن يتخيله إنسان، إنه ليس العيادة أو المستشفى بل البوابة العنصرية الموجودة على أطول جدار عنصري في العالم بالقرب من مدخل إحدى قرى جنوب محافظة قلقيلية شمال الضفة الغربية وهي قرية رأس طيره.
المريض حاول أن يقرب المسافة بينه وبين الطبيب من خلال الالتصاق من جهة ظهره بقضبان البوابة العنصرية وجنود الاحتلال يراقبون حركة المريض والطبيب دون أن يستثير هذا المنظر مشاعر الإنسانية فيهم، حتى إن أحد الجنود الصهاينة يلوح بمفاتيح البوابة في إشارة منه إلى الاستهزاء بأرواح الفلسطينيين، وبالمقابل جلس الطبيب على ركبتيه، ولم يتمكن في البداية من حقن الحقنة وبعد محاولة ثانية نجح بذلك وآهات المريض من ألم المرض تسمع في المكان لكن لا حياة لمن تنادي.
أحد المواطنين والذي يعمل إمامًا لمسجد القرية البالغ عدد سكانها قرابة الثلاثمائة شخص قال لمجلة المجتمع وهو يصف هذا المنظر: لم تكن هذه الحالة الوحيدة من مآسي البوابات العنصرية، فكثير من المرضى يضطرون إلى الانتظار حتى موعد فتح البوابة التي تفتح ثلاث مرات في اليوم. إضافة إلى جلوس الكبار والصغار في الصيف والشتاء كي يكونوا أول الداخلين والخارجين لاغتنام الوقت القصير جدًّا.
وأضاف: أصبحت جميع القرى في الضفة الغربية المقام على مداخلها البوابات العنصرية مرتبطة حياة سكانها بموعد فتح وإغلاق البوابة حتى إن الصغار يعلمون مواعيد البوابة أكثر من الكبار لأن حياتهم مرتبطة بمفاتيح تلك البوابات العنصرية.
ومن ناحيتها أكدت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أن الاحتلال رفض إقامة خيمة لطلبة المدارس بالقرب من البوابات العنصرية لأنهم يضطرون إلى الانتظار طويلًا حتى تفتح البوابة، وهذا الأمر يعرضهم للأخطار الصحية جراء الحر الشديد أو الأمطار إلا أن الرد كان بالرفض والتذرع بحجج أمنية واهية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل