; سوريا قراءة في الحديث الصحفي الأول | مجلة المجتمع

العنوان سوريا قراءة في الحديث الصحفي الأول

الكاتب محمد الحسناوي

تاريخ النشر السبت 10-مارس-2001

مشاهدات 16

نشر في العدد 1441

نشر في الصفحة 20

السبت 10-مارس-2001

الحديث الصحفي الأول للرئيس السوري منذ توليه الرئاسة جاء مخالفًا لخطاب القسم الذي أُلقي في مجلس الشعب السوري في عدد من الأمور والأبعاد. هناك ما لا يقل عن ثلاثة أنواع من الاختلاف:

- خلاف في حجم المساحة المعطاة لكل موضوع: الداخلي، الخارجي.

- خلاف في لهجة الخطاب الموجهة للمواطنين.

- خلاف في مضمون الشأن الداخلي.

أما الخلاف في حجم المساحة المعطاة لكل موضوع فلن نقف عنده، ولعل الظروف العامة هي سبب التوسع في موضوع السياسة الخارجية على حساب السياسة الداخلية.

أما الخلاف في لهجة الخطاب الموجه إلى المواطنين، فقد تحول من اللطف وحس المواطنة إلى التعريض والتهديد. فمن التعريض قول الرئيس: "وبالتالي نستطيع أن نبتعد عن مجال المزايدات الفكرية ونتحاشى أن تكون عملية التطوير تربة خصبة للباحثين عن الزعامات أو الراكبين الموجات المختلفة"، وقوله في منتقدي الحقبة الماضية: "يبدو أن هؤلاء يفضلون لبلدهم مرحلتي الانقلابات والاحتلال على مرحلة الاستقرار. لكنهم خجلوا من قول ذلك صراحة فعبروا عنه بصيغة أخرى. وهم مجموعة باحثين عن موقع على خريطة الزعامة". وقوله: "هي سميت بيانات المثقفين.. وأنا لا أعرف من هم الأشخاص الذين سموا أنفسهم المثقفين...

وأما التهديد، فقد لوّح الرئيس بعصا الدولة أكثر من مرة في وجه المواطنين، في حين كان أقصى ما قاله في خطاب القسم: "لا أملك عصا سحرية"، وشتان ما بين هذه العصا وتلك. يقول الرئيس: "أما على مستوى الوطن فالمعالجة تختلف، فعندما تكون نتائج أي فعل تمس الاستقرار على مستوى الوطن فهناك احتمالان: احتمال أن يكون الفاعل عميلاً يخرب لصالح دولة ما أو يكون إنسانًا جاهلًا ويخرب من دون قصد. النتيجة أن الإنسان في كلتا الحالتين يخدم أعداء بلده. وهنا في هذه الحالة، أي على مستوى الوطن، يكون التعامل مع النتيجة مباشرة، وهنا يتحمل الفاعل مسؤولية كاملة بغض النظر عن النيات والخلفيات"، ويقول في تهديد آخر: "عدا عن ذلك ستقف الدولة بحزم بوجه أي عمل يؤدي لإحداث خلل يضر بالمصلحة العامة"، وللأسف لم يذكر الرئيس من يحدد المصلحة العامة أو المساس بالوطن واستقرار الوطن: أهو القضاء العادل المستقل أم المجلس النيابي المنتخب انتخابًا حرًا، أم الحزب، أم أجهزة الأمن والاستخبارات القمعية، أم المحاكم الاستثنائية وقانون الطوارئ، أم الصلاحيات المطلقة، الثلاث، الممنوحة لرئيس الجمهورية بنص الدستور؟!!

ومن باب التعريض أيضًا قوله: "بالنسبة لهذه البيانات... رئيس الجمهورية لا يتعامل مع بلده من خلال بيانات، خاصة عندما تأتي البيانات عبر أقنية من خارج الوطن وليس من داخل الوطن، وبالمناسبة نحن والمواطنون جميعًا نسأل: من أخرج هذه الآلاف من المواطنين قسرًا خارج الوطن؟ وبمعنى آخر، لماذا لا يسمح لهؤلاء المواطنين حتى الآن بالعودة الآمنة المشرفة؟ ولماذا لا يُتاح لهؤلاء المواطنين الكتابة والنشر داخل الوطن وفي صحف الحكومة التي لا يوجد سواها؟ إن اضطرارهم للكتابة خارج أقنية الوطن سببه هو قصر الوطن على بعض بنيه دون الآخرين، فلماذا، وإلى متى؟! أنا مثلًا عندي أكثر من خطاب يرفض نشر إنتاجي في مجلة المعرفة السورية.

كنت أتمنى ألا يتورط الرئيس بالتعريض ولا بالتهديد، وألا يستخف بالمثقفين ويسلبهم حتى صفة الثقافة. أما كون مثقفي سوريا نخبة أو شريحة صغيرة، فهناك طريقة سهلة موضوعية لكشف حجمهم، وهي الانتخابات الحرة، ولو لجأ إليها الرئيس لما احتاج إلى متاهات المصطلحات، والدخول في دهاليز الأمور الملتبسة التي لا تشفي غليلًا، ولا تحل إشكالًا. كل العشاق يدّعون وصلاً بليلى، فكيف السبيل إلى معرفة رأي "ليلى" الحقيقي؟ لن أقول: إن رأي "ليلى" معروف لكنني أحتكم وغيري إلى وسائل عصرية شفافة لا يماري بها اليوم عاقل.

  • "كنت أتمنى ألا يتورط الرئيس بالتعريض ولا بالتهديد وألا يستخف بالمثقفين ويسلبهم حتى صفة الثقافة"

الشأن الداخلي

إن حرصنا على حديث السياسة الداخلية والتركيز عليها، مسوغ وله أسباب متعددة، منها أهمية الشأن الداخلي إطلاقاً، وانعكاسه على الشأن الداخلي إطلاقًا وانعكاسه على الشأن الخارجي دومًا، ولأن مآلات السياسات الخارجية ودواعيها إنما تنبع بل يجب أن تنبع – من «الداخل» وتتبعه، زد على ذلك طبيعة المرحلة التي تمر بها سورية بعد وفاة رئيس وتنصيب رئيس، وأخيراً إن حجم الخلاف في الرأي أظهر ما يظهر في السياسة الداخلية.

أهم الموضوعات التي تحدث عنها الرئيس كانت: الاقتصاد – الفساد الإعلام – الآخر «أو الآخرون: المثقفون – الحريات – البيانات – العلاقة مع الشعب – المشاركة أو الاستشارة..»

الاعتراف بالأزمة الاقتصادية بعد ثلاثة عقود «...» فضيلة في حد ذاته، والسعي إلى حل الإشكال بزيادة فرص العمل، ورفع المستوى المعيشي للمواطنين بشكل عام، وكلاهما يتحقق على أرضية التوزيع العادل للدخل، هو أيضًا سعي محمود، لكنه محفوف بما يشبه الاستحالة لسببين، أولهما: جعل الأولية في الإصلاح للإصلاح الاقتصادي لا الإصلاح السياسي والاجتماعي «لاحظ تركيز الرئيس نفسه على إصلاح المجتمع عرضًا»، وهناك فلتة على لسان الرئيس معبرة جدًا – لكنها للأسف عارضة أيضاً- حين يقول: «هناك محاور مختلفة أخرى، أهمها على الإطلاق الأخلاقيات التي يغذى بها الإنسان في منزله، فلنسأل: هذه الأهمية للأخلاق والتربية المنزلية وغير المنزلية، كم أعطاها الرئيس من مساحة في حديثه الأول؟!

السبب الثاني للشك في تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي هو جوهر البنية التي يستند إليها أو يقوم عليها النظام من حزب واحد حاكم، ومن غيبة لقوى الشعب الفاعلة المبدعة، ومن غياب الشفافية للرقابة الشعبية أو القضائية العادلة الموضوعية، أو غياب الآخر والديمقراطية. 

لنضرب على ذلك مثلًا مشكلة «الفساد» التي تحدث عنها الرئيس مجددًا، فصرف النظر عن الاهتمام بفساد الأشخاص إلى فساد النظم والمؤسسات والقوانين ولو بشكل غير صريح، وعلى الرغم من صحة الشق المتعلق بهذه الجوانب، وكونه لا يلغي الاهتمام بفساد الأشخاص، فإن السؤال المطروح: ما الضمانة لاستمرار الإصلاح ومعالجة الفساد أفرادًا وأجهزة وأنظمة ولوائح وقوانين، ما دامت الرقابة الشعبية غائبة، والقضاء المستقل مفقودًا، وعصابة المنتفعين تستظل بالحزب الواحد، والقوانين الاستثنائية... إلى آخر الإشكالية؟ ألم تحاول الحكومات السابقة ذلك، فباءت بالإخفاق؟ ألم تحاول الحكومات الشمولية في روسيا ودول المعسكر الاشتراكي هذه المحاولات، ومثل ذلك الحكومات الاستبدادية أو الفئوية في العالم، فلم تفلح حتى وقع الزلزال الرهيب في كل منها؟

كيف يعالج الرئيس هذه المعضلات؟

الجواب بـ «التطوير لا التغيير»، وبتوسيع المشاركة يقول: «لكننا نسعى دائماً لكي نشارك أكبر عدد ممكن من الأشخاص والجهات، حتى يحقق أي إجراء مصلحة الوطن». إن من حق المواطن السوري أن يسأل رئيسه من هم الأشخاص الذين يستشيرهم من حيث الكفاءة خبراء متخصصون ومن حيث التمثيل أي الجهات. هل هناك جهات أو مؤسسات غير المؤسسات الموجودة التي لا تمثل الشعب كل الشعب تمثيلاً حراً حقيقياً؟ إن الدكتور عارف دليلة أستاذ الاقتصاد المعروف يقول بصراحة إن ٢-٥% من المواطنين يستولون على ۸۰٪ من دخل الوطن، ولا يبقى للأغلبية إلا ۲۰% من الدخل، ويوضح جوانب الهدر في سياسات وزارة المالية وعدم إحكام رقابتها، وفي الأوضاع الاستثنائية التي تحمي المستغلين باسم الحزب والدولة، فماذا فعل الرئيس في تمحيص كلام هذا الخبير الاقتصادي، وبمعنى آخر من يستشير، وبماذا أشاروا عليه؟ الجواب أشاروا عليه بالتطوير، وبالتالي تحت سقف استقرار الوطن، وضمن منهج التطوير كل شيء مسموح... عدا ذلك ستقف الدولة بحزم..... لقد سبق أن سألنا من يحدد الاستقرار ومصلحة الوطن، فضلاً عن شكل التطوير وأبعاده وأهدافه وسرعته. إن أحد المعجبين بحديث الرئيس لا يملك إلا أن قال أخيراً: إن الأمور تجري اليوم في العالم بسرعة، ولا يحتمل بعضها الانتظار... إذ أن التطوير السريع هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق التطور، وليس انتظار حصول التطوير، ولن ينفع الانتظار إلى حين توفر شروط التغيير في المجتمعات لأن التغيير أصبح ضرورة ملحة. ولأن قافلة التغيير العالمي تمضي على وتيرة سرعة قياسية، ولا تنتظر المتأخرين «انظر جريدة الشرق الأوسط - عدد ۸۱۱٥».

يقول الرئيس عن علاقته بالشعب: «أنا لست بعيداً عن كل الشرائح... وهي علاقة تمر باتجاهين... تمر بالأقنية الرسمية والأقنية غير الرسمية أي المباشرة... وذلك من خلال بقاء رئيس الجمهورية على احتكاك مباشر مع الشعب»، في رأينا لا تختلف هذه العلاقة عن المشاركة التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة، ومع ذلك نتوقف عند الاحتكاك المباشر: ما نظن أن حضور الرئيس خطبة جمعة في مسجد، أو شربه زجاجة مياه غازية في محل عام، أو زيارته الخاطفة لأحد التجار، هي المقصودة بهذه العلاقة المباشرة.

إن زيارته لسجن تدمر» لو حصلت أو لرئيس تنظيم سياسي مفرج عنه، أو استقباله لأحد زعماء المعارضة مث:ل علي صدر الدين البيانوني، أو حضوره مؤتمراً عاماً لأحد أحزاب المعارضة أو المنتديات الفكرية والحوار الوطني أو عقده لقاءات متتابعة منظمة لأصحاب الفكر وقادة الرأي وممثلي النقابات العلمية الشرعية والمثقفين، لصح القول: إن هذه الخطوات تنم عن علاقة مباشرة بالشعب وبممثليه فضلاً عن السماح بوجود مجلس نيابي حقيقي.

في خطاب القسم تحدث الرئيس عن الديمقراطية حديثاً مبشراً، وبين أن الفكر الديمقراطي يستند على أساس قبول الرأي الآخر، وهو طريق ذو اتجاهين، كما نقل عنه مؤخراً باتريك سيل وصيته لأجهزة الأمن من حقها أن تراقب، لكن ليس من حقها أن تمنع أو أن تتدخل.

لكن حجم ما تحقق حتى الآن والحديث الأخير الذي أدلى به للصحافة و مثلة تصريحات وزير الإعلام ... أمور تختلف عما جاء في خطاب القسم. 

هناك أسئلة لم تطرح في حديث الرئيس، نعيد طرحها: متى يطلق سراح سجناء الرأي جميعاً؟ متى تحل مشكلة المهجرين من الوطن قسرياً، أو تعطى لهم وثائق وقد صاروا أجيالاً ثلاثة؟ وباختصار، متى يصبح الوطن لكل أبنائنا؟!

 

الرابط المختصر :