; سوريا والعراق بين التكوين الحزبي والإمكانية الوحدوية | مجلة المجتمع

العنوان سوريا والعراق بين التكوين الحزبي والإمكانية الوحدوية

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 26-يونيو-1979

مشاهدات 18

نشر في العدد 451

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 26-يونيو-1979

لعل المد والجزر في الأحداث الدولية التي برزت خلال النصف الأول من هذا العام، والتي حملت فيما حملت أبرز حدثين عالميين منذ الحرب العالمية الثانية وهما:

1 -‏ الانبعاث الإسلامي بشكله الثوري الأيديولوجي في قلب القارة الآسيوية عبر الثورة الإيرانية وثورة المسلمين في أفغانستان والعودة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية في باكستان.

2 - ‏ معاهدة الخائن السادات مع العدو اليهودي.

ولعل هذين الحدثين هما أبرز ما يؤثر في تشكيل التوجهات العربية الجديدة. أو‏ لعل ذلك أيضًا يبدل الظروف من حال إلى حال،‏ ومن مرارة البغض إلى الرغبة في لقاء.

وإذا كانت السياسة الدولية محكوية دائمًا بفعل المتغيرات، فهل كان لما حدث في الساحة العربية والإسلامية أثر في التقاب بين حكومتي سوريا والعراق؟؟ هنا لابد من إشارتين:

الأولى: إن المتغير الأول «الانقلاب الإسلامي في قلب آسيا-» يشكل قوة جديدة مستقلة تقع على الحدود الشرقية لدولة الوحدة التي يخطط لها المسؤولون في حكومتي العراق وسوريا.‏

الثانية: والمتغير الثاني «حل المشكلة العربية مع اليهود حلًّا سلميًّا» وهو حل مرفوض _مبدئيًا_ من قِبل المعنيين في الجبهة الشمالية بالشكل الذي سار عليه الرئيس المصري، وموافق عليه بالشكل الجماعي، وبناء على ما يحيط بدولتي الوحدة التي يحاول كل من الطرفين أن يخطط لها، فإن السعي نحو وحدة النظامين يحقق دفعًا سياسيًّا - استراتيجيًّا لكل من العراق وسوريا وسط المتغيرات الدولية والعربية المحيطة بالمنطقة.

لكن!

إلى أين وصلت المسيرة الإتحادية بين الطرفين؟ ولماذا لم تحقق الاندماجية الوحدوية _ولو من حيث المبدأ_ بين النظامين؟‏

إن الإجابة تكمن في بنية التكوين الحزبي في كل من البلدين.. كيف ذلك؟

بنية التكوين الحربي

لانريد هنا أن نسرد الأحداث التاريخية التي واكبت تشكل حزب البعث العربي الاشتراكي. وإنما نقتصر على ذكر الحقائق‏ التاريخية التالية:

1 - حزب البعث العربي الاشتراكي مزيج موحد من حزبين ‏ «الحزب الاشتراكي الذي كان على رأسه السيد أكرم الحوراني، وحزب البعث الذي كان يرأسه ميشيل عفلق.»

2 - ‏ ولدت أول حكومة حزبية اشتراكية بعثية في سوريا عام ‎1963، وتم تشكيلها من عناصر مدنية كانت خليطًا في الأصل من الحزبين‎.

‏ 3 - في تمرد عسكري حصل عام 1966‏ تمكن العسكر في سوريا من إحداث انقلاب عسكري أطاح بالعناصر الحزبية المدنية وسيطر على الحكم.‏ وكان بقيادة كل من صلاح جديد وحافظ الأسد.

4 - ‏تفرد حافظ الأسد عام‎ 1970 ‏بالحكم دون شريكه صلاح جديد.‎ واستمر في عزل العناصر المدنية التي‎ أسست أصلًا - حزب البعث العربي‎ الاشتراكي- الأمر الذي جعل العسكر يسيطرون على سوريا.

5 – تمت سيطرة العسكر على الحزب والحكومة في سوريا بعد عام 1970 لصالح الرئيس الأسد. بينما هاجر الحزبيون المدنيون إلى العراق. والذين سمتهم الصحافة آنذاك» ‏الزعماء التاريخيون لحزب البعث»‎.

وهنا يحسن أن ننقل ما نشرته القبس الكويتية في عددها الصادر في 21-5-1975:

«عمد هؤلاء الزعماء التاريخيون بدورهم - وقد التفوا حول ميشال عفلق السوري الأصل_ إلى انتقاد الأسد وحذا حذوهم البعثيون العراقيون اللذين تسلموا زمام الحكم في بغداد في 17 يوليو عام 1968 واستقبلوا عددًا من الزعماء التاريخيين وأسندوا إليهم مناصب حساسة في الحزب والحكومة.. وشرع هؤلاء يمارسون أدوارًا فعالة في الإطا‏ر السياسي العراقي».

‏ 6 - يلاحظ المراقب أن البنية السياسية في العراق تعتمد على القيادة المدنية بينما تعتمد بنية الحكم في سوريا على العسكر. كذلك فإن القيادات الحزبية في العراق قيادات مدنية بينما هي في سوريا خاضعة للعسكر بدليل أن الرئيس الأسد وشقيقه رفعت الأسد هما أكبر موجهين للحزب والدولة على الرغم من عملهما العسكري.

7 - أن جميع القيادات في القطرين تختلف اختلافًا جوهريًّا من ناحية البنية والتركيب.‏ فالعراق يعتمد في تركيبه السياسي والحزبي على مبدأ الانتخاب الحزبي المفتوح. بينما تقوم البنية السياسية والحزبية في سورية على أساس طائفي تشكل النصيرية أساسًا لها.

من هنا يستطيع المرء أن يقف على البنية الحزبية والسياسية لكل من القطرين الشقيقين. كذلك يسهل على الإنسان معرفة الأسباب التي جعلت كلًا من نظامي الحكم في العراق وسوريا يناصبان العداء بعضهما فترة طويلة من الزمن.

ما هى حدود الإمكانية الوحدوية بين القطرين؟

إن من أبرز ماجاء في الإعلان السياسي هو تشكيل لجنتين: الأولى حزبية. والثانية لصياغة الدستور. أما مهمة اللجنة الحزبية فهي مناقشة وإعداد الأسس والوثائق‏ لتحقيق الوحدة الحزبية بين شطري حزب البعث في كل من البلدين.

ولعل الحكم الحزبي في كل من سوريا والعراق لا يتيح للشعبين العربيين أن يلتقيا في وحدة اندماجية متكاملة لأسباب تعود إلى طبيعة البنية الحزبية في كل من القطريين ‎‏وهذا ما ألمحت إليه صحيفة الوطن الكويتية عندما قالت في عددها الصادر يوم الأربعاء الماضي:

«إن الخلاف بين حزبي البعث الحاكمين لايزال العقبة الكبرى في وجه تحقيق هذا الهدف‎ «

وهنا لابد من إثارة‏ بعض النقاط حول هذا الموضوع:‏

1 - إذا‏ كانت حركة الاندماج الوحدوي مشروطة بالوحدة الحزبية بين حزب البعث السوري وحزب البعث العراقي، فما هو ‎المنطق الذي سيطرحه البعث السوري في دولة الوحدة المدنية وهو يقوم على أساس من البنية العسكرية والطائفية؟؟

2 -‏ كيف سيلتزم البعث السوري بالمقولة الحزبية التي تنادي بالـ ‎«وحدة والحرية»‏ وهو يكبل كثيرًا‏ من المواطنين السوريين في أقبية السجون.‏ والوحدة لا تضع تحت لذع السياط والكرابيج على حد تعبير القبس الكويتية _المقال الافتتاحي_ 20-6-1979.

‎‏3 - ‏ كيف سيتفق البعث السوري مع الحكومة العراقية على نسيان المواقف السابقة والتي جعلت بعض الزعماء العراقيين يشكون في نوايا الرئيس الأسد بالنسبة للوحدة ولاندماج الشعبين.

فقد ذكرت صحيقة الوطن الكويتية في عددها الصادر في 11 ديسمبر 76

‏حكاية زيارة سرية «قام بها الرئيس الأسد للعراق، لكنهم _أي العراقيون_ رفضوا شروطه للوحدة وقالوا: «لقد توصلنا إلى الاستنتاج بأن كل ذلك، كان مجرد مؤامرات لتحقيق أهدافه الخاصة. «

4 - كيف ستتم الوحدة بين الشعوب إذا كانت أجهزة الإعلام في سوريا تروج لقبول الحل السلمي مع العدو اليهودي على أساس من مقررات مجلس الأمن ومؤتمر جنيف، وكلا الأمرين يحقق للدولة الإسرائيلية ملكية شرعية لفلسطين وبعض الأراضي العربية المحتلة؟

قل تعالوا إلى كلمة سواء

• إن الوحدة الحقيقية هي الوحدة التي تنبع من صميم مبادئ الأمة وتراثها، وليست هي تلك التى تجعل استيراد المبادئ حكرًا على الروح الطائفية كما يريدها البعث في سوريا.

• إن الأمة التي تسعى إلى الوحدة المتكاملة بروحها لن تجد مجالًا لها لدخول أية وحدة تعتمد في تشكلها أساسًا على أي شكل حزبي أو إقليمي.

• إن الأمة الإسلامية التي سيطرت على العالم حقبة مديدة من الزمن.‏ وفتحت الأرض من أقصاها إلى أقصاها استمدت قوتها من تعاليم القرآن الكريم وهدي رسول الإسلام- عليه الصلاة والسلام. ولم يكن للعلمانية لديها أي رصيد أو دور في توحيد أطراف الأمة المترامية.

نعم..‏ إن الدين الذي شد أواصر هذه الأمة إلى بعضها.. هو وحده المؤهل في هذا العصر إلى إعادة ذلك البناء الشامخ الذي شكل من العرب أمة لها حضارتها التي مازالت الحضارات الأخرى تتطفل على موائدها حتى الآن، و

 ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (يوسف:108).

 

الرابط المختصر :