; سيد الشهور أقبل.. رمضان.. انتعاش للروح | مجلة المجتمع

العنوان سيد الشهور أقبل.. رمضان.. انتعاش للروح

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 14-أغسطس-2010

مشاهدات 93

نشر في العدد 1915

نشر في الصفحة 6

السبت 14-أغسطس-2010

علاء الدين محمد فوتنزي (*)

  • نحن مطالبون بأداء السُّنة النبوية دون النظر لفوائدها الملموسة في الدنيا
  • رمضان رحلة إلهية ميقاتها شهر يخلع فيها المؤمن نفسه من حياة مادية مظلمة إلى حياة روحية مضيئة
  • الصلاة عبادة تؤدى بالجسد.. والزكاةعبادة تؤدى بالمال
  • أثبتت الدراسات الطبية أن لصلاة التراويح فوائد صحية عظيمة. .حيثتريح المعدة وتقوي عضلات جدار البطن وتزيد من حركة الأمعاء وإفرازات المرارة

وها نحن في فرح وسرور بإقبال سيد الشهور شهر رمضان، شهر البركة والإحسان، شهر العفو والغفران، والذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فرمضان الشهر الوحيد الذي صرح باسمه في القرآن الكريم والشهر الوحيد الذي أفاض الله فيه نعمه على عباده؛ بأن أنزل القرآن العظيم.

ذلك الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد..الذي سما بالعقل الإنساني عن الوثنية المظلمة، والخضوع لغير الله.. إلي التوحيد الخالص ليعتقد الإنسان أن له ربًا واحدًا..له تخضع جميع المخلوقات؛ فقال سبحانه:﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ﴾ (البقرة : ١٨٥).

فشرع فيه الصيام، ورسم سبحانه بنفسه أسلوب تكريمه ومظهر تعظيمه.. ففرض على المسلمين في جميع بقاع الأرض صومه، وجعله ركنًا من أركان دينه، وعنصرًا من عناصر الشخصية الإسلامية، وصوم رمضان عبادة تلتقي في هدفها مع أهداف القرآن الكريم في تربية العقول والأرواح وتنظيم الحياة، ويوحد بين جميع المسلمين في أوقات الفراغ والعمل وأوقات الطعام والشراب؛ فتمتلئ قلوبهم بمحبة الخير والإيمان، ويغرس في نفوسهم خلق الصبر والتكامل فيما بينهم فقال تعالى:﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ﴾.

أما الذين يفهمون رمضان ويعرفون خواصه وأحداثه، فكلمة رمضان توحي لهم برحلة إلهية ميقاتها شهر، يخلع فيها المؤمن نفسه من حياة مادية مظلمة إلى حياة روحية مضيئة؛ فيبدأ يومه«باسمك اللهم صمت»، ويختتم نهاره«باسمك اللهم أفطرت»، ويبقي فيما بينهما لله قانتًا.. يركع مسبحًا معظمًا، ويسجد داعيًا شاكرًا ولكتابه تاليًا.. فيظل متمسكًا بما فرض عليه من عبادة الصوم وترك المشتهيات وتجميد الشهوات، يعتقل وساوس الشياطين التي تختبئ في عتمة النفوس بسلاسل الإيمان..هذا هو رمضان وتلك بعض إيحاءاته .

«الصوم لي وأنا أجزي به»

ومرشد الأمة محمدﷺ أرشد المؤمنين إلى توقير هذا الشهر الميمون، وتعظيمه بأقواله وأفعاله الشريفة، وبين فضله قائلًا:«إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين»، وما من حسنة يفعلها ابن آدم في هذا الشهر المبارك إلا كتب له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف كما بينه النبي الكريم، والصوم عبادة مهمة وعدها الله جل شأنه أجرًا كبيرًا؛ حيث أثر ذاته عز وجل بجزاء الصائم وقال:«الصوم لي وأنا أجزي به»، وقد قال النبي ﷺ:«من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».

غزوة بدر

ففي شهر رمضان كتب الله النصر للمسلمين على أعدائهم في عدة مواقع منها أول موقعة حربية بينهم وبين المشركين بـ«بدر»، وفيها كان أول نصر أعز الله به شأن المسلمين، وجعل لهم كيانًا سياسيًا داخل المدينة وخارجها.. ومنها «فتح مكة»، واستسلامها للمسلمين. 

كانت موقعة «بدر» أول معركة بين المسلمين وقريش، وأول مشهد من مشاهد القتال يباشره الرسول ﷺ بنفسه، ويقف فيه موقف المحارب، وقد سبقت موقعة بدر عدة غزوات وسرايا كان يراد بها تهديد قوافل قريش الذاهبة بالتجارة بين الشام ومكة ثم استطلاع أخبار قريش والقبائل العربية القريبة من المدينة، ثم إظهار القوة حتى لا يطمع أعداء المسلمين فيهم.

وأطلق على يوم غزوة بدر الكبرى «يوم الفرقان»؛ لأن الله تعالى فرق فيها بين الحق والباطل وأظهر فيها الإسلام، ودحر الشرك يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة يوم التقى الجمعان من المسلمين والمشركين يوم الفرقان. كما ذكر في قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ﴾ (الأنفال: ٤١).

ليلة القدر.. أرجى ليلة تتحرى

ليلة سبع وعشرين من رمضان هي أرجى ليلة تتحرى فيها ليلة القدر، إلا أن الجزم والقطع بأن ليلة القدر في ليلة معينة من رمضان كليلة سبع وعشرين، هذا الجزم غير صحيح، فقد أخفى الله سبحانه وتعالى عن عباده هذه الليلة، وذكر رسول الله ﷺ بأن لمتحريها أن يتحراها في العشر الأواخر من رمضان في لياليها الفردية (متفق عليه)، ليلة سبع وعشرين هي أحرى ما يمكن أن تكون فيه، وإخفاء الله تعيينها في ليلة من الشهر كان لحكم ربانية، لعل أهمها ألا يتكلوا عليها ويتركوا العمل الصالح في غيرها .

الأسرار الصحية في صلاة التراويح

يحيي المسلمون أيام هذا الشهر المبارك،بكثرة العبادة لله والخضوع والتضرع إليه راجين رحمته ومغفرته.

وأما سنة قيام رمضان فهي عبارة عن إقامة صلاة التراويح، فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن رسول الله ﷺ أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم عدل عن ذلك حتى لا تفرض على المسلمين. 

وقد أثبتت الدراسات والأبحاث الطبية وخصوصًا دراسات وأبحاث الجهاز الهضمي، أن لصلاة التراويح فوائد صحية عظيمة؛ فهي نوع من أنواع الرياضة البدنية التي تنشط حركة الجسم وأعضاءه وخاصة الدورة الدموية بعد الإفطار، فعندما يصلي المسلم العشاء ثم التراويح؛ فإن حركات الركوع والسجود التي يقوم بها تساعد في دفع الهواء من جوف المعدة إلى الفم، فيريحها من وطأة التمدد وما ينتج عنه من مضايقات هضمية وانعكاسات قلبية؛ حيث إن الركوع والسجود يفيدان في تقوية عضلات جدران البطن، ثم إنه يساعد المعدة في تقلصها ومن ثم قيامها بوظيفتها الهضمية، وكذلك يساعد الأمعاء على الدفع بالفضلات بصورة طبيعية، وذلك بأن الصلاة بحركاتها تزيد من حركة الأمعاء وإفرازات المرارة، وفي النهاية، علينا-نحن المسلمين-في هذا الشهر الكريم أن نتبع ونحيي سُنّة رسولنا الكريم حتى ننعم بالأجر العظيم والجزاء الوفير الذي أعده الخالق عز وجل للصائمين، والقائمين، بغض النظر عن الفوائد الصحية لهذه السنة أو تلك.

حكمة تشريع الزكاة

ولئن كانت الصلاة هي العبادة الروحية التي تؤدى بالجسد، فإن الزكاة عبادة روحية أيضًا تؤدى بالمال، فتنفق على مستحقيها الثمانية؛ لكي يأمن بها حياة هؤلاء المحتاجين ويرتبط الأغنياء بإخوانهم الفقراء بالمحبة والتعاطف، حيث قال في كتابه الكريم:﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ﴾(التوبة:60).

زكاة الفطر واجبة على كل مسلم عنه وعمن تلزمه نفقته يوم العيد وليلته وتقدر بصاع، والأصل في ذلك ما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما حيث قال: «فرض رسول اللهﷺ زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»(متفق عليه واللفظ للبخاري).

فقد أنذر الله عز وجل أولئك الذين لا يؤتون الزكاة إنذارًا شديدًا، حيث قال:﴿وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ(34) يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ﴾ (التوبة: 35:34).

جائزة العيد

يعتبر عيد الفطر جائزة من الله تعالى لعباده.. فيحتفل المسلمون في كل قطر من أقطار العالم، وفي كل مصر من الأمصار في اليوم الأول من شهر شوال بعيد الفطر، عيد رمضان المبارك، فيخرجون في الصباح أفواجًا إلى المساجد والجوامع الكبيرة والساحات لأداء صلاة العيد، ويستمعون إلى خطبة العيد لمعرفة الأحكام التي تتعلق بنتيجة صيامهم وقيامهم في شهر رمضان، وما يرتبط بعيدهم من جوانبه الدينية والأخلاقية والاجتماعية، لتكتمل الفوائد من أداء فريضة الصوم.

والمسلمون في يوم عيدهم المبارك هذا يصلون ركعتي العيد ويكبِّرون ويهللون، يشكرون لله على ما هداهم إلى طاعته ووفقهم إلى صيام رمضان وقيام لياليه، وهم بذلك يستحقون ما وعدهم الله من الرحمة والمغفرة والأجر، فقد قال الله تعالى في أواخر آيات الصيام: ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ (البقرة: 185) .

(*) مساعد رئيس تحرير مجلة «النهضة الإسلامية».

الرابط المختصر :