العنوان شيوع احتكار الأراضي في العالم الإسلامي (الحلقة 41)
الكاتب د. عبد الله فهد النفيسي
تاريخ النشر الثلاثاء 08-فبراير-1983
مشاهدات 31
نشر في العدد 607
نشر في الصفحة 13
الثلاثاء 08-فبراير-1983
ينتشر في العالم الإسلامي - كتفريعة من تفريعات سوء توزيع الثروة داء احتكار الأراضي فيلجأ بعض أصحاب النفوذ السياسي والاجتماعي إلى وضع أيديهم على مساحات كبيرة للغاية من الأراضي وتسويرها وتركها هكذا بلا إحياء ولا زراعة ولا استصناع بغرض المضاربة بها كلما احتاجوا لمزيد من المال. والأرض ثروة غالية سخرها الله سبحانه وتعالى لعباده لا لكي يحتكرها هذا أو ذاك بل لكي تكون لها وظيفة اجتماعية يستفيد من ورائها المسلمون. وشيوع احتكار الأراضي بين المسلمين ساهم في بروز طبقة من الرأسمالية العقارية التي تذكرنا بالقبائل التي كانت تحتكر الأراضي في الجاهلية بحجة أنها حمى لخيولها وإبلها والتي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حمى إلا لله ولرسوله» وأنهى بذلك المصطفى -صلى الله عليه وسلم- احتكارهم للأرض وجعلها مشاعًا للناس جميعهم. ومثل ذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماء لسقاية الأرض وإرواء المواشي؛ ومن أجل ذلك حارب احتكار الآبار والمياه. وعلى المسلم المعاصر أن يعلم أن الإسلام من خلال معالجته لهذه القضية - قضية احتكار الأراضي - لا يقر ممارسات الرأسمالية العقارية الحالية التي ساهمت في رفع أسعار الأراضي إلى درجات لا يمكن القبول بها كتطور اقتصادي طبيعي، بل علينا أن نعلم أن غلاء سعر الأراضي الحالي الذي يئن منه المسلمون ما هو إلا نتيجة لظاهرة احتكار الأراضي من طرف قلة قليلة من أصحاب النفوذ وهو أمر لا يقبل به عقل ولا تقره شريعة. فما موقف الإسلام من هذه الظاهرة؟
يجبر مالك الأرض في الإسلام أن يستغلها بل ويعطي المحتاج من بيت المال لتمكينه من هذا الاستغلال. فإذا لم يستغلها خلال ثلاث سنين تؤخذ منه وتعطى لغيره. ولا يجوز في الإسلام أن يمتلك أحدهم الأرض دون أن يكون قادرًا على استغلالها عن طريق إحيائها أو إسكناها أو استصناعها، أما ما يحدث اليوم من وضع اليد على أراض شاسعة وتسويرها وتركها هكذا بدون استغلال واستعمال يؤدي إلى فائدة للمسلمين فلا يجوز فقد حدث يونس عن محمد ابن اسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال:
«جاء بلال بن الحارث المزني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه أرضًا فأقطعها له طويلة عريضة. فلما ولي عمر قال له: يا بلال إنك استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضًا طويلة عريضة فقطعها لك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنع شيئًا يسأله وأنت لا تطيق ما في يديك. قال: أجل، فقال له عمر: فأنظر ما قويت عليها منه فأمسكه، وما لم تطق وما لم تقو عليه فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين قال: لا أفعل والله، فقال عمر: والله لتفعلن فأخذ منه ما عجز عن عمارته فقسمه بين المسلمين»
لقد استنبط الفقهاء من هذه الرواية وأمثالها عدة أحكام منها:
1-لا يجوز لأي سبب من الأسباب تعطيل استغلال الأرض، فهي مثل المال يجب أن يأخذ دورته الاجتماعية ليستفيد عموم المجتمع من تلك الدورة.
2 - إن الأرض إذا لم يطق صاحبها زرعها أو غير ذلك من صنوف الاستعمال وأهملها ثلاث سنين، يجوز للدولة مصادرتها ودفعها لغيره ممن يتمكن من إحيائها كما فعل عمر بن الخطاب مع بلال المزني.
3- لا يجوز لصاحب الأرض أن يؤجرها للزراعة، فإما أن يزرعها لنفسه أو أن يمنحها بدون مقابل لغيره فقد جاء في صحيح مسلم: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ للأرض أجر وحظ» (مسلم :3919). وجاء في سنن النسائي: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض قلنا يا رسول الله إذن تكريها بشيء من الحب قال لا قلنا تكريها بالتين قال لا. قلنا نكريها على الربيع قال لا. أزرعها أو امنحها أخاك» (النسائي:7/37).
٤ - تملك الأرض بالتحجير، والإقطاع والإحياء والميراث والشراء وفي كل أحوال التملك لا يجوز تعطيل استغلالها.
هكذا يتبين لنا أن أحكام الشريعة الإسلامية في ملكية الأراضي لا تقر احتكار الأراضي الحاصل في العالم الإسلامي اليوم، وأنها تقف الصالح توزيعها على عموم المسلمين القادرين على زراعتها وإحيائها وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَن أحيا أرضًا ميِّتةً فَهيَ لَهُ وليسَ لعِرقٍ ظالِمٍ حقٌّ »(أبو داود:3073).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل