; صراع أم حوار؟ | مجلة المجتمع

العنوان صراع أم حوار؟

الكاتب ا. د. عماد الدين خليل

تاريخ النشر السبت 05-يناير-2013

مشاهدات 13

نشر في العدد 2034

نشر في الصفحة 43

السبت 05-يناير-2013

بعيدًا عن أية صيغة من صيغ التقبل أو رد الفعل لعبارة «كبلنج» المستهلكة: «الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا»، ولنظرية «صموئيل هنتجتون» في «صراع الحضارات»، فالأغلب أننا نتفق على أن هناك عمقا تاريخيا لصراع الغرب مع الشرق، يبدأ بمحاولات اليونان زمن «الإسكندر المقدوني» للتفرد بحكم العالم.

وينتهي بما يسمى بالنظام العالمي الجديد، حيث تمسك أمريكا برقبة العالم، مرورا بالرومان والبيزنطيين - إلى حد ما - والكنيسة الكاثوليكية في عصر الحروب الصليبية، والإسبان والبرتغاليين فيما يعرف بمحاولة الالتفاف الغربي، والإنجليز والفرنسيين والهولنديين في موجة الاستعمار القديم الأولى، والألمان والطليان زمن الاندفاعات الشوفينية، وصولا إلى الروس تحت مظلة الأممية الشيوعية، والأمريكيين تحت غطاء النظام العالمي الجديد.

هذه الحلقات الأساسية للهجوم الغربي، ما كانت تنطوي - في معظم الأحيان - على بعد واحد، وإنما كانت تتشكل بفعل عوامل عدة، بعضها ديني، وبعضها اقتصادي، وبعضها إستراتيجي، لكن القاسم المشترك الذي يجمعها هو البعد الحضاري «القارّي»، الذي كان يضع المتصارعين، متميزين أحدهما قبالة الآخر، بدرجة قد تبهت وتغيب حينًا، وقد تتضح وتبرز وتزداد خطوطها عمقًا في أغلب الأحيان.

بمعنى أن الصراع كان تاريخيًا، تحكمه قوانين تراكم الخبرة، والتأثير، لكي تجعل النظام العالمي المراد تشكله في اللحظات الراهنة، حصيلة كل الحلقات السابقة في صراع الغرب مع الشرق، وأن الشرق، وعالم الإسلام على وجه الخصوص، يخضع الآن لضغط حضاري عمره عشرات القرون، وينطوي على كل قوى الدفع الديني والاقتصادي والإستراتيجي، وحتى النفسي.. وأن عليه - بالتالي - أن يكون على بينة من الحجم الشامل للصراع، وأن يستجيش كل قدراته المتآكلة، وكل ما يملكه من خزين مادي ومعنوي، لمجابهة التحدي، قبل أن ينطوي في كيان الغالب، ويغيب هناك، ربما، لقرون لا يعلم مداها إلا الله تعالى!

إنه - إذا أردنا الحق - استعمار جديد يحمل في رحمه كل مفردات الغزوات الاستعمارية السابقة، ويزيد عليها.. وبكل تأكيد فإن «القوة» عندما تتعرى عن كل القيم الإنسانية العادلة والنبيلة، وعندما تتفرد في الساحة، فإنه ليس ثمة ما يمنعها من ممارسة «الاستعمار»، فثمة ألف صيغة لهذه الممارسة التي كان القوي فيها دائمًا يأكل الضعيف.

وبدًلا من أن نصب لومنا على الظاهرة، فإن علينا أن نتحقق بالقدرة على المجابهة، بالحصانة التي تجعل «الآخر» يتردد عشرين مرة قبل أن يفكر بإبادتنا، لقد أسدى القرآن الكريم إلينا النصح أكثر من مرة، ونادانا رسول الله ﷺ مرارًا؛ من أجل تحقق كهذا، فلم نسمع النداء!

ولكن هذا ليس هو الوجه الوحيد للصورة، ذلك أن ما يقوله شاعر مثل «كبلنج»، وفيلسوف مثل «صموئيل هنتجتون» ليس قدرًا محتومًا، فالغرب والشرق التقيا أكثر من مرة.. حضاريا يمكن أن نتذكر التجربة «الهلينية» التي امتزجت في إطارها معطيات اليونان بتأثيرات الشعوب المطلة على البحر المتوسط، ويمكن أن نتذكر حالة معاكسة هي تلك التي شهدتها الساحة الأندلسية، حيث قدرت الحضارة الإسلامية أن تؤثر في الثقافات الغربية المحلية وتتأثر بها في الوقت نفسه، فيكون ذلك اللقاء الخصب المتنوع الذي يعرفه الجميع.

والإسلام نفسه، في توجهه الانتشاري إلى العالم كله، وبحكم إنسانيته التي لا مكان فيها لحواجز العرق والطبقة واللون والجغرافيا، قدير - في أي لحظة - على تنفيذ لقاء كهذا، على اختراق المتاريس القارية، وحتى الحضارية، لكي يتوجه بالخطاب إلى الإنسان أيا كان موقعه في الزمان والمكان.

والآن، فإن انتماء نماذج غربية ذات وتائر عقلية وثقافية عالية، إلى هذا الدين، قادمة من رحم البيئة الغربية، ليعطينا شاهدًا آخر على عدم التسليم بالمقولة إياها!

«الهوامش»

(*) مفكر إسلامي - أكاديمي عراقي

الرابط المختصر :