العنوان واجهته «ولاية الفقيه» وجوهره تنافس الأجنحة.. صراع على السلطة في إيران!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1997
مشاهدات 18
نشر في العدد 1278
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 02-ديسمبر-1997
تصريحات منتظري تزامنت مع موجة من الدعوة للإصلاح شاركت فيها جهات طلابية وأطراف سياسية معارضة وعلماء دين
خاتمي ينقذ نفسه بأن يقف على الحياد في أخطر قضية سياسية تشهدها إيران الجمهورية!
للمرة الأولى في تاريخ إيران المعاصر، أي منذ تأسيس نظام الجمهورية عام ۱۹۷۹م، تشهد البلاد تحركات ومظاهرات شعبية واسعة تؤيد طرفًا رئيسيًا في الحكم، وقيادة النظام و«تندد بجهة معارضة أو معادية»، كما جرى الأسبوع الماضي، إذ كانت العاصمة طهران وجل مدن ومحافظات البلاد مسرحًا لتجمعات «ضخمة» ومسيرات «حاشدة» جددت «البيعة» لـ«ولي الفقيه «مرشد الثورة» آية الله علي خامنئي وطلبت الموت لـ«أعداء ولاية الفقيه»، وحملت في عنف على آية الله منتظري الخليفة المعين السابق لمؤسس الجمهورية آية الله الخميني.
طبعًا ليس المقصود أن يعلن الإيرانيون للمرة الأولى تأييدهم لخامنئي، فذلك بات عادة في كل مناسبة، وأحيانًا من دون مناسبة، لكن اللافت الجديد هو أن تظهر التحركات المؤيدة وكان هناك صراعًا على موقع «قائد الثورة والنظام، بين المرشد «أي خامنئي حاليًا»، ومنافس «كبير» يحظى بدعم معين كما يصور، حتى أن تحليلات في الغرب بدت واثقة من أن ما يحصل في إيران- الجمهورية، هو صراع على السلطة وأن الخلافات عميقة ومتجذرة، وأن البلاد مقبلة على «اهتزازات عنيفة».
فهل حقًا أن إيران ستشهد صراعات عميقة على موقع ولي الفقيه، ويكون التنافس على منصب القائد هو عنوان المرحلة المقبلة، وما حقيقة ما جرى في الآونة الأخيرة وخلفياته، وما آثاره على الواقع السياسي والشعبي والمحلي وتأثيراته على استحقاقات إيرانية خارجية؟
سهام «المعارضة» على ولاية الفقيه
في حوزته العلمية وأمام طلابه وعدد من مؤيديه وبعض المراقبين، وجه آية الله منتظري قبل أسبوعين انتقادات لاذعة لآية الله خامنئي وشكك في مؤهلاته الفقهية الدينية وفي كفاءاته الذاتية على «القيادة»، وجزم بأنه ليس «مجتهدًا» أي لا يحمل درجة دينية تؤهله ليكون وليًا للفقيه، واتهمه بأنه جعل من موقع «القائد»، وكأنه «شاه» وبأنه يحيط نفسه بـ«وجاهة السلاطين» وبأنه يبذر مليارات الريالات في مصاريف لا جدوى لها أثناء تنقلاته في داخل البلاد، وتنظيم استقبالات شعبية حاشدة، وأشار إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي حقق فيها الرئيس الحالي الدكتور محمد خاتمي فوزًا ساحقًا، وإلى أن خامنئي كان يفضل فوز مرشح المحافظين ورئيس البرلمان علي أكبر ناطق نوري، ولم يكن خافيًا دعمه المباشر وغير المباشر له «مستغلًا» موقعه كمرشد ونفوذه على جميع مؤسسات النظام والدولة الدينية والمدنية والإدارية وحتى الأمنية، وقال منتظري: إن نتائج الانتخابات لم تكن فوزًا لخاتمي وتأييدًا شعبيًا واسعًا له فقط، بل كانت كذلك رسالة واضحة من الشعب من أنه يرفض خامنئي وآراءه وتوجهاته السياسية وطريقته في إدارة الأمور، ودعا منتظري الرئيس خاتمي إلى كشف الحقائق أمام الرأي العام وإعلان أن خامنئي يشكل عقبة أمام تحقيق طموحات الجماهير الشعبية، وأن يقدم استقالته أو يضع خامنئي أمام الأمر الواقع ويعمل بما يراه مناسبًا بما أنه يحظى بتأييد عشرين مليون إيراني على أقل تقدير، وحمل منتظري في شدة على «أنصار حزب الله» الذين يعتقد بل ينظر إليهم في إيران على أنهم «أداة» لقوى ضغط دينية وغير مدنية مرتبطة بمكتب المرشد وعلى علاقة وطيدة يصفها البعض بأنها «عفوية» مع جهات في تيار اليمين المحافظ، وقال إنهم حفنة من الأطفال أنشئوا للإثارة وافتعال القضايا والمشكلات على أن يلوذوا بالصمت عندما تنتهي مهمتهم بعد كل قضية أو حادث.
وأتى كلام منتظري بعد أيام قليلة من موقف قرره أحد رجال الدين المعروفين في مدينة «قم» وهو آية الله آذري قمني، وجه فيه هو الآخر انتقادات لخامنئي، واعتبر أن «ولاية الفقيه» هي «نظرية» فقهية وليست «مبدءًا مقدسًا»، علمًا بأن منتظري يعتبر المؤسس الفعلي لهذه النظرية، وليس الإمام الخميني، ولذلك حرص على أن يظهر وكأنه صاحب حق مشروع في الحديث عن «ولي الفقيه» وانتقاده، وشدد على أن دوره ليس إدارة شؤون النظام والدولة، بل مراقبة القضايا الكبرى في النظام والبلاد.
وكانت هذه المواقف والانتقادات في حوزة «قم» قد تلت مناقشات في جامعة طهران قبل نحو ثلاثة أسابيع، تضمنت مطالبة من رموز طلابية وسياسية معروفة بتعديل الدستور بحجة انتخاب المرشد بالاقتراع الشعبي المباشر بدل انتخابه من قبل مجلس الخبراء الذي ينتخب أعضاؤه في الواقع بالاقتراع الشعبي، ودعا أمين عام أحد الاتحادات الطلابية المهندس حشمت الله طبرزدي إلى تحديد فترة ولاية المرشد في مدة زمنية معينة بدلًا من أن تكون مفتوحة قد تصل إلى مدى الحياة.
تزامن كل ذلك مع بيانات أصدرتها المعارضة الليبرالية خصوصًا «حركة الحرية» التي يتزعمها وزير الخارجية السابق في الحكومة المؤقتة بعد انتصار الثورة الدكتور إبراهيم يزدي لم تخف معارضتها لولاية الفقيه المطلقة، التي تمنح المرشد صلاحيات لا حدود لها، وحذرت من أن الطابع الجمهوري لنظام الحكم مهدد من جماعات تقليدية تنظر للاستبداد باسم الدين.
رد عنيف على المؤامرة
لذلك، رأت أركان في الحكم والقوى المتنفذة في قيادة النظام أن تلاحق التصريحات والمواقف والبيانات تارة من قبل جهة طلابية، وأخرى من أطراف سياسية معارضة، لا تخفي السلطات ريبتها في علاقاتها المشبوهة مع أوساط دولية وثالثة من جانب رجال دين، وأخيرًا من قبل منتظري الذي يعد أحد المراجع الدينية التقليدية إن لم يكن أبرزها، ويقول أتباعه إن نحو أربعة ملايين إيراني يقلدونه في الفتاوى واجتهاداته الفقهية، أن تلاحق كل هذا في نظر أركان في الحكم ليس مصادفة، وعبر عن هذا الأمر بوضوح رئيس السلطة القضائية وأحد رموز اليمين المحافظ آية الله محمد يزدي، عندما شدد على أن الحركة التي قام بها منتظري «الفاشل والساذج» و«المعزول»، كانت مدبرة ومنظمة وجزءًا في خطة تستهدف المس بولاية الفقيه وبشرعية القائد «خامنئي».
ولم يكتف المدافعون عن «الولاية» بالرد على الانتقادات الكلامية بانتقادات معاكسة سواء عبر الإعلام أو في المؤسسات الدينية بل جعلوا منها «قضية شعبية»، وحذروا من أن التزام الصمت سيعرض المبدأ المحوري في النظام والدستور- أي ولاية الفقيه- للخطر وجزموا بأن عدم الدفاع المستميت عن خامنئي سيجرئ المعارضين والمتآمرين في الداخل والخارج على المضي قدمًا في نهج ضرب الثورة والقضاء على النظام.
وكانت بداية التحركات «الشعبية» المنددة بمنتظري والمؤيدة لخامنئي في مدينة قم بالذات، عندما أعلنت الحوزة الدينية الإضراب وسيرت مظاهرة «حاشدة»، وهاجم متظاهرون مكتب ومنزل «منتظري» وتأكد اقتحام مكتبه وإلحاق أضرار بتجهيزاته ومحتوياته، ويؤكد شهود عيان أنه لولا تدخل قوات الشرطة للحق بمنتظري شخصيًا أذى يهدد حياته ثم تسارعت وتيرة الأحداث، وفجأة تصعدت الحملة على منتظري ونظمت مظاهرات شعبية موجهة بعناية في أغلب مدن ومحافظات البلاد، حتى أن من لم يسمع بما قاله منتظري ومن لم يكن على علم بالموضوع، بات عارفًا بالتفاصيل، واللافت أن اليمين المحافظ، وهو التيار الذي يتألف من تحالف بين المؤسسة الدينية التقليدية والبازار «قوى الرأسمالية التجارية»، والذي يعد التيار الأكثر تنفذًا في الدولة والإدارة، هو الذي استلم زمام الأمور وقاد حملة التصعيد السياسي والإعلامي والميداني بحجة الدفاع عن ولاية الفقيه، وإنقاذ النظام والتصدي للمؤامرة.
وفي المقابل التزم الرئيس محمد خاتمي الصمت، وإن بدا مدافعًا عن «ولاية الفقيه»، ذلك أنه عشية اندلاع الأزمة بشكل فعلي، تحدث خاتمي من على شاشة التلفزيون الرسمي في حوار لمناسبة مرور مائة يوم على بداية عهده الرئاسي، ودافع عن ولاية الفقيه، وبدا كلامه انحيازًا لخامنئي في «المعركة»، لكن تبين أن الحوار سجل قبل أسبوع كامل من بثه، كما أكدت المعلومات أن خاتمي دعا بعد أيام قليلة من تفجير القضية وتصاعد حدة التوتر إلى اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي، وأكد أن الحكومة تقف على الحياد في هذه القضية «السياسية»، وأنه هو شخصيًا ليس راضيًا عن وتيرة التصعيد والتهييج التي تقودها جهات «معروفة».
ولا شك أن موقف خاتمي فاجأ حتى المقربين منه، إذ تعتبر أوساط عدة في البلاد أن المستهدف الرئيسي من التصعيد هو إضعاف خاتمي أو استفزازه إما لجهة التصادم مع الرأي العام أو مع القيادة أو مع الحوزة الدينية، ولذلك يرى هؤلاء أن خاتمي استطاع أن يخرج من هذه الجولة بسلام وتصرف كرجل دولة، للجمهورية وليس طرفًا في نزاع أو زعيمًا لتيار ديني- سياسي.
الخلفيات والآثار
ولا يجد المراقب عنتًا شديدًا في التقرير بأن القضية اتخذت منحنى سياسيًا ضمن الصراع السياسي القائم بين جناحي النظام الرئيسيين، أي اليمين المحافظ والتيار الإصلاحي المعتدل الذي بات خاتمي هو رمزه، وهذا الصراع ليس جديدًا، بل إنه اتضح بشكل صارخ في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في المنافسة الشديدة التي خاضها خاتمي مع مرشح المحافظين والنظام بكامله ناطق نوري، وبما أن اليمين المحافظ هو التيار الأقوى على الساحة والأكثر نفوذًا في مؤسسات النظام وهياكل الدولة، فإنه فوجئ بل صعق للهزيمة القاسية التي تكبدها في الانتخابات، ولا سيما أنه اكتشف عمق الهوة التي تفصله كتيار حاكم عن الشعب.
ومما لا شك فيه أن المحافظين أجروا تقويمًا شاملًا للمرحلة السابقة ودراسة وافية لنتائج الانتخابات الرئاسية، ويقول مطلعون موثوق بهم بأنهم اتخذوا قرارًا بعد أسابيع قليلة من فوز خاتمي، بالعمل على استرجاع السلطة بأي شكل والعودة إلى الواجهة والساحة الشعبية بقوة في أول فرصة، ويبدو أن انتقادات منتظري لخامنئي شكلت الفرصة الذهبية لهم ليقودوا حركة عارمة تجرؤ قلة على استنكارها ويتحرج الغالبية من الانخراط فيها، وهي حركة الدفاع عن مكانة ولاية الفقيه و«مقام» المرشد خامنئي، ولعل حجتهم تبدو أكثر قوة بما أن منتظري كان قد أقصي من منصبه كنائب وخليفة لولي الفقيه من قبل الخميني شخصيًا قبل أشهر قليلة من وفاته «۱۹۸۹م»، ولذلك نشرت الرسالة التي قيل إن الخميني وجهها لمنتظري وأعلمه فيها بقرار عزله.
ولا شك أن المحافظين نجحوا في خطوتهم وكسبوا الجولة الأولى من «المعركة»، لكن خاتمي نجح في عدم السقوط في الفخ وتجاوز «اللغم».
هذا لا يعني أن المسألة جزء من صراع سياسي فقط، إذ قد يتخذ طرف سياسي من قضية ما مدخلًا لكسب سياسي، وهذا ما حصل بالنسبة للمحافظين، لكن «تطاول» أو «تجرؤ» جماعات دينية وسياسية وحتى شبابية على ولاية الفقيه والمطالبة بتعديل الدستور وتوجيه انتقادات مباشرة وصريحة لرجل البلاد الأول خامنئي، يشير إلى أن القضية عميقة، وأن استمرارها قد يؤدي إلى مضاعفات عدة وسيناريوهات مختلفة، لذلك انخرط خامنئي نفسه في الموضوع واتخذ موقفًا صريحًا في نهاية المطاف بعد سلسلة من التحركات «الشعبية»، وحمل في عنف على منتظري من دون أن يسميه، واعتبر في كلمته أمام آلاف من قوات البسيج «المتطوعين» أن «الأعداء» مستمرون في حملاتهم المعادية، والعدائية على الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية، وشدد على أن المؤامرات ومحاولات تفجير الوضع وضرب النظام لن تكون بعمليات عسكرية، بل باستهداف المقومات الروحية والدينية وثوابت النظام وقيم «الثورة» و«مبادئ النظام»، أي أن خامنئي زكى بشكل غير مباشر حملات التصعيد ومظاهرات التأييد والتنديد، ووجه تحذيرات واضحة إلى أن من يتطاول على القيادة، فإنه سيلقى «ردًا مباشرًا وواضحًا ورادعًا»، مشددًا في الوقت ذاته على أن تحذيراته ليست موجهة للداخل فقط، بل أيضًا للخارج و«خصوصًا أمريكا».
وعلى هذا الأساس، يبدو أن المرحلة المقبلة أي الأشهر القليلة القادمة ستشهد انكماشًا وربما حتى انحسارًا للقوى الإصلاحية والطلابية والسياسية المطالبة بإحداث إصلاحات جذرية وسريعة، إذ إن تحركات اليمين المحافظ كانت رسالة تحذيرية واضحة لهؤلاء، كما تأكد أن على خاتمي أن يعمل بهدوء شديد وحذر كبير، ليثبت جذور المعتدلين والإصلاحيين في الدولة والنظام، وتجنب السقوط في فخ الاستفزازات وسياسة الاستنزاف التي سيواصل منافسوه اتباعها في المرحلة المقبلة، كما تؤشر المعطيات إلى أن خاتمي سيكون حريصًا على التعاون الكامل مع خامنئي، لأن لتصادم الرجلين انعكاسات خطيرة للغاية على استقرار الوضع وحتى النظام وستفلت الأمور وقتذاك من زمام الجميع.
أهم تجمع للمسؤولين العرب لم يتم في الدوحة، بل سيتم في اجتماع طهران في الشهر الحالي، وهي قمة لن تدعى لها الولايات المتحدة ولا إسرائيل.
جريدة نيويورك تايمز
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبديتش هل يفلح في إقصاء بيجوفيتش وتدمير البوسنة والهرسك؟ مؤامرة على رئيس البوسنة والهرسك
نشر في العدد 1057
12
الثلاثاء 13-يوليو-1993
المؤامرة على التاريخ الإسلامي «2 من 2»- تفسير التاريخ من خلال تصور مادي غربي مارکسي
نشر في العدد 1089
13
الثلاثاء 22-فبراير-1994