; صفحات مضيئة من حياة الدكتور سعيد رمضان | مجلة المجتمع

العنوان صفحات مضيئة من حياة الدكتور سعيد رمضان

الكاتب هاني سعيد رمضان

تاريخ النشر الثلاثاء 26-سبتمبر-1995

مشاهدات 31

نشر في العدد 1168

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 26-سبتمبر-1995

كان قد اعتاد الاتصال بي هاتفيًا في بريطانيا كل بضعة أسابيع أو نحو ذلك، إما عندما كان يتلقى العدد الجديد من «إمباكت» (Impact) أو عندما كان يريد أن نتداول معًا أفكاره بشأن أية قضية ذات أهمية آنية، أما الآن فبدلًا من المكالمة جاء الخبر: ففي يوم الجمعة الموافق ٤ أغسطس (آب) 1995م، انتقل إلى رحمة الله الدكتور سعيد رمضان في أحد مستشفيات جنيف، ولم تكن حالته الصحية جيدة طوال وقت ليس بالقصير.

كان سعيد رمضان واحدًا من أصحاب أذكى العقول في العالم الإسلامي، وكان بذهنه الحاد التحليلي الاستراتيجي قارئًا نهمًا بالإنجليزية والفرنسية والعربية، وكان يتابع على نحو حثيث الأنباء، سواء ما كان منها نائيًا ساحته إندونيسيا أو قريبًا ساحته البوسنة.

وكان من المثير للاهتمام دائمًا أن تستمع إليه أو حتى أن تحاجه، وكان يمكن أن يوصف بأنه فريق جهابذة مؤلف من رجل واحد غير أنه مما يؤسف له أن حالته الصحية وظروفه السياسية على مدى السنوات العشر الأخيرة قد حدَّت كثيرًا من قدرته على الاتصال بدائرة محبيه على نطاق العالم من أصدقاء ومعجبين به. فلم يعد يكتب وهو صاحب الأسلوب الرائع القوي، ولكنه لم يتوقف عن التفكير في شئون المسلمين والإسلام والعالم من حوله.

ولد سعيد رمضان في عام ١٩٢٦ في مدينة شبين الكوم التي تقع على مسافة ٧٠ كيلو مترًا شمالي القاهرة، وقد ولد في فترة كانت مصر تجتاز فيها عملية تجديد فكري وثقافي انطلقت بها حركة «الإخوان المسلمون» التي أسسها حسن البنا في عام ۱۹۲۸م، والتحق بحركة الإخوان وهو ما زال في المدرسة الثانوية في طنطا، وحصل على «ليسانس» الحقوق من جامعة القاهرة في عام ١٩٤٦.

وعرف حسن البنا بعد أن حضر إحدى محاضراته في طنطا «كان عمره آنذاك ١٤ عامًا، ثم التقط حسن البنا ذلك الشاب الواعد ليتولى تحرير «الشهاب» «١٩٤٧- ١٩٤٨م» التي كانت مجلة شهرية خاصة لـ«الإخوان المسلمون» وفي مايو (آيار) ١٩٤٨م، كان واحدًا من آلاف متطوعي الإخوان المسلمون للقتال من أجل فلسطين.

وعندما رأى أن اليهود كانوا على وشك الوصول إلى القدس الشرقية اتصل هاتفيًا بحسن البنا في القاهرة وأيقظ الملك عبد الله ليلًا في عمان طالبًا منه أن يأمر الجيش الأردني بالانضمام إلى المتطوعين في الحال، وبعد ذلك عينه الملك عبد الله رئيسًا للمحكمة العسكرية في القدس، وبعد ذلك بشهرين غادر سعيد رمضان القدس إلى باكستان (١٩٤٨). وقد قال حسن البنا قبل اغتياله إنه لولا «الإخوان المسلمون» لفقد المسلمون القدس الشرقية، وذكر اسمين في هذا الصدد: سعيد رمضان، ومصطفى السباعي «قائد الإخوان المسلمون في سوريا».

وفي 8 ديسمبر «كانون الأول» ١٩٤٨م، وبضغط من حكومات أجنبية، حظرت جماعة «الإخوان المسلمون» بأمر من أوامر الأحكام العرفية لكونها كانت تدعو الحكومات العربية إلى إعلان الجهاد من أجل الدفاع عن فلسطين واغتيل حسن البنا في ۱۲ فبراير «شباط» ١٩٤٩م على أيدي عملاء الحكومة.

وكان سعيد رمضان موجودًا آنذاك في باکستان لحضور مؤتمر العالم الإسلامي الذي أُحييت فكرته من جديد وعقد في كراتشي وكانت آخر مرة عقد فيها ذلك المؤتمر من قبل هي في القدس في عام ۱۹۳۱، وكان اسم سعيد رمضان قد اقترح لشغل منصب الأمين العام للمؤتمر، ولكن ذلك كان سيبدو اختيار جسورًا وفضل أصحاب الحكمة اختيار إنعام الله خان بدلًا منه.

وبقي سعيد رمضان في باكستان وأصبح جزءًا من روح الأمة الواحدة التي اتسم بها ذلك البلد الإسلامي الجديد، ولا سيما في أوساط الشباب والمثقفين المسلمين، ودعي إلى إلقاء حديث منتظم في القسم العربي من الإذاعة الباكستانية، وكتب رئيس الوزراء الباكستاني لياقة علي خان «الذي توفي في عام ١٩٥١م» تصديرًا لأحد كتيباته، وارتدى سعيد رمضان غطاء رأس من النوع الذي كان يرتديه محمد علي جناح وتوجه في جولة إلى البلدان العربية بوصفه سفيرًا ثقافيًا لبلد أنشئ باسم الإسلام وكان يُعتبر أمرًا غريبًا في مجتمع الدول القومية المسلمة، وقد بقي على صبغته الباكستانية التي لا تنازع حتى بعد وفاته.

وذهب سعيد رمضان في آخر رحلة له إلى مصر بجواز سفر باكستاني، وكان يود أن يُدفن في المدينة المنورة، فإن لم يمكن ذلك فبجانب حسن البنا في القاهرة، ودُفن في 9 أغسطس «آب» ١٩٩٥م في مقابر الشافعي بالقاهرة.

كان سعيد رمضان قد عاد إلى مصر بعد أن رُفع في عام ١٩٥٠ الحظر الذي كان مفروضًا على الإخوان، وفي عام ١٩٥١، بدأ في إصدار «المسلمون» وهي مجلة شهرية للفكر الإسلامي والشئون الجارية، وفي عام ١٩٥٣م، توجه كل من سعيد رمضان وسيد قطب إلى القدس ممثلين لـ«الإخوان المسلمون» في الاجتماع الأول لمؤتمر العالم الإسلامي حيث انتخب سعيد رمضان أمينًا عامًا للمؤتمر، وكان من بين أعضاء هيئة المؤتمر الشيخ محمد محمود الصواف والشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ فضيل الورتلاني، والسيد كامل الشريف «أما الاجتماع الثاني للمؤتمر فقد عُقد في دمشق في عام ١٩٥٦، وكان رئيس المؤتمر هو المرحوم الدكتور محمد ناصر من أندونيسيا».

ولكن جمال عبد الناصر قمع الإخوان في عام ١٩٥٤م، وأودع سعيد رمضان مع غيره من كبار قادة الإخوان وراء القضبان، وتوقفت «المسلمون» عن الصدور، بيد أنه بعد تدخل اللواء محمد نجيب، أطلق سراحه بعد أربعة أشهر من الاعتقال، وغادر مصر إلى القدس حيث عمل مع مؤتمر العالم الإسلامي «أمينًا عامًا» يتنقل بين القدس ودمشق وبيروت إلى أن رفض «غلوب» باشا السماح له بالعودة إلى القدس، وعندما فصل الملك حسين «غلوب» أمكن لسعيد رمضان أن يعود حينئذ إلى القدس، وفيما بين عامي ١٩٥٤ و١٩٥٧م عاش في دمشق حيث استؤنف إصدار «المسلمون» في عام ١٩٥٦م حتى عام ١٩٥٨م، ثم أقام من ثمانية إلى تسعة أشهر في بيروت.

ووصل إلى جنيف في ۲۸ أغسطس «آب» ١٩٥٨م، واستؤنف إصدار «المسلمون» في عام ١٩٦١، وكان قد أصبح لهذه المجلة بالفعل تأثير كبير على عالم المثقفين العرب ولكنها بعد أن جاءت إلى جنيف أصبحت ناطقًا غير رسمي باسم التيار الإسلامي في العالم في حقبة ما بعد الاستعمار، وكانت «المسلمون» موضع إعجاب ليس فقط بسبب ما اتسمت به من علم ومعرفة عميقين وما ميزها من نفاذ بصيرة وأتاحته من إلهام، ولكن أيضًا- وبقدر مساوٍ- بسبب ما اتصف به أسلوبها من قوة وسحر.

وأثناء وجوده في جنيف، نشر أيضًا الطبعة الأولى من كتاب «القانون الإسلامي»: نطاقه وعدالته»، وقد كتب عنه العلامة القانوني الباكستاني أ. ك بروحي- الذي توفي في عقد الثمانينيات- واصفًا إياه بأنه «كتاب ذو أهمية كبيرة للمسلمين في جميع أرجاء العالم، وخاصة الشعوب البلدان الإسلامية المحررة حديثًا التي بعد أن ألقت عن كاهلها نير الحكم الاستعماري تبدأ في إقامة نظامها القانوني الخاص بها مكان النظام الذي كان سادتها الأجانب قد قدموه لها».

وفي عام ١٩٦١ أنشأ سعيد رمضان مركزًا إسلاميًا في جنيف «نذر لعبادة الله» ويهدف إلى جمع جميع المؤمنين بالله معًا من أجل «مواجهة تحدي المادية الإلحادية»، وكان المركز يضم في عضوية مجلس إدارته شخصيات قيادية لامعة مثل حيدر بامات، والدكتور محمد ناصر، ومحمد أسد، والبروفيسور محمد حميد الله، ومولانا ظفر أحمد أنصاري، ومولانا أبو الحسن علي الندوي، وانطلق المركز انطلاقة مرموقة وإن بعض منشوراته الأولى المتعلقة بجوانب شتى من الإسلام والتي صدرت باللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية قد أصبحت من المقروءات الشعبية والأساسية في أوساط الجاليات الجديدة والوليدة في أوروبا ولكن في أماكن أخرى أيضًا ومع بدء اضمحلال اهتمام باكستان بوحدة العالم الإسلامي شهد شهر مايو «آيار» ١٩٦٢م مولد هيئة إسلامية دولية أخرى هي «رابطة العالم الإسلامي» وكان من بين الأعضاء المؤسسين للرابطة بعض أكثر الشخصيات جدارة بالثقة في العالم الإسلامي منها كثيرون من أعضاء «مؤتمر العالم الإسلامي» ولم يقتصر دور سعيد رمضان على المساعدة في صياغة دستور هذه المنظمة فحسب، بل إنه كان أيضًا شخصية رئيسية وراء تشكيلها.

وكان سعيد رمضان يخطط لإقامة سلسلة من المراكز الإسلامية في جميع المدن الرئيسية في أوروبا، وقد افتتح مركزًا في ميونيخ وآخر في لندن «في عام ١٩٦٤م» كان فيه رياض الدروبي، وجعفر شيخ إدريس أعضاء في مجلس الإدارة، وكان تصوره لهذه المراكز أنها كيانات شعبية متحررة من أية سيطرة حكومية.

اهتمامه الخاص بالإعلام

وكثيرون في عالم المثقفين الإسلامي لا يجدون في إصدار مجلة أو صحيفة إسلامية فائدة إلا كونها وسيلة لنشر خطاباتهم أو كتاباتهم أو الدعاية لها، أما سعيد رمضان فقد كان يدرك تمام الإدراك دور وأهمية أداة إخبارية إسلامية مستقلة وموثوق بها تصبح بدونها عملية وضع السياسات الإسلامية إما رميًا في الظلام أو رميًا توجهه وسائط الإعلام الأخرى. وقد انزعج انزعاجًا هائلًا عندما اضطرت مجلة «إمباكت Impact» إلى التوقف في أكتوبر «تشرين الأول» ۱۹۹۰م. فقام بالاتصال بعشرات الأشخاص في جميع أنحاء العالم محاولًا إشعارهم بالخجل من هذا الوضع وحاثًّا إياهم على المساعدة في إعادة إحياء المجلة.

وكان يتصل بنا بعد ذلك للتأكيد مما إذا كان «فلان ما» أو «علان ما» قد أرسل تبرعه لكي يصيح في وجوههم عندما بُلِّغ بأنهم لم يفعلوا شيئًا، ولكن موقفه لم يقتصر على أن يطلب من الآخرين التبرع فحسب، ولكنه كان يرسل بنفسه «شيكًا» شخصيًا صغيرًا من حيث الأرقام المدونة فيه ولكنه ملئ بالبركة الحقيقية، فلم يكن إقفال «إمباكت» مقبولًا لديه، فقد كان رجلًا ذا موارد متواضعة ولكنه ذو قلب كبير كريم، ولم يهدأ له بال حتى عادت «إمباكت» إلى الصدور مرة أخرى بفضل الله.

وقد ترك من بعده زوجة مخلصة ورعة هي «وفاء» ابنة الإمام الشهيد حسن البنا وخمسة أبناء هم أيمن وبلال، وياسر، وطارق، وابنة هي أروى.

سيرة ذاتية للدكتور سعيد رمضان

ولد في شبين الكوم في 12/ 4/ 1926م وتوفي في جنيف في 4/ 8/ 1995م

1937 إتمام الدراسة الابتدائية في طنطا.

1942 إتمام الدراسة الثانوية في طنطا.

1946 إتمام الدراسة الجامعية في القاهرة.

47 – 1948 مدير مجلة «الشهاب».

1948 تطوع للجهاد في فلسطين، رئيس المحكمة العسكرية في القدس.

1948 زيارة باكستان والإقامة بها.

1950 العودة إلى القاهرة.

1953 انتخب أمينًا عامًا لمؤتمر العالم الإسلامي في القدس.

1954 أربعة أشهر في المعتقل، ثم المغادرة إلى القدس.

54- 1956 الذهاب إلى دمشق والعيش فيها، والتنقل بين بيروت والقدس ومكة المكرمة، بوصفه الأمين العام لمؤتمر العالم الإسلامي بالقدس.

1955 إسقاط الجنسية المصرية عنه بأمر من «مجلس قيادة الثورة» في مصر

1957 اضطر إلى مغادرة دمشق بعد إعلان الوحدة مع مصر في ظل رئاسة عبد الناصر لها.

57- 1958 بيروت «بعد نزول قوات الجيش الأمريكي في لبنان- أثناء الحرب الأهلية فيه في عام 1985- والجيش البريطاني في بغداد اضطر إلى مغادرة بيروت إلى جنيف».

28/ 8/ 1958 الوصول إلى جنيف والإقامة بها.

1959 الحصول على الدكتوراه في القانون، من جامعة «كولون» في ألمانيا.

1961 إنشاء المركز الإسلامي في جنيف.

الاشتراك في تأسيس رابطة العالم الإسلامي.

1962 إصدار كتيبات بثلاث لغات، كانت تصدر عن المركز الإسلامي.

الرابط المختصر :